الجزائر: العزوف الانتخابي هاجس السلطة

11 ديسمبر 2019
من التظاهرات في العاصمة أمس (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
على وقع استمرار التظاهرات المعارضة للانتخابات الرئاسية التي تشهدها الجزائر غداً الخميس، تتزايد المخاوف حول عزوف الجزائريين عن المشاركة في هذه الانتخابات، وانقسامهم بين رافض ومشارك لها، على خلفية الحراك الشعبي المستمر منذ 22 فبراير/شباط الماضي. وتأتي هذه المخاوف تماشياً مع اتساع رقعة الرافضين للانتخابات في الشارع وإعلان عدد من الأحزاب السياسية من المعارضة والشخصيات الوطنية مقاطعتها للانتخابات.

وتواصل أمس الحراك الرافض للانتخابات، إذ شهدت العاصمة وعدد من المدن الجزائرية تظاهرات كبيرة، وسط تشديد أمني يحاصر وسط العاصمة ومداخلها الرئيسية. وخرج آلاف الطلبة والناشطين والمواطنين في العاصمة منذ صباح أمس الثلاثاء، وتجمعوا في ساحة الشهداء قبل بدء مسيرة حاشدة إلى ساحة البريد المركزي والجامعة المركزي. وللمرة الأولى سارت التظاهرة باتجاه أعلى شارع ديدوش مراد، ولوحظ تواجد عدد من الصحافيين الأجانب، الذين قدموا لتغطية الانتخابات الرئاسية، واستغل المتظاهرون حضورهم لإبراز مواقفهم الرافضة للانتخابات. ونشرت السلطات أعداداً كبيرة من قوات الأمن والشرطة وفرق مكافحة الشغب وسط العاصمة وفي الشوارع الرئيسية وقرب الساحات التي تتمركز فيها التظاهرات، لكنها تلافت بحسب تعليمات وجهت لها أي صدام مع المتظاهرين وعدم الرد على أي استفزاز، ومارست أعلى درجات ضبط النفس، خصوصاً في ظل حضور الصحافة الأجنبية.

ويصر المتظاهرون على مواصلة الحراك بطريقة سلمية حتى تحقيق الأهداف المعلنة منذ 22 فبراير ورفض الانتخابات التي ستجرى الخميس في ظل بقاء رموز نظام بوتفليقة. وجدد المتظاهرون المطالبة برحيل رئيس الحكومة نور الدين بدوي.
وقال الطالب في كلية العلوم السياسية حسن سعيدي، إن الاحتجاجات مستمرة لغاية تحقيق المطالب، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المسيرات الطالبية التي انضمت إليها حشود كبيرة من المواطنين من مختلف الاعمار تأتي لتأكيد رفض الشعب للانتخابات، وقال إن "الشعب لا يثق في وعود السلطة لنزاهة الانتخابات، وهذه الانتخابات بهذه الظروف هي فرض للأمر الواقع من قبل السلطة وهروب إلى الأمام ورفض السماح بدء مسار ديمقراطي حقيقي".
وهاجم المتظاهرون مجدداً قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح ورددوا شعار "دولة مدنية لا عسكرية". وقال بن عامر أحمد، وهو أحد كوادر ثورة التحرير الجزائرية ويشارك في التظاهرات، لـ"العربي الجديد" إنه "منذ الاستقلال كان الجيش يحكم ويدير البلاد وهو الذي قرر كل الخيارات التي فرضت على البلاد، والحراك جاء ليضع نقطة توقف لهذه الطريقة في الحكم والتي تظهر أنه يراد لها أن تبقى عبر انتخابات مشبوهة الخميس".

هذه الأجواء تعزز مخاوف السلطة من تراجع نسبة المشاركة في هذا الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً أنه منذ بدء احتجاجات شعبية ما عرف إعلامياً بـ"موجة الربيع العربي الأولى" أي مع بداية العام 2011، شهدت نسب الانتخابات في الجزائر تراجعاً، سواء بالنسبة للانتخابات البرلمانية والبلدية والرئاسية، إذ بلغت نسبة المشاركة في انتخابات التشريعية في 10 مايو/أيار 2012 نسبة 42,9 في المائة، أما الانتخابات البلدية أو المجالس البلدية التي أجريت في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، فبلغت نسبة المشاركة 45 في المائة.
وبالمقارنة مع الانتخابات السابقة، سجلت وزارة الداخلية التي كانت تشرف على العملية الانتخابية، نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية في الرابع من مايو/أيار 2017، بالأضعف منذ بدء احتجاجات الربيع العربي ووصلت إلى 38 في المائة، بينما ارتفعت نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 قليلاً مقارنة مع سابقتها، إذ بلغت نحو 47 في المائة.


أما بالنسبة للانتخابات الرئاسية، في 17 إبريل/نيسان 2014 والتي فاز فيها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بولاية رئاسية رابعة، بأغلبية ساحقة من أصوات الناخبين بنسبة أكثر من 81 في المائة، فبلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات نحو 52 في المائة، وهي نسبة أقل بكثير مقارنة مع نسبة المشاركة المسجلة في انتخابات الرئاسة في العام 2009، والتي تجاوزت آنذاك الـ74 في المائة.

ومن خلال هذه الأرقام، وفي ظرف عشر سنوات، لم يتعد إقبال الجزائريين على الانتخابات إجمالاً الـ50 في المائة من مجموع نسب المشاركة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية سواء أكانت بلدية أو تشريعية أو رئاسية، إذ ارتفع منسوب الاحتجاجات في الجزائر في شتى القطاعات الحيوية، على الرغم من الإصلاحات التي بادر إليها بوتفليقة في 2012 وفتح المجال السياسي.

في الساحة السياسية، قررت كتلة "البديل الديمقراطي" التي تضم أقدم الأحزاب السياسية المعارضة في الجزائر (جبهة القوى الاشتراكية، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والحركة الديمقراطية الاجتماعية وحزب العمال وحزب العمال الاشتراكي)، فضلاً عن أحزاب التيار الإسلامي الكبرى الممثلة بحركة "مجتمع السلم"، عدم المشاركة في الانتخابات وأعلنت أنها لا تدعم أي مرشح من المرشحين الخمسة، بينما أعلن رئيس جبهة "العدالة والتنمية" عبد الله جاب الله مقاطعة الانتخابات، علاوة على بعض الشخصيات السياسية الوطنية.

اللافت أن العملية الانتخابية التي تشرف عليها السلطة العليا المستقلة للانتخابات، لأول مرة في تاريخ الانتخابات في الجزائر، انطلقت في مكاتب الاقتراع في الخارج بالإضافة إلى مكاتب متنقلة خاصة بالناخبين لدى فئة البدو الرحّل في المناطق الداخلية والصحراء الجزائرية، تزامنت مع تواصل الحراك الشعبي السلمي في الجزائر في عدد من الولايات الجزائرية والرافض للانتخابات، وهي أحد المؤشرات التي تدفع بتوقع العزوف الكبير في هذه الاستحقاقات.

في هذا الصدد، سيظل التحدي الكبير للسلطة في الجزائر، هو تعبئة الناخبين من أجل الإدلاء بأصواتهم، بالنظر إلى الظرف السياسي الحاسم والصعب التي تعيشه الجزائر منذ بدء الحراك الشعبي قبل عشرة أشهر والذي تسبب في استقالة بوتفليقة قبل انتهاء ولايته الرئاسية، فضلا عن استمرار الضغط الشعبي لزحزحة حكومة نور الدين بدوي المحسوبة دوماً على بوتفليقة.
وينذر المتابعون للشأن السياسي العام في الجزائر، بدخول البلاد في أزمة أخرى تعقب انتخابات الرئاسة غد الخميس، لأنها تعتبر نظرياً نصف حل للأزمة السياسية، إذ رافع المرشحون الخمسة عن ضرورة الذهاب نحو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبدء إصلاحات سياسية عميقة.