روسيا تماطل تركيا: شراء الوقت لتثبيت نقاط النظام بإدلب

20 فبراير 2020
نشرت تركيا عشرة آلاف جندي في سورية (فرانس برس)
+ الخط -
تواصل روسيا المماطلة في التوصل إلى اتفاق مع تركيا بشأن العودة إلى تطبيق اتفاق سوتشي بشأن إدلب، وذلك بهدف إعطاء النظام السوري مزيداً من الوقت لتثبيت نقاطه في المناطق التي سيطر عليها بدعم جوي روسي. كما أن موسكو، وفي إطار المماطلة، تحدثت عن إمكانية عقد قمة ثلاثية، لرؤساء تركيا رجب طيب أردوغان وروسيا فلاديمير بوتين وإيران حسن روحاني، في طهران، أوائل مارس/آذار المقبل، أي ما بعد انتهاء المهلة التي طرحها أردوغان لانسحاب قوات النظام، وهي نهاية فبراير/شباط الحالي.

وفي حين أعلنت موسكو أنها ستواصل الاتصالات مع أنقرة لمنع تأزم الوضع في إدلب، فإنها حذرتها من "السيناريو الأسوأ"، والذي يتضمن تنفيذ أردوغان تهديده بشن عملية عسكرية ضد قوات النظام، لإجبارها على العودة إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية. كما أنها قدمت ما يشبه شهادة وفاة لاتفاق سوتشي، إذ أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه "لا يمكن الحديث في إدلب عن العودة إلى الوضع ما قبل سنة ونصف السنة". التصريحات الروسية تظهر أن الخيارات الدبلوماسية لحل معضلة إدلب وصلت إلى طريق مسدود. وأمام التعنت الروسي بفرض خريطة جديدة في إدلب، والإصرار التركي على تطبيق الحدود الجغرافية الكاملة لاتفاق سوتشي، لم يجد أردوغان إلا أن يجدد تأكيده استعداد بلاده لإطلاق عملية عسكرية في إدلب، بهدف إرجاع قوات النظام إلى ما وراء النقاط التركية في منطقة خفض التصعيد، تطبيقاً لاتفاق سوتشي.

وأشار أردوغان، أمام الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة أمس الأربعاء، إلى أن "عملية إدلب باتت وشيكة، ولن نترك المنطقة للنظام السوري الذي لم يدرك بعد حزم بلادنا". وأضاف: "سنحول إدلب إلى منطقة آمنة، ونحن جاهزون رغم استمرار المباحثات". ولفت إلى أن بلاده توجه تحذيراتها الأخيرة للنظام في إدلب، و"لكننا لم نحصل حتى الآن على النتيجة التي نريدها"، موضحاً أنه "مهما كان الثمن، فإننا عازمون على أن نعيد الأمان إلى ‎إدلب من أجل أهلها، ومن أجل تركيا أيضاً". ولمّح الرئيس التركي إلى صعوبة التوصل إلى حل مع الجانب الروسي حيال إدلب، بالقول إن "عمليتنا في إدلب مجرد مسألة وقت، وما يُعرض على الطاولة في المفاوضات بعيد تماماً عن مطالبنا. إصرارنا لم يفهمه النظام السوري ومن يدعمه بعد". وأكد نية تركيا تنفيذ العملية العسكرية في حال لم تتحقق مطالبها. وقال: "ذات ليلة قد نأتي على حين غرّة". ورداً على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب إمكانية التعاون بين البلدين بشأن إدلب، قال أردوغان، في تصريح: "يمكن أن يكون هناك تضامن بيننا على مختلف الصعد، في أي لحظة".

خطاب أردوغان التصعيدي، قابله رد سريع من الكرملين، الذي اعتبر أن "إمكانية تنفيذ عملية عسكرية تركية ضد قوات النظام السوري هي السيناريو الأسوأ". وسارع الرئيس التركي للرد، قائلاً: "زملاؤنا الذين أجروا مباحثات مع الروس، لم ينقلوا لي شيئاً من هذا القبيل، ولا أعتقد أن روسيا ستأخذ مكاناً لها في مثل هذا السيناريو السيئ". وأعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن بلاده عازمة على استمرار التواصل مع تركيا حتى لا تسمح بتصعيد الوضع في إدلب. وقال: "لقد شعرنا بالرضا عن الاتفاقات التي تم التوصل إليها قبل أكثر من عام في سوتشي، وهذا الرضا كان متبادلاً. وبعد الأعمال الهجومية التي شنها المسلحون والجماعات الإرهابية ضد القوات المسلحة السورية والمنشآت العسكرية الروسية في إدلب، لم نعد راضين. وهنا انتهى رضانا".

وحول كيفية رد روسيا في حال أطلق أردوغان عملية عسكرية في سورية، قال بيسكوف: "دعونا لا ننطلق الآن من أسوأ السيناريوهات". وأضاف: "إذا كان الحديث يدور حول عملية ضد الجماعات الإرهابية في إدلب، فإنها ستكون متماشية مع اتفاقات سوتشي، من أجل تحييد هذه الجماعات الإرهابية، والتي لديها الآن بنية أساسية قوية بما فيه الكفاية من الأسلحة والمعدات والذخائر، وهذه هي مسؤولية الجانب التركي". وأعلن أن المحادثة الهاتفية بين أردوغان وبوتين ليس مخططاً لها بعد، لكن في حال الضرورة يمكن تنظيمها خلال ساعات.

وقال لافروف، في تصريح بعد أن اجتمع بنظيره الأردني أيمن الصفدي في موسكو، أمس الأربعاء: "ما طلبناه في محادثات موسكو مع الجانب التركي هو فقط تنفيذ اتفاق سوتشي، ولم نقدم شروطاً جديدة"، في رد على العروض الروسية لتركيا لفرض واقع جديد في إدلب. وأضاف: "لقد فشلت تركيا في فصل المعارضة السورية عن الإرهابيين خلال المدة الزمنية المحددة باتفاق سوتشي". وأشار إلى أن "ما يفعله النظام السوري هو الرد على استفزازات الإرهابيين، ونحن ندعم هذا التصرف"، موضحاً أن "ما نتحدث عنه الآن هو تنفيذ اتفاق سوتشي، وليس العودة إلى ما كان عليه الوضع في إدلب قبل عام ونصف العام". وأعلن أن "الاتفاق الروسي-التركي لم ينص أبداً على تجميد الوضع في إدلب، وترك حرية التصرف للإرهابيين هناك، ولم يقدم أي أحد وعوداً بعدم المساس بالإرهابيين". وكرر لافروف أن موسكو مستعدة للعمل مع أنقرة على كل المستويات، "بما فيها المستوى الأعلى"، لكنه لا يرى حالياً أي مؤشرات على إعداد لقاء بين الرئيسين.




وبعد كشف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أن اجتماعاً ثلاثياً سيُعقد بين إيران وتركيا وروسيا حول الملف السوري في إطار مبادرة أستانة، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن قمة لرؤساء روسيا وإيران وتركيا قد تعقد في طهران أوائل مارس المقبل، إذا تم الحصول على موافقة القيادة التركية. وقال إن "الشيء الرئيسي هو أنه يجب أن يكون توقيت القمة مناسباً للجميع. الإيرانيون ونحن في انتظار تأكيد ذلك من القيادة التركية".

وفي الخامس من فبراير/شباط الحالي، هدد أردوغان النظام السوري بإطلاق عملية عسكرية ضد قواته في إدلب، في حال لم تنسحب مع نهاية الشهر الحالي، إلى ما وراء النقاط التركية في منطقة خفض التصعيد، التي تضم كامل إدلب، وأجزاء من أرياف حماة الشمالي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي. وأشارت مصادر مختلفة، حول المباحثات الأخيرة التي استضافتها موسكو، الإثنين الماضي، إلى أن الروس قدموا خريطة جديدة بمساحة أقل عن تلك التي قدموها في الاجتماع الأول في أنقرة. وتعطي الخريطة الجديدة لتركيا نفوذاً لا يمتد سوى نحو 16 كيلومتراً من حدودها بعمق إدلب، فيما كانت الخريطة السابقة تمتد من الخط الحدودي وحتى الطريق الدولي حلب – اللاذقية "إم 4"، الذي يمر بمحافظة إدلب، أي بعمق 30 كيلومتراً. إلا أن الجانب التركي لا يزال يبدي تشدداً، سواء خلال الجولات الثلاث من المفاوضات الأخيرة، برفض الخريطتين الأولى والثانية، أو من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك على مستويات مختلفة، بعدم التراجع عن المطلب الرئيسي بتطبيق اتفاق سوتشي، وفي مقدمته انسحاب قوات النظام من كامل "منطقة خفض التصعيد"، وإلا فإن الحل العسكري بات على الطاولة.

وتواصل أنقرة إرسال المزيد من التعزيزات إلى إدلب بشكل يومي، حيث شهد معبر باب الهوى الحدودي دخول أعداد كبيرة من عربات الدفع الرباعي، التي استخدمتها القوات التركية في عملياتها العسكرية السابقة شمالي سورية، تمهيداً لنشرها في نقاط المراقبة التركية في إدلب ومحيطها. وكانت القوات التركية قد أنشأت نقطة جديدة في قرية محمبل الواقعة على الطريق الدولي حلب – اللاذقية "إم 4"، وذلك بعد تمهيد جوي ومدفعي لقوات النظام والروس على بعض القرى الواقعة على الطريق، ما يشير إلى توجس أنقرة من تقدم قوات النظام، وبالتالي فصل المناطق المتبقية من إدلب إلى قسمين وقطع الاتصال بينهما. وكذلك انتشرت القوات التركية داخل مدينة الأتارب، التي يحاول النظام التقدم إليها منذ أيام، بعد سيطرته على "الفوج 46" القريب منها، بنية وضع قدمه على أول الطريق إلى معبر باب الهوى الاستراتيجي والهام بالنسبة إلى تركيا، على حدودها من إدلب.

ومنذ مايو/أيار 2017، نشر الجيش التركي بناء على تفاهمات أستانة بين الدول الضامنة، وهي إيران، وروسيا، وتركيا، 12 نقطة مراقبة في "منطقة خفض التصعيد الرابعة"، أتبعها لاحقاً بنشر المزيد من النقاط، بالتزامن مع تقدم قوات النظام في المنطقة، بدعم روسي وإيراني، منذ ربيع وصيف العام الماضي، حيث تجاوز عدد النقاط حالياً الـ25. وأشارت مصادر إلى أن الجيش التركي يريد الإشراف على الطريقين الدوليين حلب - اللاذقية، وحلب – دمشق، والطرق المؤدية إلى معبر باب الهوى، وتلك الواصلة بين معبر باب الهوى وإدلب وطريق عفرين ومناطق "درع الفرات" شمالي حلب. وترسم النقاط التركية في محيط "منطقة خفض التصعيد"، حدود تلك المنطقة، التي لا يريد الأتراك التنازل عن حدودها ومساحتها الجغرافية. وربما سيعمد الجيش التركي لتثبيت تلك النقاط، لمواصلة الإشراف على المدن والطرقات الدولية، بعيداً عن التفرد الروسي، في حال فتح الطرقات وتسيير دوريات مشتركة بين الطرفين.

وتستمر قوات النظام ومليشيات تساندها، بدعم روسي، في التقدم لقضم المزيد من مناطق خفض التصعيد، ولا سيما في ريف حلب الغربي. ولمّح السياسي التركي المقرب من الحكومة يوسف كاتب أوغلو، عبر تسجيل صوتي تداولته مجموعات سورية معارضة، إلى أن الخيار العسكري بالنسبة لتركيا في إدلب بات أمراً محتوماً، وأنه قادم لا محالة مع نهاية فبراير الحالي كحد أقصى، وذلك بعد أن التقى أحد مستشاري الرئاسة التركية بحسبه. وأشار إلى أن بلاده تعطي مزيداً من الوقت للخيارات الدبلوماسية، لكن الخيار العسكري في المقدمة في حال فشلت المباحثات السياسية، لافتاً إلى أن تركيا تقف وحدها إلى جانب إدلب، في حال اتخذت قرارها بتنفيذ العمل العسكري، في إشارة إلى تردد الدول الغربية في دعمها حيال ذلك.

ويبدو أن ضعف الموقف الغربي يدفع أنقرة للمماطلة بتنفيذ خياراتها، أو ترك طريق مفتوح للخيارات الدبلوماسية، خشية توريطها بمعركة في إدلب وتركها وحيدة أمام النظام والروس. إلا أن أبرز المؤشرات على دعم حقيقي واضح لتركيا لخياراتها في إدلب، هو ظهور صواريخ مضادة للطيران محمولة على الكتف بين يدي المعارضة السورية، مكنتها من إسقاط مروحيتين، وتلك أسلحة لا يمكن لتركيا تزويد المعارضة بها من دون الرجوع إلى الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، ما يشير إلى إمكانية تقديم دعم أكبر مع قادم الأيام. وتصعّد تركيا حيال النظام السوري بعد مقتل 13 من جنودها في إدلب، إثر استهداف نقاطهم من قبل قوات النظام في موقعين مختلفين. ورفعت أنقرة من حجم تعزيزاتها إلى إدلب بشكل كبير، حتى وصلت إلى أكثر من عشرة آلاف جندي، جزء كبير منهم من القوات الخاصة (الكوماندوس)، بالإضافة إلى الزج بنحو ثلاثة آلاف آلية، تحمل عتاداً هجومياً، منها الدبابات والراجمات ومدافع الميدان، التي طالما استخدمتها في عملياتها السابقة شمال سورية، ما يجعل هذه القوات تنتظر ساعة الصفر لإطلاق العملية ضد قوات النظام.