أبرز وجوه المجلس العسكري في السودان وفرص صموده

12 ابريل 2019
مشاورات لإتمام تشكيلة المجلس العسكري (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
بداية من يوم الخميس 11 إبريل/ نيسان الجاري، تولى مقاليد الحكم في السودان مجلس انقلاب عسكري بقيادة وزير الدفاع الجنرال عوض بن عوف. في ما يلي نعرض أبرز وجوه وأجهزة هذا المجلس، الذي وعد بتولي الحكم لفترة انتقالية مدتها عامان، رغم أنّ بعض هؤلاء اختار تحييد نفسه من المشاركة في المجلس حتى اللحظة. مع العلم أنّ المجلس العسكري الانتقالي في السودان لا يزال في طور التشكل، وتجري مشاورات لإكمال هياكله، ورسم أدواره في المرحلة المقبلة، ولا سيما المتصلة بعلاقاته بالمدنيين، ولكن بدا جلياً أنه نواة "للّجنة الأمنية العليا" التي كانت بمثابة خلية الأزمة، لإدارة أمر التظاهرات في فترة الرئيس المخلوع عمر البشير

عوض بن عوف


حتى الأربعاء الماضي، كان ابن عوف بمثابة الذراع اليمنى للبشير، بحكم منصبه التنفيذي نائباً أول لرئيس الجمهورية، وقائداً لـ"اللجنة الأمنية العليا"، التي أوكل إليها أمر التعاطي مع التظاهرات طيلة 5 أشهر انقضت، وهذا أمر لا تقبله المعارضة، وعلى رأسها تجمع المهنيين السودانيين، الكيان النقابي المنظم للاحتجاجات، وظهر ذلك جلياً في دعواته لمواصلة الاعتصام، وإسقاط بن عوف أسوة بالبشير، وظهر شعار (تسقط تاني) بديلاً لشعار (تسقط بس) في محيط القيادة للجيش السوداني.

عمر زين العابدين

وبعد بيانٍ أول، جاء خالياً من الإجابات عن التساؤلات المهمة، ظهر الفريق الأول الركن عمر زين العابدين، الموكل إليه أمر التواصل مع القوى السياسية بالمجلس العسكري، ليجيب عن كثير من التساؤلات.

وبقدر ما قدم الفريق الأول الركن عمر زين العابدين إجاباتٍ، فقد ولّد تساؤلاتٍ جديدة، وخصوصاً في ظل إصراره على اصطحاب عناصر من النظام السابق، وتشديده على مهنية قوات الدعم السريع، وعلى استمرار قوات الدفاع الشعبي التي يقال إنها إحدى أذرع النظام السابق العسكرية.

نواة التشكيل

وكشف الجنرال عمر زين العابدين، في مؤتمر صحافي اليوم الجمعة، عن أن استجابة عناصر اللجنة الأمنية العليا لمطالب الجماهير بالتغيير هي من جعلت البشير خارج المشهد، مشدداً على أن رئيس المجلس الحالي، وزير الدفاع الفريق الأول الركن عوض بن عوف، ومدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبد الله (قوش)، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)؛ وإن كانوا رموزاً في النظام السابق، ولكن التغيير الحالي تمَّ بفضل مواقفهم المؤيدة للجماهير.

ويظل الجيش هو العنصر الأهم في تشكيل المجلس العسكري، ويكفي أنّ قائد المجلس عوض بن عوف هو ابن هذه المؤسسة.


ولكن الجنرال بن عوف مواجه بعقبة وجود فجوة بين قيادات الجيش، وضباطه من أصحاب الرتب المتوسطة والدنيا، فإبان اعتصام القيادة برزت تباينات كبيرة بالمواقف.

وفي وقتٍ كان بن عوف يصرّ على التفاف الجيش حول قيادته (البشير)، فإن صغار الضباط أمام بوابات القيادة قرروا الانحياز لخيارات الشعب، وحماية المعتصمين، ولو أدى ذلك إلى مواجهة مسلحة.

وتقلب بن عوف في المناصب العسكرية، فحاز منها قيادة الاستخبارات العسكرية، والإنابة عن رئيس هيئة الأركان، وله تجربة في العمل الدبلوماسي، إذ شغل منصب القنصل في سفارة السودان لدى عمان.

الفريق الأول الركن كمال عبد المعروف


وإلى جوار بن عوف، يظهر رفيقه ونائبه في المجلس الفريق الأول الركن كمال عبد المعروف، رئيس هيئة الأركان المشتركة.

ويذكر السودانيون لعبد المعروف، بأنه بطل تحرير منطقة هجليج النفطية من يد قوات الجيش الشعبي التابعة لدولة جنوب السودان، ويذكرون أدواره في تحسين العلاقات السودانية - الأميركية.

ولكن السيرة الذاتية للرجلين المليئة بـ"الإنجازات"، قد محتها، لدى كثيرين، مواقفهما الأخيرة من الثوار.

جهاز الأمن والمخابرات

سيكون جهاز الأمن والمخابرات حاضراً في المجلس العسكري، وهذه حقيقة تظهر من دفوعات قادة المجلس عن الجهاز وقائده (قوش) في أداء أدوارٍ مهمة في إحداث عملية التغيير.

وتتهم المعارضة أجهزة الأمن بممارسة القمع ضد المعارضين، وإليهم ترد كثير من عمليات القتل والتنكيل بالمتظاهرين السلميين في الفترة الماضية، وطوال مسيرة الإنقاذ (1989-2019).

ولكن جهاز الأمن وقبل التغيير بيومٍ، أصدر بياناً تبرأ فيه من مهاجمة المعتصمين، وقال إنه مع "حق التظاهر السلمي الذي كفله الدستور والمواثيق الحقوقية، ما كان ملتزماً بالضوابط المنظمة وحقوق الآخرين المرعية".

ولعل المجلس العسكري في ضمه للأمن بين مكوناته، يستفيد من التجربة القاسية التي أعقبت حل جهاز الأمن عقب انتفاضة إبريل/ نيسان 1985، وما جره ذلك من خسارة معلومات كثيرة وخطيرة، سواء بشأن تعاملات السودان داخلياً وخارجياً.

ولا ننسَ أن جهاز الأمن السوداني لا تقتصر أدواره على جمع وتحليل المعلومات، ولكنها تتعداه إلى ملفات إقليمية ودولية مهمة، وتفاصيل بشأن العمليات المشبوهة لرموز النظام السابقين، وربما قدرات مليشيات البشير، إذ هدد نائبه السابق علي عثمان طه بأنها ستدافع عن النظام ولو أدى إلى التضحية بالأرواح.

كما أن الجهاز يمتلك قوة عسكرية ضاربة باسم "هيئة العمليات"، وفي مقدورها القيام بعمليات قتالية، وبالطبع لن يرغب المجلس في خسارة هذه القوات والمعلومات.

الدعم السريع

كان متوقعاً أن يكون الجنرال الشاب (حميدتي) أحد عناصر المجلس العسكري، لكنه فاجأ الناس باعتذاره عن المنصب، وتأكيده أن كامل جهوده في هذه المرحلة تنصبّ في تأمين خيارات الشعب السوداني.

وطاولت قوات الدعم السريع اتهامات كثيرة بأنها الذراع الباطشة للسلطة، ولا تتورع عن القتل بدمٍ بارد، جرى ذلك في "هبّة سبتمبر 2013" وفي انتفاضة ديسمبر 2018.

وربما قادت هذه التهم حميدتي للخروج أكثر من مرة، للتأكيد أنه براء من التهم المنسوبة إلى قواته. ففي 2013 كان بكامل عدته وعتاده خارج العاصمة في معسكرات تدريبية، وفي 2018 خرج ليقول إنه ليس من مهامّهم التعامل مع التظاهرات والشغب، وهي أحاديث يفهم منها وجود منتحلين لصفة الدعم السريع، لأغراض إحراج حميدتي أمام الرأي العام، وعليه لا يصعب ربط ذلك بإصراره الدائم على تصحيح صورته لدى المواطن.

وتطورت قوات الدعم السريع من مليشيات قبلية تدافع عن النظام في دارفور، إلى قوات نظامية يوكل إليها أمر مراقبة وتأمين الحدود. 

فرص الصمود

وفي السياق يقول الكاتب الصحافي الطاهر ساتي، إن تركيبة المجلس العسكري الانتقالي تجعله عرضة للانهيار في أي لحظة، مع موجات الرفض العاتية التي واجهته منذ اللحظة التي ظهر فيها نائب الرئيس عوض بن عوف قائداً للانقلاب، ما أوجد نسخة ثالثة لحكومة حزب المؤتمر الوطني، مؤكداً أن فرصة الصمود الوحيدة المتاحة للمجلس هي استخدام العنف لفرض نفسه على الشعب، وهذا سيؤدي إلى نتائج كارثية.

ودعا ساتي رئيس المجلس على وجه التحديد، إلى "تجنيب البلاد العنف بالتنحي الفوري بذات الطريقة التي تنحى بها البشير، وترك الأمر للقوات المسلحة لتدير البلاد في الفترة المقبلة، عبر شخصيات ليس عليها تحفظات بسبب مشاركتها في النظام السابق"، مبيناً أن "مؤشرات الخلاف بدأت تظهر إلى السطح باعتذار حميدتي عن المواصلة".

وأوضح الكاتب الصحافي أن "رفض المعارضة وقادة الثورة التفاوض مع النظام الجديد هو أمر طبيعي وموضوعي، لأن بن عوف رئيس المجلس شخصية لا يمكن لسياسي القبول بها، لأنه غير شرعي لجسم غير شرعي، وتولى منصب نائب البشير، وهو منصب لا يتولاه إلا من كان منتمياً للمؤتمر الوطني".

ويقارن ساتي ما بين تجربة المجلس العسكري بعد الإطاحة بمبارك، والمجلس العسكري السوداني الحالي، مشيراً إلى أن "كليهما عمل على الاحتفاظ بالدولة العميقة".

من جهته، يرى الفريق حنفي عبد الله الخبير الأمني في حديث لـ"العربي الجديد"، عكس ما رآه ساتي، إذ قال إن "تركيبة المجلس العسكري قابلة للصمود نتيجة للخبرات المتراكمة لأعضائها، التي تزيد عن 20 عاماً لكل واحد منهم، واستبعد حدوث خلاف بين أعضائه، لأن أدبيات العمل العسكري تفرض على الأعضاء احترام التراتبية والأقدمية"، كما أن "توزيع المجلس للجان متخصصة سيفصل الصلاحيات، حيث سيكون كل قائد مختصاً بجوانب من القطاعات المهمة، كالأمن والاقتصاد والشؤون السياسية".

 وأوضح أن أمر اعتذار قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميديتي لم يتم التأكد منه، وأنه "حتى ولو صح، فإن فرص الحوار معه لا تزال قائمة حتى الآن، نسبة لأهمية الدور الكبير الذي تقوم به قوات الدعم السريع في حفظ الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية".

وشدد عبد الله على أهمية تجاوب قادة المعارضة مع العروض، التي يقدمها لهم المجلس العسكري الانتقالي، لتحقيق إجماع يتم عبره تحقيق مطالب الشعب السوداني، حاثّاً إياهم على عدم فرض أجندة إقصائية بالمطالبة بإبعاد أي جسم سياسي عن المشهد.