سعت دولة الاحتلال الإسرائيلي، بعد ظهر أمس، بعد ساعات طويلة من الصمت، إلى محاولة امتصاص النقمة الروسية على إسقاط الطائرة الروسية فوق الأجواء السورية، بعد أن قامت المقاتلات الإسرائيلية الجوية باستهداف منشآت سورية في اللاذقية، زعمت أنها كانت ستنقل أسلحة متطورة ودقيقة إلى "حزب الله" وإيران في لبنان. وركز الرد الإسرائيلي، الذي أصدره ناطق باسم جيش الاحتلال، على تحميل دولة الاحتلال مسؤولية إسقاط الطائرة الروسية للدفاعات الجوية السورية وعلى اعتبار كل من "حزب الله" وإيران شركاء في المسؤولية عن الحادثة، مع الإشارة إلى تمسك إسرائيل بآليات التنسيق العسكري مع روسيا من جهة، وتجاهل الرد على مسألة استدعاء السفير الإسرائيلي لدى موسكو من جهة ثانية.
ويأتي البيان العسكري الإسرائيلي في الرد على الاتهامات الروسية المباشرة لإسرائيل، والتهديد برد روسي مناسب، ليعكس عملياً المخاوف الإسرائيلية من سيناريو تصعيدي في العلاقة مع موسكو من شأنه أن يحمل مخاطر كثيرة، وأولها فقدانها التنسيق العسكري الروسي بداية، وما قد يتطور تبعاً لذلك من تغيير السلوك الروسي تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، بداية من خلال تحذير مسبق للقوات السورية من هجمات إسرائيلية محتملة، وبالتالي إعداد المنظومات الدفاعية السورية لمواجهة الهجمات الإسرائيلية، مع ما قد يرافق ذلك من تمكين سورية من استخدام منظومات "إس 400". وإلى جانب خسارتها لفوائد التنسيق العسكري مع روسيا، في سياق حرية مطلقة للمقاتلات الإسرائيلية بقصف العمق السوري، واستهداف مواقع سورية أو مواقع إيرانية، فإن من شأن موسكو أن تتراجع أيضاً عن تفاهماتها مع إسرائيل في كل ما يتعلق بالتعهد بإبعاد القوات الإيرانية والمليشيات في سورية إلى ما وراء 80 كيلومتراً عن خطوط وقف إطلاق النار في هضبة الجولان المحتلة، وخصوصاً أن إسرائيل أبدت أهمية كبيرة، قبل تنظيم عودة قوات النظام السوري إلى الجولان وفق شروط اتفاق فك الاشتباك، بأن تتعهد روسيا بأن تكون عودة النظام إلى الجولان وفق شروط اتفاقية فك الاشتباك بين سورية وإسرائيل في عام 1974.
ويعكس الرد الإسرائيلي أيضاً، والبيان العسكري مع إبراز الإذاعة الإسرائيلية أمس لحقيقة أن نتائج التحقيق الأولي عرضت على رئيس أركان الجيش، غادي أيزنكوط ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، رغبة إسرائيلية في نقل رسالة تؤكد عمق الأسف الإسرائيلي لحادثة إسقاط الطائرة الروسية، وأنه يتم التعامل مع مجريات التحقيق وتفاصيل ما حدث من قبل أعلى ثلاث مرجعيات مختصة في إسرائيل.
ومن المرجح أن تكتفي إسرائيل في الأيام الأولى للأزمة بخطاب تصالحي مع روسيا مقابل تصعيد لهجتها ضد كل من إيران و"حزب الله" وسعيهما الدؤوب لنقل أسلحة متطورة ودقيقة، تعبترها إسرائيل كاسرة للتوازن إلى "حزب الله" في لبنان، وتكرار الحديث عن مساعٍ إيرانية لإقامة قواعد مصانع لإنتاج الصواريخ على الأراضي اللبنانية. وأعرب جيش الاحتلال الإسرائيلي عن "الحزن" لمقتل طاقم الطائرة الروسية التي أسقطتها الدفاعات الجوية السورية. ونفى، في بيان، أن يكون سلاحه الجوي استخدم الطائرة الروسية غطاء للإفلات من الدفاعات الجوية السورية خلال الهجوم. وأكد الجيش أن مقاتلاته هاجمت منشأة في اللاذقية بينما كان يتم منها تسليم أنظمة تدخل في صناعة أسلحة دقيقة إلى "حزب الله". وأضاف "إسرائيل تحمّل نظام (بشار) الأسد الذي أسقط جيشه الطائرة الروسية المسؤولية الكاملة عن الحادث"، موضحاً أن بطاريات سورية مضادة للطائرات "أطلقت النار عشوائياً، ولم تكلف نفسها" ضمان عدم وجود طائرات روسية في الجو، مشيراً إلى أنه عندما تم إسقاط الطائرة الروسية كانت الطائرات الإسرائيلية "داخل المجال الجوي الإسرائيلي بالفعل".
وخلافاً لتهديدات اعتاد النظام السوري أو إيران و"حزب الله" إطلاقها تحت مقولة نحتفظ بحق الرد في الوقت والمكان المناسبين، فإن تعامل إسرائيل بهذه اللهجة التصالحية مع التهديدات الروسية يعكس أيضاً أن تل أبيب تخرج من حساباتها، في هذا السياق، أي دور أميركي مساند لها وذلك في ظل الأوضاع الداخلية التي يواجهها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من جهة والحسابات الأميركية الخاصة فيما يحدث في سورية مع تعقيدات هذه الحسابات لجهة العلاقات التركية -الأميركية المأزومة حالياً والمخاوف من تعاظم تقارب تركي – روسي في الملف السوري على حساب العلاقة مع الولايات المتحدة. ومقابل البيان العسكري، فإن امتناع إسرائيل عن إصدار أي تعقيب سياسي يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى محاولة الترويج لمسؤولية الدفاعات الجوية للنظام عن إسقاط الطائرة، ومسؤولية الوجود الإيراني في سورية، باعتبار هذا الوجود ومحاولات نقل السلاح للبنان، العامل الأساسي وراء الاعتداءات الجوية الإسرائيلية، وتوصيف هذه الاعتداءات بأنها جزء من حق دولة الاحتلال اللجوء للهجوم كوسيلة دفاعية لمنع تبلور واقع استراتيجي في لبنان يهدد الأمن الإسرائيلي ككل وكمبرر لهذه الاعتداءات تحت مسمى حماية الخطوط الحمراء الإسرائيلية المعلنة مسبقاً، التي تدخل ضمن التفاهمات والتنسيق العسكري مع روسيا.