هكذا أطاحت ضغوط واشنطن مندوب تونس في مجلس الأمن بسبب "صفقة القرن"

09 فبراير 2020
إدخال تعديلات على مسوَّدة القرار بعد الضغوط (تيفون كوسكون/الأناضول)
+ الخط -

كشفت مصادر لـ"العربي الجديد" تفاصيل الضغط الذي مارسته واشنطن على تونس لتعديل مسوَّدة قرار كان سيعرض على مجلس الأمن الدولي بشأن الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة بـ"صفقة القرن"، وكان من نتائجه إطاحة المندوب الدائم لتونس لدى الأمم المتحدة في نيويورك منصف البعتي.

وبسبب الضغوط الأميركية، حُذفت إدانة "خطة السلام" الأميركية من نصّ مشروع القرار الفلسطيني المقرّر التصويت عليه في مجلس الأمن الدولي الثلاثاء، وذلك بعدما أدخلت تعديلات على مسوّدته الأولى.

وتَعتبر مسوّدة القرار، الذي عرض الجمعة على أعضاء مجلس الأمن الدولي، أنّ "المبادرة التي طرحتها الولايات المتحدة في 28 يناير/ كانون الثاني 2020 تحيد عن المعايير المتّفق عليها دولياً لحلّ دائم للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، التي تنصّ عليها قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".

وكانت الصيغة الأولى لمشروع القرار الذي قدّمه الفلسطينيون بواسطة تونس وإندونيسيا، العضوين غير الدائمين في مجلس الأمن، تتضمن إبداء مجلس الأمن "أسفه الشديد" لأنّ خطة السلام الأميركية "تنتهك القانون الدولي".

لكنّ تخفيف حدّة القرار، الذي لا يزال يتضمّن إدانة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ضمنها "القدس الشرقية"، ويؤكّد دعم حلّ الدولتين على أساس حدود عام 1967، لا يجعله بمنأى عن استخدام الولايات المتحدة حقّ النقض ضدّه. 

وأكدت مصادر "العربي الجديد" أن "العبارات الحادة" التي توجه اتهاماً مباشراً إلى الولايات المتحدة بخرق الشرعية الدولية والقرارات الأممية بشأن الوضع في فلسطين كانت سبباً في إعفاء المندوب التونسي لدى الأمم المتحدة من مهامه. 

ولم يقتصر الأمر على حذف الإدانة المباشرة للخطة المعلن عنه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بل طاول الأمر عدم ذكر الولايات المتحدة بتاتاً في المشروع الجديد، واكتُفي بالإشارة بشكل عام إلى "إدانة العنف والتدمير الواقع على الأراضي الفلسطينية، وتواصل إقامة المستوطنات على هذه الأراضي، في خرق تام للحدود المقررة منذ 1967". 

وطالب المشروع الجديد بعقد جلسة في الجمعية العامة العامة للأمم المتحدة في أقرب الآجال، التي سبق إقرارها منذ 2008.

وربطت المصادر ذاتها بين "ليونة" النص الجديد والضغط الأميركي القوي منذ إيداع مسودة مشروع القرار بنسختها الأولى الأسبوع الماضي، مؤكدة أن إعفاء الرئاسة التونسية للمندوب الدائم لتونس لدى الأمم المتحدة بنيويورك منصف البعتي كانت نتيجة مباشرة لـ"تهوره في صياغة نص لاذع" بالتنسيق مع نظيره الإندونيسي والرئاسة الفلسطينية، ما قد يخلق صداماً بين تونس والولايات المتحدة. 

وأضافت المصادر أن "المندوب التونسي قد يكون مضى إلى أبعد مما أرادته بلاده وما يعرضها لمواجهة مع الإدارة الأميركية قد تضرّ بمصالحها". 

من جانبه، اعتبر الدبلوماسي ووزير الخارجية سابقاً أحمد ونيس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "البصمة الأميركية في إقالة البعتي بدت واضحة جداً، وفق المعطيات الأولية المتداولة"، موضحاً أن "تصعيد الخارجية التونسية في مسائل متعلقة بالتطبيع، واعتمادها لأول مرة في تاريخها تسمية "الكيان الصهيوني" في بيانات رسمية، استفزّ الإدارة الأميركية، التي أصبحت على وعي تام بأنها معزولة، وأن ما يعمل عليه السفير البعتي سيحرجها أمام مجلس الأمن، لذلك ضغطت من أجل إنهاء مهامه". 

وعبّر ونيس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن استغرابه التام لإعفاء البعتي، علما أنه "يعدّ من أهم الخبراء وذوي الحكمة للتعامل مع هذا المنصب الحساس في ظل تبوّء تونس عضوية مجلس الأمن كعضو غير دائم".


 

وقال المتحدث ذاته لـ"العربي الجديد" إن "إقالة البعتي غير منطقية وغير مفسرة تماماً"، متسائلاً عن حقيقة الاختيارات التي تنتهجها الدبلوماسية التونسية، ولا سيما أن الرئيس التونسي قيس سعيد استهل عهدته بإقالة وزير الخارجية وعدد من السفراء، وآخرهم مندوب تونس الدائم في نيويورك. 

ووصف ونيس هذا الإعفاء بـ"تغليب للأهواء على الحكمة والعقل، وفعل يقبل إسكات الصوت العربي في مجلس الأمن"، مستهجناً "الرضوخ للضغط الأميركي، وإبقاء مقعد تحصّلت عليه تونس إثر إجماع عربي شاغراً". 

وعبّر الدبلوماسي التونسي السابق عن أسفه لـ"خذلان تونس للمجموعة العربية والإسلامية التي فوضت إليها قيادة المفاوضات في المنتظم الأمني للرد على "صفقة القرن"". 

من جانبها، أكدت الناطقة باسم الرئاسة التونسية رشيدة النيفر، في تصريحات إعلامية، أن الإقالة جاءت فعلاً "نتيجة العمل على المذكرة دون تنسيق مع الخارجية التونسية"، لكنها نفت أن يكون الإعفاء بسبب "مضمونها"، مشددة على أن "البعتي لم يتشاور مع السلطات التونسية".