تستمر العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018" للشهر السابع على التوالي، وسط معاناة شديدة لأهالي محافظة شمال سيناء، على وقع العمليات العسكرية المصرية، لمواجهة العناصر المسلحة وتحديداً تنظيم "ولاية سيناء" التابع لـ"داعش". وبعيداً عن جدلية تحقيق العملية العسكرية نجاحات على مستوى مواجهة التنظيم، فإن ممارسات قوات الجيش والشرطة، تنذر بمزيد من خلق العنف والتطرف في سيناء، بحسب مراقبين. ويرى هؤلاء أن معاناة أهالي سيناء بفعل الإجراءات التي تنفذها أجهزة الدولة على اختلافها، بما يزيد من الضغوط الشديدة، ستخلّف نتائج عكسية تماماً، وبالأخص على المستوى البعيد، في إشارة إلى تكرار تجربة وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، عقب تفجيرات دهب وطابا وشرم الشيخ.
معاناة أهالي سيناء الشديدة منذ انطلاق العملية الشاملة في فبراير/شباط الماضي، لا تتعلق فقط بتوابع العمليات العسكرية لناحية فرض حالة الطوارئ، وإنما امتدت لمنع دخول المواد الغذائية بكافة أنواعها إلى محافظة شمال سيناء، وهو ما أثار حفيظة الأهالي بشكل كبير خلال الفترة الماضية. وتمتد الأزمة إلى نقص المواد الغذائية وتكدّس المواطنين على الجانبين سواء في سيناء أو محافظة الإسماعيلية، بانتظار المرور إلى أحد الجانبين، في إطار الإجراءات التي تتخذها قوات الجيش والشرطة، تحت دعاوى إحكام السيطرة على سيناء، ومنْع دخول مقاتلين إلى التنظيم المسلح، وصولاً إلى انتهاكات واسعة بحق الأهالي من خلال الاعتقالات والتنكيل والتعذيب، بدعوى التحقق من ضلوعهم مع الجماعات المسلحة في عمليات إرهابية.
وقال أحد شيوخ القبائل في سيناء، إن معاناة الأهالي مستمرة، ويبقى وضعهم مرهوناً بعدم ظهور التنظيم المسلح، وهذا أمر يزيد من الأعباء على أهالي سيناء، لأنهم دائماً ضحية لتضارب موقف الجهات المختصة بمكافحة الإرهاب. وأضاف الشيخ القبلي، أن الأزمة في سيناء لا تقتصر فقط على التضييق على الأرزاق وقلة المواد الغذائية خلال الأشهر الماضية، ولكن أيضاً التعامل السيئ للغاية من قبل ضباط الجيش والشرطة، وتحديداً ضباط الأمن الوطني. وحذر من ممارسات ضباط الأمن الوطني خلال الفترة الماضية، من اعتقالات وتعذيب لأهالي سيناء، خصوصاً أن العشرات يتم القبض عليهم بشكل عشوائي ولا يظهرون مجدداً. وشدد على أن هذه الممارسات تُدخل سيناء في دوامة جديدة، حتى قبل إغلاق الدوامة التي تعيشها الآن، في ظل انتشار المجموعات المسلحة عقب ثورة يناير 2011.
وتعيد ممارسات الجهات الأمنية في سيناء، إلى الأذهان، الممارسات نفسها لوزير الداخلية السابق حبيب العادلي إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، بعد تفجيرات طابا ودهب وشرم الشيخ. حينها ألقت الأجهزة الأمنية القبض على المئات من أبناء سيناء، وزجّت بهم في السجون، أغلبهم من دون اتهامات وأدلة واضحة، على خلفية التفجيرات التي شهدتها محافظة جنوب سيناء. ويُقدّر عدد المقبوض عليهم إبان تلك الفترة بما لا يقل عن ثلاثة آلاف مواطن.
وساهمت هذه الممارسات في توطين العنف والنزعة الانتقامية لدى عدد من المقبوض عليهم بلا أدلة، لمجرد وجود شكوك حولهم لانتمائهم لجماعات مسلحة، وأغلبهم كانوا من التيار السلفي، المعروف عنهم "التدين" والتردد على المساجد بصفة منتظمة وحضور الدروس. وعبّر عن هذه الحالة عبد القادر مبارك، وهو صحافي وأحد وجهاء قبيلة الترابين، إذ حذر من ممارسات ضباط جهاز الأمن الوطني في التعامل مع أهالي سيناء، باعتبارها ستأتي بنتائج عكسية للعملية الشاملة.
ورأى باحث في شؤون الحركات الإسلامية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ممارسات الداخلية في سيناء، ساهمت في توطين الفكر العنيف والتطرف هناك، خصوصاً أن الانتهاكات التي شهدها المقبوض عليهم، كانت دافعاً لهم للانتقام، مع الأخذ في الاعتبار تواجد بوادر أفكار السلفية الجهادية في سيناء، من خلال خالد مساعد (مؤسس تنظيم التوحيد والجهاد).
وأوضح أنه عقب ثورة يناير وخروج عدد من المعتقلين من سيناء وغيرها، قاموا بتأسيس جماعات مسلحة تحمل أفكار التطرف في سيناء على وجه الخصوص، وأحدثت ما شهدته مصر من عنف كبير على مدار الأعوام الأربعة الماضية، متوقعاً تكرار التجربة نفسها إذا استمرت أساليب وممارسات الأجهزة الأمنية نفسها.