استمع إلى الملخص
- عبرت حملة العياشي زمال عن قلقها من عزوف الناخبين، داعية إلى تهدئة سياسية وإطلاق سراح المساجين السياسيين، بينما أكد جيلاني الهمامي أن العزوف يعكس فشل سعيّد في إقناع الناخبين.
- أشار حسام الحامي إلى عزوف الشباب عن التصويت لعدم تقديم الجديد لهم، ودعا الخبراء إلى مراجعة القانون الانتخابي لضمان انتخابات نزيهة مستقبلاً.
نجح قيس سعيّد بتجديد ولايته رئيساً لتونس في نتيجة متوقعة بعد مسار انتخابي تخللته العديد من الانتهاكات، وبعد ترتيب الأرضية ليخوض سعيّد هذا الاستحقاق بلا منافسة جادة، مع إقصاء الأحزاب وسجن الكثير من المعارضين ورفض ترشح أبرز المنافسين، لتأتي النتيجة بحصول قيس سعيّد على أكثر من 90% من الأصوات، وهي نتيجة معهودة في أكثر أنظمة الحكم تسلطاً. لكن اللافت في الانتخابات التي جرت الأحد الماضي، كانت المقاطعة الكبيرة، فلم تصل نسبة المشاركة إلى 29% ممن يحق لهم التصويت، مع عزوف كبير للشباب خصوصاً، ليؤكد ذلك أن جزءاً كبيراً من التونسيين يرفضون المنظومة الحاكمة، وأن الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات كان الداعون للمقاطعة.
قيس سعيّد رئيساً لولاية ثانية
وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، مساء الاثنين، فوز قيس سعيّد بولاية ثانية، من الدور الأول من الانتخابات بحصوله على نسبة 90.69% من أصوات الناخبين، يليه المرشح المسجون العياشي زمال بـ7.35% من الأصوات، ثم الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي بـ1.97%. وقال رئيس الهيئة فاروق بوعسكر، في مؤتمر صحافي، إن سعيّد حصل على 2438954 صوتاً، من بين 2808548 ناخباً توجهوا إلى مراكز الاقتراع. وأشار إلى أن نسبة المشاركة العامة بلغت 28.8% من عموم الناخبين المسجلين الذين يبلغون 9753217 ناخباً.
وتُعتبر نسبة المشاركة ضعيفة مقارنة برئاسيات 2014 و2019، ففي انتخابات 2014 كانت نسبة المشاركة في الدور الأول 63%، وفي 2019 انخفضت النسبة إلى 49%. ولم تُصدر الأحزاب التونسية أي موقف حتى ظهر أمس الثلاثاء، باستثناء الحملة الانتخابية للمرشح العياشي زمال، التي عبّرت عن "انشغالها من عزوف أكثر من 70% من الناخبين التونسيين، خصوصاً الشباب منهم، عن المشاركة في العملية الانتخابية"، داعية الجميع "سلطةً ومعارضة ومجتمعاً مدنياً، إلى الانتباه إلى هذا الموضوع وإيلائه الأهمية القصوى ومعالجته بما يسمح ببناء حياة سياسية مستقرة".
ودعت الحملة في بيان لها، مساء الاثنين، رئيس الجمهورية المنتخب والمعارضة إلى "تغليب المصلحة الوطنية العليا والدخول في تهدئة سياسية شاملة، تُغلّب فيها المصالح العليا للبلاد وتبدأ بإطلاق سراح جميع المساجين على خلفية أنشطتهم السياسية أو الإعلامية أو الاقتصادية أو الفنية من أجل توفير شروط مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي يشجع على مواجهة التحديات". وأكدت "رفضها استغلال المسار الانتخابي وما حفّ به من نزاعات وغيرها للمسّ بالسيادة الوطنية أو التشكيك في الإرادة الشعبية"، نائية بنفسها "عن كل دعوات الفوضى والتشويه"، مؤكدة أن "الشأن السياسي، بما فيه الانتخابات، موضوع تونسي صرف لا مجال لأي تدخل أجنبي فيه". وأعلنت الحملة "إطلاق الحملة الوطنية للمطالبة بإطلاق سراح (زمال) بمعيّة الموقوفين من المتطوعين في حملته الانتخابية".
جيلاني الهمامي: فشل قيس سعيّد في إقناع الناخبين بالتصويت وأنه بديل عن كل الأنظمة
من جهته، أكد القيادي في حزب العمال جيلاني الهمامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "نسبة التصويت المعلنة ضعيفة وغير مقبولة، لأن ثلثي الشعب التونسي لم يقترعوا"، مضيفاً أن "موقف المقاطعة كان له دور بارز لدى عموم التونسيين وتأثير على الانتخابات الرئاسية، وهذا يدل على فشل قيس سعيّد في إقناع الناخبين بالتصويت وبأنه بديل عن كل الأنظمة والأفضل، واتضح أن النتيجة عكسية لأن العزوف واضح".
وأشار الهمامي إلى أن "هذه الانتخابات يراها الناس بدون جدوى وأن 94% من الشباب قاطعوا الانتخابات، وبالتالي كان هناك عزوف كبير"، معتبراً أن "العزوف لم يكن مجرد مقاطعة ناجمة عن لامبالاة، بل هو موقف واعٍ ومدروس"، وهم "غير نادمين على قرار المقاطعة، والأيام أثبتت صحة دعوتهم، خصوصاً بعد نتائج الانتخابات، إذ اتضح أن الدعوة إلى التصويت الإيجابي لفائدة مرشح مجرد أوهام، وهناك من اقتنع وراجع موقفه وهناك من لم يقتنع وصوّت، وجاءت النتائج لتقنعه أن لا جدوى من ذلك". وعن تداعيات هذه النتائج على المشهد في تونس، أكد الهمامي أنهم "لن يقبلوا سياسة الأمر الواقع، وهناك مرحلة جديدة من المقاومة للنظام الاستبدادي الذي فرض نفسه بشكل نهائي ومكتمل، ومرحلة المقاومة مستمرة لإسقاط منظومة تعتبر وجودها حتمياً بالضغط والاستبداد، ولكن سيقابله إصرار على إسقاط المنظومة وعدم الاعتراف بشرعيتها".
مقاطعة شبابية للانتخابات التونسية
من جهته، أكد عضو الشبكة التونسية للحقوق والحريات، منسق "ائتلاف صمود" حسام الحامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "النتائج المعلنة للانتخابات عرفت انخفاضاً في عدد الناخبين، حيث تقلص العدد إلى 2808548 ناخباً، ما يعني أن هناك مئات الآلاف الذين لم يصوّتوا"، موضحاً أن "هناك حملة مقاطعة كبيرة حصلت، ما أدى إلى أن كل معارضي السلطة لم ينتخبوا، وهناك تقريباً جزء هام من الشارع التونسي رافض للمنظومة". وأضاف أن "هذه الانتخابات محطة، وسيتواصل النضال المدني السلمي من أجل دولة القانون ودولة تحترم مواطنيها يكون فيها الفصل بين السلطات والمحكمة الدستورية".
حسام الحامي: أكثر فئة صوّتت لسعيّد الآن هي الشيوخ والكهول، وبحسب التجارب فهذه الفئة تصوت دائماً للسلطة
وعن عزوف الشباب خصوصاً، قال الحامي إن "الشباب عادة يتحمس لمن يقدّم له الجديد، ونجح سعيّد في 2019 في تقديم طرح جديد وصورة خارجة عن المألوف، ولكن للأسف هذا لم يستمر لأن أكثر فئة صوّتت لسعيّد الآن هي الشيوخ والكهول، وبحسب التجارب فهذه الفئة تصوت دائماً لفائدة السلطة، وهو ما برز بعد 2011 وحتى قبلها، وهي كتلة تقليدياً مع السلطة، ولكن عندما تحصل خيبات أمل كبيرة وتطورات يغيّر المواطن موقفه، وهذا يسمى الزمن السياسي، وبحسب الزمن السياسي الحالي فالمنظومة لا تزال تمتد لمدة معينة، ولكن مع وجود معارضة متصاعدة، فإن النضال للدفاع عن الحريات متواصل".
أما أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية شاكر الحوكي، فقال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يخفى على أحد أن المسار تخللته انتهاكات عديدة، سواء للقانون أو لأحكام القضاء، وأن الأرضية كلها وقع ترتيبها ليخوض سعيّد الانتخابات دون منافسة جدية ويفوز فيها بنسبة كبيرة. فأُقصيت الأحزاب وتم رفض ترشح أهم المنافسين ودُجّن الإعلام بالكامل وسُجن زمال وتمت هرسلة المغزاوي، حتى ظهرت الحملة الانتخابية وكأن سعيّد وحده الموجود في السباق الانتخابي". ولفت إلى أن "شرائح اجتماعية واسعة قررت المشاركة على أمل تغيير الواقع السياسي الحالي بالطرق السلمية المتاحة بعدما جربت تجربة المقاطعة في السابق ولم تؤد إلى أي نتيجة". أما بالنسبة للشباب، فقال الحوكي إنه "حصل تضخيم في دوره منذ الثورة، والحقيقة أنه مشغول بحياته الخاصة ومشدود إلى عالم الموضة والترف وعالم الديجيتال ولا يهتم بالسياسة إلا عرضاً، وهذه حقيقة برزت منذ انتخابات 2011 وليست وليدة اللحظة".
من جهته، أشار رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات (عتيد)، بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "نسبة الإقبال ضعيفة، وقريبة من المتوسط، وعدد المقترعين أقل من عدد المقترعين في الدور الأول في انتخابات 2014 و2019". وأضاف أن "نسبة إقبال الشباب من 18 إلى 35 سنة ضعيفة جداً ومؤسفة وهي بنحو 6% فقط". ولفت معطر إلى أن "تأثير المقاطعة قد لا يكون مباشراً أو هو المحدد، فهناك نقص بـ700 ألف صوت، وهذا النقص ليس ناجماً عن دعوات المقاطعة ولكن ربما يعود ذلك إلى عدد المرشحين الذي تراجع كثيراً، حيث كانت هناك مشاركة واسعة للعديد من العائلات السياسية في السابق (26 مرشحاً في انتخابات 2019)، وكانت الحملات أكبر وأكثر تنافساً". واضاف أن "هناك عوامل عدة جعلت الحملات الانتخابية باهتة، فأغلب الناس لا يعرفون المرشحَين (المنافسين لسعيّد)، وأحدهما سجين، والناس لا يعرفونه ولم يطلعوا على برنامجه، وبالتالي المرشح المعروف لدى عامة الناس هو الرئيس قيس سعيّد، كما أن سقف تمويل الحملة الانتخابية ضعيف جداً (حوالي 50 ألف دولار)، ولا يسمح بحملة انتخابية واسعة ونشطة تجوب كل المناطق وتعرّف بالمرشحين".
وفي السياق، شرح المدير التنفيذي لمرصد "شاهد" لمراقبة الانتخابات ناصر الهرابي قائلاً إن "الجسم الانتخابي يضم نحو 9753217 ناخباً لم يحضر منهم سوى 2808548 ناخباً أغلبهم شيوخ ونساء، وهذا لا يعكس الصورة الحقيقية للانتخابات التي يجب أن تكون فيها المشاركة أهم". وتابع أن "القانون الانتخابي فَقَد روحه وشهد عدة تنقيحات، آخرها سحب اختصاص المحكمة الإدارية، وبالتالي فقد أصبحت هناك عدة ثغرات"، مضيفاً "لا بد من قانون انتخابي جديد يراعي خصوصية البيئة التونسية وكذلك مراجعة النظام الانتخابي، وعلى الهيئة الانفتاح أكثر على المجتمع المدني الذي يلعب دوراً مهماً في المتابعة وتهيئة السياقات والبيئة الملائمة لأي محطة انتخابية".