استمع إلى الملخص
- الجامع الأزهر ونقابة الصحافيين كانا مركزين للفعاليات الداعمة، لكن التدخل الأمني المكثف أدى إلى توقفها واعتقال العديد من الطلبة والنشطاء.
- أرجع الخبراء تراجع الفعاليات إلى تكميم الأفواه ومنع التظاهرات، مع تأثير الإعلام المكثف الذي يهاجم المقاومة الفلسطينية على رغبة الناس في التظاهر.
مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قبل عام، بدأ الشارع المصري في تنظيم بعض الفعاليات الجماهيرية والسياسية مثل التظاهرات والوقفات التضامنية دعماً لفلسطين، لكنها أخذت تخفت تدريجياً. بعض الفعاليات المصرية الداعمة لغزة والتظاهرات والوقفات كان عفوياً، مثل التظاهرات التي حدثت في الجامع الأزهر وبعض الجامعات وأمام نقابة الصحافيين، والبعض الآخر تم بتنظيم من أحزاب موالية وعلى رأسها حزب مستقبل وطن. لكن جميع هذه الفعاليات تراجعت مع اشتداد القبضة الأمنية، ورفض الدولة السماح بأي تظاهرة أو فعالية داعمة لغزة، وهو ما فسره مراقبون بأن السلطة كانت تسمح ببعض الفعاليات المصرية الداعمة لغزة في إطار معين ومحسوب لإيصال رسالة معينة للخارج، لكنها لم تكن لتسمح مطلقاً بأن ينفلت الوضع وتفقد السيطرة على تلك التظاهرات التي قد تتطور لتطاول النظام نفسه.
أبرز الفعاليات المصرية الداعمة لغزة
على مستوى الجامعات، نُظمت مسيرات ووقفات تضامنية في مختلف المحافظات، حيث شارك طلاب الجامعات، مثل جامعة الإسكندرية والمنصورة والمنيا، مرددين هتافات مؤيدة لفلسطين ومعارضة للاعتداءات الإسرائيلية. وأحرق بعض الطلاب علم إسرائيل، كما شهدت محافظة الإسكندرية مسيرات طلابية ضخمة اتجهت نحو كورنيش المدينة. كذلك نُظمت مسيرات كبيرة في مختلف المحافظات في يوم الجمعة التالي لبدء الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بما في ذلك القاهرة والمنيا والأقصر ودمياط، حيث رفع المواطنون أعلام فلسطين ورددوا هتافات داعمة لنضال الشعب الفلسطيني ومؤيدة لموقف الدولة المصرية الرافض لتهجير الفلسطينيين. وجاءت تلك التحركات حينها "تلبية لنداء الرئيس عبد الفتاح السيسي برفض تهجير الفلسطينيين، وتأكيد ضرورة وقف العدوان على قطاع غزة"، وهي تظاهرات جرت تحت أعين قوات الأمن التي حرصت على حراستها وتنظيمها وإنهائها بحلول الساعة الخامسة عصراً، وملاحقة من استمر في التظاهر عقب ذلك التوقيت.
وخلال العام الماضي أيضاً، شهد الجامع الأزهر العديد من الفعاليات المصرية الداعمة لغزة والتظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة. أبرز هذه التظاهرات كانت مسيرة حاشدة خرجت من جامعة الأزهر بالقاهرة، جابت شوارع المدينة دعماً لموقف مصر والرئيس المصري تجاه القضية الفلسطينية. ورفع المتظاهرون أعلام فلسطين ومصر ورددوا هتافات منددة بالعدوان الإسرائيلي وداعمة لصمود الفلسطينيين في غزة. في المقابل، تحركت بعض تظاهرات الأزهر نحو ميدان التحرير في القاهرة، وسط تشديدات أمنية من قبل الأمن الذي فرقها مستخدماً صافرات الإنذار. لكن المتظاهرين نجحوا في الوصول إلى قلب الميدان وحرق العلم الإسرائيلي وصورة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وشارك العديد من الطلاب والمواطنين في هذه التظاهرات التي كان محورها الدعوة إلى وقف العدوان الإسرائيلي، والدعاء لأرواح الشهداء الفلسطينيين.
وبعد أيام قليلة من الحرب، وتحديداً في يوم الجمعة 13 أكتوبر 2023، تظاهر مئات المصريين في الجامع الأزهر، وسط القاهرة، بعد صلاة الجمعة للتنديد بالضربات الإسرائيلية على قطاع غزة. لكن سرعان ما توقفت هذه التظاهرات، إذ إنه في يوم الجمعة التالي مباشرة، والذي وافق 27 أكتوبر، منعت قوات الأمن المصلين من التظاهر ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الشوارع الجانبية المؤدية إلى الجامع الأزهر، وألقت القبض على عدد منهم، وكذلك فعلت في مسجد الاستقامة بالجيزة. وشهدت المنطقة المحيطة بالجامع الأزهر وجوداً أمنياً مكثفاً، بينما التزم المصلون بالتظاهر داخل حدود المسجد. وفي نقابة الصحافيين بوسط القاهرة، دأب عدد من الصحافيين والشخصيات العامة على تنظيم وقفات احتجاجية، وإفطاراً رمضانياً رمزياً بالماء والملح والخبز أمام مبنى النقابة، بوصفه تعبيراً رمزياً عن مشاركتهم معاناة ضحايا حرب الإبادة الجماعية على القطاع. لكن تلك الفعاليات خفتت أيضاً، لا سيما بعد إلقاء القبض على العديد من الطلبة والنشطاء.
عمرو هاشم ربيع: صوت الشارع لم يخفت، لكن تم إلغاؤه
تكميم للأفواه
وفي إطار تراجع الفعاليات المصرية الداعمة لغزة قال المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني الدكتور عمرو هاشم ربيع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "ببساطة شديدة، لو لم يكن هناك تكميم للأفواه، ولو كان هناك اعتراف بحق المواطن في أن يعبر عن رأيه الرافض للحرب والتطبيع ولوجود سفير إسرائيلي في أرض عربية مصرية، لكان الوضع تغير في سياسة الحكومة، وعرفت أن الناس لا يقبلون هذا الوضع وهذه المهانة". وأضاف أن "منع التظاهرات بحجة أنها تنتقد السيسي، مردود عليها، إذ يمكن تحديد شعارات كما هو منصوص عليه في القانون، وكل الشعارات التي ترفع ستكون من نوع لا للتطبيع وطرد السفير". وخلص ربيع إلى أن "صوت الشارع لم يخفت، لكن تم إلغاؤه".
سعيد صادق: كل دولة ومجتمع أصبحت له أولوياته الخاصة التي تطغى على أولويات الآخرين ومنها القضية الفلسطينية
من جهته، رأى أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور سعيد صادق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التظاهرات بصورة عامة ليس مسموحاً بها عملياً في مصر، ولا توجد تنظيمات على الأرض تدعو للتظاهر بسبب العديد من القضايا كارتفاع الأسعار أو التضامن مع سكان جزيرة الوراق (في نهر النيل، حيث يتم دفع السكان لإخلاء منازلهم لصالح مشروع استثماري وسط توترات متواصلة مع قوات الأمن)، وليس فقط من أجل غزة". وأضاف أن "الشعب اعتاد إعلام الكوارث ونزيف الدم في سورية والعراق واليمن والسودان، ولم تعد القضية الفلسطينية وحدها تحتكر اهتمامه"، لافتاً إلى أنه "منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي، تراجعت الشعارات القومية العربية والإسلامية في كل المنطقة". وأشار صادق إلى أن "كل دولة ومجتمع أصبحت له أولوياته الخاصة التي تطغى على أولويات الآخرين ومنها القضية الفلسطينية، ومع ذلك يتابع المصريون إعلامياً تطورات غزة، ونظموا مقاطعة اقتصادية لشركات تتعاون مع إسرائيل، لكن التظاهرات من أجل غزة وليس الأسعار، صعب". ولفت إلى أن ما وصفه بـ"الإعلام المكثف" الذي "يهاجم حركة حماس والمقاومة، ويتهمها باستهداف الجنود المصريين في سيناء، ويروج مقولات وجود 57 دولة إسلامية، منها 22 دولة عربية، لا تريد الحرب أو تحمُّل كلفة النزاع مع إسرائيل، وأنها تدعو فقط مصر لتحمل الصراع وحدها، جعلت الناس يفقدون الرغبة في التظاهر".