الحكومة العراقية: احتمال ترشيح الأسدي أمام اختبار الشارع

29 ديسمبر 2019
الأسدي أبرز الأسماء المطروحة لرئاسة الحكومة (طوماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -
في وقت برزت فيه أمس السبت تحركات لبعثة الأمم المتحدة في العراق لتهدئة الاحتقان السياسي في البلاد وخلق مناخ مناسب لعودة المفاوضات واللقاءات بين مختلف القوى السياسية، بعد تهديد الرئيس العراقي برهم صالح بالاستقالة ورفضه مرشح تحالف "البناء" (المدعوم من إيران) لرئاسة الحكومة، أسعد العيداني، بدأت تطفو على السطح أسماء جديدة لتكليفها رئاسة الحكومة مع سقوط اسم العيداني، أبرزها القائد السابق لجهاز مكافحة الإرهاب، عبد الغني الأسدي. غير أن ترشيح الأخير سيواجه اختبار قبوله من الشارع، الذي بات لاعباً أساسياً في الساحة العراقية، بعدما وقفت أطراف عديدة وراء مطالبه ورفضت أسماء للحكومة لم يقبلها المحتجون.

وقرر تحالف "البناء"، الذي يواجه حالة سخط شعبية غير مسبوقة، وخصوصاً في الجنوب العراقي، مركز ثقله الرئيس، سحب مرشحه لرئاسة الحكومة، أسعد العيداني، نهائياً. وقال قيادي بارز فيه، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنهم سيرسلون كتاب سحب ترشيحه رسمياً خلال يومين، مُقراً بوجود "خلافات داخل التحالف نفسه في ما يتعلق بالتعامل مع الأزمة الحالية، والتحرك المنفرد لقيادات سياسية فيه نحو إقالة برهم صالح، مخالفين بذلك النظام الداخلي المتفق عليه عام 2018، عند تأسيسه من عدة كتل برلمانية، كما أن هناك تحميلاً من البعض لأطراف أخرى داخل تحالف البناء للمسؤولية حول سوء اختيار المرشحين لرئاسة الحكومة بعد الموافقة على منح التحالف صفة الكتلة الأكثر عدداً في البرلمان، ما سبّب هذه الأزمة".

وكشف القيادي نفسه أن سحب اسم العيداني كمرشح، رافقه عرض أسماء جديدة كمرشحين يجري التفاهم حولهم، أبرزهم الفريق أول ركن المتقاعد عبد الغني الأسدي، الذي كان له دور لافت في معارك تحرير مدن شمال وغربي العراق من سيطرة تنظيم "داعش". وأضاف أن الأسماء الأخرى هي لقاضٍ من ديالى (لم يكشف عن هويته) إضافة إلى وزير الصحة الأسبق صالح الحسناوي، ورئيس جامعة بغداد الحالي عماد الحسيني، معتبراً أن حظوظ الأسدي أكبر من غيره، لكونه عسكرياً ويحظى بقبول سُنّي، وعلاقته مع الأكراد جيدة، كذلك فإنه غير متقاطع سياسياً مع أي طرف، ولم يتسلم منصباً حكومياً سابقاً.

من جهته، أكد القيادي في تحالف "البناء"، وعضو البرلمان، حنين قدو، تلك المعلومات في حديث مع "العربي الجديد"، قائلاً إنه "تم حذف اسم محافظ البصرة أسعد العيداني من الترشيح لرئاسة الحكومة، وما زالت المشاورات للاتفاق على شخصية مقبولة هذه المرة من قبل الأطراف السياسية والمتظاهرين". ولفت قدو إلى أن "الوضع صعب جداً، وليس هناك تفاهمات بين الأطراف السياسية بشأن اختيار رئيس الوزراء الجديد، وهناك جهات تريد ترشيح شخصيات من قِبلها حصراً، والتركيز على شخصيات أكاديمية قد يكون فيه مخاطر، فلا يمكن معرفة قدرة تلك الشخصيات على قيادة البلاد في هذه المرحلة الحرجة". وأعلن أن "قضية عزل الرئيس صالح، ستحسم قريباً بعزله أو إبقائه بشكل نهائي، فهناك اجتماع حاسم لقادة تحالف البناء في الساعات المقبلة، وهكذا قرار يتخذ بشكل جماعي بين القوى السياسية".

في المقابل، قال حاكم الزاملي، القيادي في "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "الرئيس صالح والشارع العراقي، والكتل السياسية، مطالبة من الشارع بأن يكون هناك توافق على ترشيح شخصية مقبولة، شخصية غير جدلية، وقادرة على القيام بمهامها خلال فترة الحكومة الانتقالية". ورأى الزاملي أنه "لا يمكن الحكم الآن على أي شخصية يتم ترشيحها، سواء بالإيجاب أو بالسلب، فهذا الأمر يعتمد على أن يكون الترشيح أمراً واقعاً وحقيقياً، سواء تم ترشيح عبد الغني الأسدي أو غيره، فنحن ننتظر ردود الشارع العراقي". وأضاف أن "التيار الصدري يعتمد في قبول ورفض المرشحين على رد فعل الشارع، فإذا وافق على ترشيح شخصية ما، فالتيار سيوافق عليها، وإذا رفضها، فالتيار سيرفضها ويمنع تمريرها أو تكليفها". وختم بالقول: "ليس لدينا أي تحفّظ على شخصية عسكرية، نحن مع أي شخصية يقبلها الشارع العراقي".


في غضون ذلك، أكدت قيادات سياسية عدة في بغداد لـ"العربي الجديد"، وجود تحركات لبعثة الأمم المتحدة في العراق من أجل تهدئة الاحتقان الحالي وخلق مناخ مناسب لعودة المفاوضات السياسية، بما فيها عودة صالح إلى بغداد مجدداً بأسرع وقت، لكون عودته لها دلالة إيجابية على المشهد السياسي الآن. وكان صالح لا يزال حتى عصر أمس في مسقط رأسه في السليمانية، في إقليم كردستان العراق.
وقال مسؤول في مكتب الرئيس العراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن الأخير تلقى دعماً من كتل سياسية مختلفة، أبرزها "النصر" بزعامة حيدر العبادي، و"سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، و"جبهة الإنقاذ" بزعامة أسامة النجيفي، والحزب الشيوعي العراقي والتحالف المدني، لكن الدعم الأبرز لموقفه كان من قبل المتظاهرين في الساحات والميادين، ومن مقربين من مكتب المرجع الديني علي السيستاني اعتبروا تحفّظه على تكليف شخصية مجربة سابقاً، تماشياً مع رأي المرجعية في خطب سابقة. وأكد المسؤول أن حراك تحالف "البناء" ضد صالح حصل بموافقة نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وفالح الفياض، الذين سبق أن اتهموا الرئيس العراقي بأنه يرغب في رئيس وزراء يكون أول إنجازاته حل "الحشد الشعبي" والتزام العقوبات الأميركية ضد إيران. وكشف أن الأمم المتحدة باشرت التحرك من أجل خلق أجواء أكثر أريحية من الأجواء المتشنجة الحالية، مضيفاً أن هناك أطرافاً تقود مساعي لوقف هجوم تحالف "البناء" الإعلامي على صالح واتهامه بخرق الدستور واعتباره متورطاً في مؤامرة أميركية.

في السياق، قال رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان البارزاني، إن صالح يتعرض لضغوط كبيرة في ملف تكليف مرشح لرئاسة الحكومة. وأضاف البارزاني في بيان أمس: "الواجب يحتم على الجميع التعامل مع الوضع بالتفاهم وبمسؤولية وبعيداً عن الضغوط السياسية لاجتياز المرحلة وفقاً للسياقات الدستورية". وتابع: "في موضوع تكليف مرشح لرئاسة الحكومة، يبدو أن رئيس الجمهورية يتعرض لضغوط كبيرة بخلاف الآليات والأسس الدستورية". وشدد على أن أي حل للأزمة يجب أن يكون قائماً على أساس الدستور ووفقاً للسياقات القانونية. وقال إنه من أجل "اختيار مرشح مقبول من القوى المؤثرة، ينبغي الأخذ في الحسبان المطالب المشروعة للمتظاهرين ومصالح البلد".

في المقابل، طالب زعيم كتلة "صادقون" ضمن تحالف "البناء"، وزعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، في مقابلة تلفزيونية أمس، صالح بتقديم استقالته، قائلاً إنه "إذا كان شجاعاً فعليه أن يقدّم استقالته بطريقة دستورية"، مستدركاً بالقول: "أمام صالح إما الإقالة أو الاستقالة".
فيما كشف النائب عن تحالف "البناء"، حامد الموسوي، عن تحرك تحالفه لإقامة دعوى قضائية ضد صالح لدى المحكمة الدستورية، بسبب رفضه تكليف مرشح الكتلة الأكبر تشكيل الحكومة. وقال الموسوي لـ"العربي الجديد"، إن "استخدام المنصب من قبل رئيس الجمهورية لأغراض سياسية، مخالفة للدستور، جريمة يحاسب عليها القانون، فهو تجاوز صلاحيته وسلطاته"، كاشفاً أن "البناء" سيقدّم اليوم الأحد إلى المحكمة الدستورية "كتاباً يطلب فيه الفصل في هذه المخالفة الدستورية من قبل رئيس الجمهورية".

من جهته، قال النائب عن كتلة "صادقون"، أحمد الكناني، لـ"العربي الجديد"، إن "الرئيس العراقي خرق الدستور بشكل واضح وعلني، برفضه تكليف مرشح الكتلة الأكبر، فهو ليس من واجبه الخوض في قضية النقاشات السياسية، بل واجبه وعمله أن يكلف من ترشحه الكتلة الأكبر". وأضاف الكناني: "أمام صالح خياران: إما أن يقبل بتكليف مرشح الكتلة الأكبر، أي اسم كان، أو أن يعلن استقالته رسمياً، وخلاف ذلك يمكن مجلسَ النواب عزله، من خلال جمع تواقيع لأغلبية النواب، فلا يمكن بقاء الأزمة هكذا بلا حل".

وتعليقاً على ذلك، قال رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، إن "قضية إقالة أو قبول استقالة الرئيس برهم صالح مستبعدة، لأسباب عديدة، لكن الرئيس بتهديده بالاستقالة كشف حجم الضغط الذي مورس عليه من قبل طهران أو واشنطن أو من قبل الشارع العراقي أو البناء أو سائرون، وكذلك رغبات المرجعية الدينية".
واستبعد الهاشمي "تسمية مرشح لرئاسة الحكومة خلال الأيام القليلة المقبلة، على الرغم من الأنباء والمعلومات عن أن تحالف البناء قد يعلن مرشحاً جديداً لرئاسة الوزراء". وأضاف أنه "وفق المعلومات أن هذا المرشح هو عبد الغني الأسدي، فهذه الشخصية تحظى بمقبولية من قبل الشارع العراقي المنتفض، وكذلك التيار الصدري، وقد يكون هذا الترشيح بداية لتجاوز الأزمة".

المساهمون