وإثر فشل حفتر العسكري وانهيار مليشياته في محيط طرابلس الجنوبي ومدينة ترهونة، غرب البلاد، حاول حلفاؤه إقصاءه من المشهد باستبداله بسيناريو الحل السياسي للحفاظ على مصالحهم في الملف الليبي، لكن عديد القضايا قد تنتهي بحفتر إلى حيث لا يرغب حلفاؤه، ولا سيما المتعلقة بجرائم الحرب، وآخرها المقابر الجماعية التي عُثر عليها في ترهونة ومناطق محيطة بالعاصمة طرابلس كانت تعسكر فيها مليشياته.
وفي أول تحرك رسمي، طالبت حكومة "الوفاق" مجلس الأمن الدولي ومحكمة الجنايات الدولية بتحمل مسؤولياتهما إزاء المقابر الجماعية التي عُثر عليها في ترهونة.
Facebook Post |
ورغم أن مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة الطاهر السني قد أكد الجمعة الماضية، العثور على ثماني مقابر جماعية في ترهونة، إلا أن وزير الخارجية في حكومة الوفاق، محمد سيالة، أكد أن عدد المقابر التي عُثر عليها ارتفع إلى عشر مقابر.
وذكر محمد سيالة في رسالة وجهها إلى مجلس الأمن مساء الأحد ونشرها مكتب الإعلام في الوزارة على صفحته الرسمية، أن "صمت المجلس وتجاهله لدعوات حكومة الوفاق السابقة لاتخاذ موقف حازم من العدوان على طرابلس أدى إلى ما نراه اليوم من جرائم واكتشاف المقابر الجماعية في مدينة ترهونة".
وطالب الوزير مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته كاملة وفق ميثاق الأمم المتحدة، و"إحالة ملف هذه المقابر على محكمة الجنايات الدولية لجلب المجرمين أمام العدالة، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب".
وقال سيالة إن "على مجلس الأمن هذه المرة اتخاذ موقف حازم حيال الجرائم التي ارتكبتها في ترهونة مليشيات حفتر، والتي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية".
من جانبه، أعلن مكتب النائب العام في طرابلس بدء تواصله مع البعثة الأممية في ليبيا ومكتب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية بشأن مليشيا "الكانيات" التي كانت تسيطر على ترهونة لمصلحة حفتر.
وأشار إلى أن تواصله مع هذه الجهات يأتي وفق الاتفاقات الدولية بشأن التحقيق في وقائع جرائم الحرب وملاحقة مرتكبيها من قادة وأتباع المجموعات المسلحة المعروفة بـ"الكانيات".
وأوضح مكتب النائب العام، في بيان له ليل الأحد، أنه أصدر أوامره للجهات الضبطية العاملة في البلاد بضرورة ضبط وإحضار القيادات من "الكانيات"، وعلى رأسهم محمد الكانيات وشقيقه عبد الرحيم وعمر الكاني، وأيضاً محمد الشقاقي وسالم شنيبة وحسن جاب الله ووسيم الجروشي، تزامناً مع توجيه أهالي مدينة ترهونة من ضحايا الأفعال الإجرامية ممن لديهم معلومات إلى مكتب النائب العام لسماع شهاداتهم.
وأكد بيان النائب العام أن مكتبه في تواصل مستمر مع جميع الجهات المختصة في الدولة بشأن المقابر الجماعية بترهونة لبدء جمع الأدلة.
200 جثة بالمستشفيات والمراكز الصحية
وفي تصريح لـ"العربي الجديد" كشف أبو راوي البوزيدي، المدير العام لمستشفى ترهونة، النقاب عن العثور على ما يقارب 200 جثة عقب انسحاب مليشيات حفتر من ترهونة في المستشفى ومراكز صحية تابعة له، من بينها جثث متحللة وُضعت في ظروف غير ملائمة وأخرى مودعة في الثلاجات منذ زمن طويل.
وقال البوزيدي إن الجثث وُضعت في أكياس تؤكد ملابسهم أنهم مدنيون وعسكريون، وعلى أجسادهم علامات التعذيب وأخرى عليها آثار الرصاص.
وفيما أكد البوزيدي أن أغلب الجثث تخضع للتحقيق الذي فتحه كتب النائب العام، أكد موسى النعاجي، الناشط المدني من ترهونة، من جانبه، أن العدد أكبر من ذلك بضعفه، مشيراً إلى أن عمليات البحث عن مقابر جماعية لا تزال مستمرة.
وأوضح النعاجي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السلطات المحلية في المدينة وجهت نداءها إلى الأهالي للإبلاغ عن أي دليل يشير إلى وجود جثث أو مقابر جماعية، ولا سيما في المساحات المفتوحة والمزارع.
وتابع: "لقد وثقنا برفقة السلطات المحلية حالات مروعة، من بينها جثث ملقاة في الآبار السوداء والآبار المهجورة، في محاولة لإخفاء الجرائم، واللافت أنها مواقع محاذية لمقارّ مليشيات الكانيات، ما يؤكد صلة المليشيات بالجرائم".
حفتر والمثول أمام المحاكم الدولية
ويعتبر الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش، أن تحريك هذا الملف لدى الجهات الدولية قد يسرع بإعلان حفتر مطلوباً دولياً، خصوصاً بعد انتهاء صلاحيته لدى حلفائه وسقوط مشروعه العسكري.
لكن الأطرش إشار إلى إمكانية عرقلة القضية في مجلس الأمن بواسطة حلفائه، كفرنسا أو روسيا، اللتين شاركتا في دعم حربه، ووُجدت أدلة على وجود مقاتلين وضباط تابعين للدولتين في صفوف حفتر.
ولفت المحلل السياسي في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى إمكانية أن تضم حكومة الوفاق ملف جرائم حفتر، وخصوصاً المقابر الجماعية لقرارات سابقة لمجلس الأمن تتعلق بالعثور على مثيلها ارتكبتها كتائب القذافي عام 2011.
وقال في هذا السياق إن "سيف الإسلام القذافي مطلوب للجنائية الدولية في عدة قضايا، منها جرائم شبيهة، كذلك فإن رموزاً آخرين على صلة بأجهزة أمن القذافي مطلوبون لذات الغرض، ويمكن متابعة قضايا حفتر من هذا الباب أيضاً، ووفق ذات القرارات الدولية".
ويرى الأطرش أن تجديد محكمة الجنايات الدولية، أمس الأحد، المطالبة بضرورة تسليم قائد الإعدامات "محمود الورفلي"، يشير إلى عزم المحكمة على تحريك قضايا على صلة بحفتر.
وجاء تجديد مطالبة المحكمة بتسليم الورفلي، على لسان الناطق باسم المحكمة الجنائية الدولية فادي العبدالله يوم أمس في تصريحات صحافية، بعد خروج الورفلي مجدداً، خلال الأيام الماضية، من داخل مدينة بني وليد، داعياً إلى تشكيل لواء مسلّح لاقتحام مدينة مصراتة، معتبراً أنّ اقتحامها "حج كالحج للكعبة".
ويرى المصدر نفسه أن تحريك ملف الورفلي قد يشير أيضاً إلى وجود ضغوط على حفتر لإرغامه على الموافقة على الخروج من المشهد، لكنه في ذات الوقت يشير إلى إمكانية فتح قضايا جنائية قديمة لحفتر، خصوصاً أن المحكمة لا يمكنها تجاهل الكثير من الدعاوى المفتوحة أمامها من قبل العديد من المنظمات الليبية.