رحلة عودة سورية عبر معبر باب الهوى

08 يناير 2015
يجري التدقيق في جوازات السفر مناطقيّاً (فرانس برس)
+ الخط -
غياب ما يقارب العام عن زيارة سورية كان كافيّاً لملاحظة تغييرات كثيرة في معالم المناطق المحررة، بدءاً من معبر باب الهوى بالقرب من بلدة الريحانية، الذي شهد تقدّماً لآخر حاجز تركي بضعة كيلومترات داخل الأراضي السورية، وإنشاء حاجز متقدّم بالقرب من معبر باب الهوى السوري.
ويظهر بشكل جلي التدقيق الشديد من الجندرمة التركية على دخول وخروج السوريين، مقارنة مع العام الماضي، الذي كانت عمليات تهريب الأشخاص والسلع تتم خلاله على مرأى منهم وأحياناً بالاتفاق معهم. كان المهرّبون ينتشرون بالعشرات على طرفي المعبر التركي، ينقلون أطناناً من البضائع وعشرات الأشخاص، الذين لا يحملون جوازات سفر بين طرفي الحدود. وكانت هذه العمليات تتم في معظمها بعد الخامسة مساء، الموعد الرسمي لإغلاق المعبر. كلُّ هذه المظاهر اختفت مع إنشاء الحاجز.

ما أن تقطع الحدود التركية في اتجاه المعبر السوري حتى تلحظ غياب معظم الكتائب التي كانت تسيطر عليه قبل عام، وسط انتشار واسع لأعلام حركة "أحرار الشام" التي صارت تسيّر أمور المعبر، بعدما سيطرت عليه مطلع عام 2014 إثر اشتباكات مع "جيش الإسلام"، الذي كان يسيطر بدوره، على المعبر.

أول حاجز تعبره قبل الوصول إلى المعبر السوري الرئيسي مكوّن من ثلاثة عناصر من حركة "أحرار الشام"، يحملون بنادق روسية على أكتافهم، فيما يقف رابع على مسافة قريبة منهم، يبدو أنه قائدهم، يتفحص مسدسه الحربي كما لو أنه تسلمه حديثاً. جميع هؤلاء العناصر كانوا بلحى طويلة، ولباس غير موحّد.

يجري التدقيق في جوازات السفر مناطقيّاً، إذ يتم التعاطي مع القادمين بحسب المنطقة التي ينتمي اليها الشخص؛ فعلي سبيل المثال، حين يكون صاحب الجواز من منطقة غير محسوبة على الثورة يتم التدقيق في جواز سفره واستجوابه، أما الذين ينتمون إلى المناطق الثائرة فلا يخضعون لأي تدقيق. وكانت الملاحظة الأهم أنه لا توجد لدى الحواجز التي تسمح بدخول القادمين الى سورية أية قوائم لمطلوبين، وكل الأمور تعود لتقديرات العنصر على الحاجز.
عند الوصول إلى الحاجز، يبادر أحدهم بسؤال مع ابتسامة "جوازك يا شيخ"، فتعطينه، وحين يجد أنك من مدينة بنش، يجاوب "على راسي بنش تفضل".

ومع متابعة المسير باتجاه المعبر، يُلحظ عدم تبدّل الحال عمّا كان عليه قبل عام، لناحية مظاهر الفوضى، سواء لجهة الآليات العسكرية المتناثرة هنا وهناك، أو لجهة فوضى المباني التي لم يُعمل على تجميلها منذ معركة السيطرة على المعبر وطرد قوات النظام منه. مع العلم أن جهات عديدة طرحت منذ أكثر من سنة فكرة تجميل المعبر وتحويله إلى واجهة حضارية للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بالإضافة إلى تشكيل إدارة مدنية للمعبر، غير أنّ شيئاً لم يحصل سوى نقل المخيم الذي كان موجوداً بجوار المعبر إلى مكان آخر.


في منطقة باب الهوى، تختفي كليّاً كتائب كانت مسيطرة، كالفاروق واللواء 313 وجبهة ثوار سورية ولواء جيش الإسلام، لتحل مكانها حركة "أحرار الشام" بشكل رئيسي، إضافة إلى فصيل يتيم، لا يزال ثابتاً في مكانه، رغم التغيرات، وهو "صقور الشام".

تؤمن حركة "أحرار الشام" وسائل نقل مجانية من نقطة المعبر التركي وحتى كراج سرمدا، الذي لم يكن موجوداً منذ عام. وقبل مدينة سرمدا بنحو 1000 متر، تم استحداث كراج لنقل الركاب إلى معظم أنحاء المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في الشمال السوري، وأحياناً إلى مركز مدينة إدلب الخاضعة لسيطرة النظام السوري (بحسب الوضع الأمني في المنطقة).

في كراج سرمدا، تبدو سطوة حركة "أحرار الشام" واضحة، فهو يعجّ بفوضى السيارات التي قلّما تجد واحدة منها تحمل لوحة، بالإضافة إلى فوضى السائقين الذين ينتظرون زبوناً ليفاوضونه على ثمن إيصاله للمنطقة التي سيذهب إليها. أما الأسعار فلا ترتبط بكلفة الطريق، بقدر ما ترتبط بخطورة المنطقة المقصودة. أولى الأسئلة التي يوجهها السائق للمسافر هي الوجهة المقصودة ثم المدة التي غاب فيها المسافر عن سورية، لأنها تسهل عملية التفاوض على السعر. فإن كان المسافر لم يأت لسورية منذ شهور، يشرح السائق التغييرات التي حصلت، والمخاطر الإضافية التي يترتب عليها أجر إضافي.

يتواجد في الكراج سيارات متعاقدة مع حركة "أحرار الشام"، تنقل البضائع من وإلى المعبر، إذ لا يحق لأية سيارة أخرى أن تدخل إلى المعبر دون التعاقد مع الحركة، التي يشكل لها المعبر مصدر دخل كبير، فيما تتحدث بعض المصادر المحلية في المنطقة عن محسوبيات تحكم هذه العملية.


سيارة أجرة تبدو وكأن عمرها يفوق الخمسين عاماً. الباب لا يغلق بشكل محكم، والبلور مثبت ببعض قطع الكرتون، والغبار يأكل معظم أثاثها. وإلى مدينة بنش سرّ. الطريق طويل، ولا بد أن يملأه حديث السائق. يبدأ بعبارة "أنا لست مع هؤلاء"، وهو يقصد الفصائل الإسلامية المسيطرة في المنطقة، ولا مع أولئك، ويقصد النظام. يتابع حديثه عن الاستبداد الجديد للفصائل التي تسيطر على المنطقة والفساد والمحسوبيات التي تحكم عملها، ويبين أنّ السوري انتقل من استبداد وفساد إلى استبداد وفساد آخرين. ولمّا كانت الحرب الدائرة في سورية منذ سنوات ظلامية وقبيحة، يحلّ الخوف من شخص يرافقك في طريق يمر بمنطقة لا تبعد سوى أقل من 2 كيلو متر عن حاجز شبيحة مدينة الفوعة الموالية للنظام. وأول ما يخطر في البال للاطمئنان، تغيير الطريق والذهاب من طريق يمر وسط مناطق المعارضة.

يوافق السائق ويسير في مناطق تعبر من بلدات ريف حلب الغربي، وهي المناطق التي لم تتعرض لقصف شديد. ويبدو أن حركة بناء كبيرة تشهدها تلك البلدات، وخصوصاً في المناطق الزراعية، إذ يهرب الناس من السكن في مدنهم وبلداتهم الى بناء مساكن في أراضيهم الزراعية التي لا يطالها القصف، خصوصاً وأن مقومات الحياة بين الأراضي الزراعية والمدن أصبحت واحدة تقريباً لناحية تأمين الماء والكهرباء والخدمات.
دلالات
المساهمون