أطلقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرها السنوي بعنوان "التقرير العالمي 2020"، الذي يرصد أوضاع حقوق الإنسان حول العالم، وتحديداً في أكثر من مائة دولة ومنطقة، بحسب المنظمة غير الحكومية. وركزت المنظمة في تقريرها الذي يراجع ممارسات حقوق الإنسان في هذه الدول لعام 2019، على الانتهاكات التي تنفذها الحكومة الصينية، بما فيها تلك التي تُمارس ضد مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ. وبمناسبة صدور التقرير، خصّ المدير التنفيذي للمنظمة كينيث روث "العربي الجديد" في نيويورك بهذه المقابلة.
*لقد ركزتم في تقريركم السنوي لهذا العام على الصين، حيث كتبت افتتاحية التقرير التي حذرت فيها بشدة مما أسميته "مخاطر الصين على العالم". لماذا؟
شعرنا هذا العام بأنّ من الضروري أن نسلط الضوء على الخطر الذي تشكله الحكومة الصينية، لا على نظام حقوق الإنسان في الصين فحسب، بل على نظام حقوق الإنسان في العالم أجمع. لماذا؟ لأن الحكومة الصينية تعتمد برأينا على الاضطهاد للاستمرار في السلطة. وفي ظلّ بطء النمو الاقتصادي، وكردّ فعل، فقد ذهبوا إلى أبعد من العادة في استخدام قدرتهم الاقتصادية والدبلوماسية وتصدير الرقابة الداخلية للخارج، وخصوصاً لجهة الهجوم على منظمات تابعة للأمم المتحدة تدافع عن حقوق الإنسان، الأمر الذي يهدد النظام العالمي المتعلق بهذه الحقوق.
*هل ترى أن سلوك الصين غير مسبوق إذا ما قورن بدول ثانية ذات نفوذ تعتمد النهج نفسه؟
نعم، حيث لم نرَ حكومة بهذه القوة الاقتصادية تستخدم كل سطوتها من أجل ضرب أي مصداقية تحاول ترسيخ حقوق الإنسان في أماكن أخرى من العالم، وليس فقط ما يتعلق ببلادها. طبعاً هناك حكومات تحارب وتدافع عن أي اتهامات ضدها تتعلق بخروقات حقوق الإنسان في بلادها. إذا أخذنا على سبيل المثال الولايات المتحدة التي تهاجم محكمة العدل الدولية لتحقيقها في قضايا تعذيب (من قبل قواتها) في أفغانستان، أو تهاجم مجلس حقوق الإنسان للتحقيق (في انتهاكات) إسرائيل. ولكن حتى الحكومة الأميركية تدعم جهوداً أخرى لترسيخ حقوق الإنسان في أماكن أخرى في العالم. النهج الصيني مختلف، وهو يشكل معارضة منظمة ضد أي تطبيق لحقوق الإنسان (في المنظمات الدولية) خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى سابقة تجعل الدور يأتي على الصين. وإذا أضفنا إلى هذه الحسابات حاجة الحكومة للاعتماد على الاضطهاد للبقاء في السلطة، يكون لدينا هذا الهجوم المباشر على النظام العالمي لحقوق الإنسان.
*تحدثت في التقرير، وكذلك خلال المؤتمر الصحافي لإطلاقه في نيويورك، عن صمت دول عربية ومسلمة عمّا يحدث من اضطهاد لمسلمي الصين وزجّهم في معسكرات اعتقال. هل لك أن تشرح؟
تضطهد الصين أكبر عددٍ من المسلمين في مراكز الاعتقال، أي قرابة المليون، ووصل الوضع إلى درجة إجبار بعضهم على تركهم لدينهم وتنفيذ أمور أخرى، دون أن يلقى ذلك ردود فعل جادة من "منظمة التعاون الإسلامي". ولسخرية القدر، أصدرت الأخيرة بياناً يشيد بحفاظ الصين على حقوق الأقلية المسلمة، وهذا جنون! ما يحدث، أن دولاً ذات أغلبية مسلمة تسمح لنفسها بأن يجري "شراؤها" من قبل بكين، ويتركون إخوتهم المسلمين في المعسكرات في الصين. أتمنى أن يتغير ذلك، وفي هذا الإطار، لاحظنا بعض التغيير من دول كإندونيسيا وماليزيا وتركيا وألبانيا وقطر وغامبيا، وهذه دول بدأت تعبّر عن قلقها.
*وجهت انتقادات واضحة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، لعدم تنديده بما يحدث في الصين، ومواقفه الضعيفة عموماً في انتقاد دول قوية. كيف ترى أداءه مقارنةً بسابقيه؟
لقد علقنا الكثير من الآمال على اختيار أنطونيو غوتيريس لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، لأنه كان قد ترأس مفوضية اللاجئين التابعة لهذه المنظمة، ما يعني أنه يدرك جيداً هموم الناس. لكنه أضحى اليوم يمثل خيبة أمل، وهو غير مستعد للحديث بصراحة عندما تكون الدول التي تمارس اضطهادات حقوق الإنسان ذات نفوذ، ويستخدم مصطلحات عامة وفارغة لا تسلط الضوء على الاضطهاد، ولا تشكل ضغطاً على الدول التي تمارسه، وكأن شيئاً لم يحدث. هو يقوم بدبلوماسية خلف الأبواب، لكن لم نرَ لها بعد أي نتائج مثمرة. على سبيل المقارنة، يمكن القول إنه سبق أن أظهر (الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة) كوفي عنان أن هذا منصب ذو نفوذ وصوت مهم لتعزيز أوضاع حقوق الإنسان.
*كيف ترى وضع حقوق الإنسان في ما يخص موقف الدول الأوروبية من الهجرة عبر ليبيا إليها، وما قاموا به؟
لقد كان لنا موقف نقدي جداً من الحكومة الإيطالية في هذا الخصوص، والاتحاد الأوروبي عموماً، وما قاموا به من تمويل لخفر السواحل الليبية، كي يعيدوا المهاجرين إلى معسكرات الاعتقال الليبية ذات الأوضاع الكابوسية، لجهة الإتجار بالبشر والجنس وظروف العمل وغيرها. وكانت الحكومة الإيطالية تدرك أن إعادة المهاجرين إلى ليبيا إجراء غير قانوني بسبب ظروف اعتقال هؤلاء المروعة، ولذلك فإن ما فعلته هو تمويل خفر السواحل الليبية للقيام بذلك بصورة غير مباشرة. أضف إلى ذلك أنه جرت مهاجمة سفن منظمات غير حكومية حاولت إنقاذ المهاجرين المعرضين للغرق (في مياه البحر المتوسط)، ما ولّد استراتيجية تؤدي إلى ترك الناس لمصيرهم وللغرق. ويشكل خروج ماتيو سالفيني (زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف) من الحكم في إيطاليا فرصة لإعادة التفكير في هذا التوجه غير الإنساني تجاه اللاجئين والمهاجرين الذين يريدون الوصول إلى أوروبا عبر الأراضي الليبية.
*كيف تقيّم تعامل الحكومة في العراق مع الانتفاضة الشعبية التي يعيشها هذا البلد؟
نشعر بالقلق الشديد حول الوضع في العراق واستخدام القوات العراقية القوة المفرطة والرصاص الحيّ ضد المتظاهرين. وقد رأينا موجة جديدة من الاحتجاجات في العراق ولبنان، وحتى في إيران. في لبنان، هناك تغيير في الطريق، لكن لا نعلم أين سيؤدي، وفي العراق، كذلك. في البلدين، العراق ولبنان، يسود قلقٌ من التأثير الإيراني، وإن كان مستواه ونوعيته مختلفين في كل بلد. كما أدى مستوى النفوذ الإيراني في العراق تحديداً إلى استياء واسع النطاق، لأن هناك شعوراً لدى العراقيين بأن حكومتهم لا تخدم الشعب، بل مصالح إيران. شهدت التظاهرات بعض التراجع بسبب مقتل (قائد "فيلق القدس" الإيراني) قاسم سليماني بأوامر أميركية، لكن ساعدها عاد واشتد، وحتى إيران شهدت عودة الاحتجاجات بسبب إسقاط الطائرة الأوكرانية.
*في ما يخصّ سورية وحقوق الإنسان فيها، كيف تقدّر الوضع الحالي؟
إن أولويتنا أو قلقنا الرئيسي في الوقت الحالي متعلق بمحافظة إدلب شمالي سورية، حيث هناك ثلاثة ملايين مدني يحاولون تفادي القصف العشوائي للطائرات الروسية والسورية (التابعة للنظام). لقد شاهدنا كيف يقصف الروسي و(النظام) السوري أهدافاً مدنية، بما فيها المستشفيات، ونشعر بقلق شديد من أن يؤدي كل هذا إلى حمام دم في هذه المحافظة. ونحاول الضغط بكل الطرق كي يمارس الأوروبيون والأتراك وغيرهم ضغطهم على (بشار) الأسد، الذي يعتمد على (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين للقتال في هذه الحرب. إذاً، المفتاح في يد بوتين حول ما إذا كانت تلك المناطق ستشهد مجازر ضد المدنيين أو لا. وكان هناك أكثر من إعلان وقف إطلاق النار، لكن أيّاً منها لم يصمد. علينا أن نوقف هذه الديناميكية، ونحن لا ندعي أن المقاتلين في إدلب أبرياء، فالكثير منهم "جهاديون"، لكن القتال ضدهم لا يعني قصف المدنيين.
*ما توقعاتكم في اليمن. هل تعتقدون أن أطراف الصراع تشعر بـ"التعب" من حربٍ لا يحقق أيٌّ منهم خلالها انتصارات على الأرض؟
أعتقد أن هناك بادرة تقدم في اليمن. وفي تقديري، فإن الانتقادات الكثيرة التي وجّهت إلى التحالف بقيادة السعودية وحملاته العسكرية في هذا البلد لها تأثير. لقد قتلت هذه الحملة الأبرياء، واستهدفت المستشفيات وحافلة مدرسة، وغيرها. أضف إلى ذلك، أنّ الحصار، وخصوصاً في شمال شرق اليمن وحول الحديدة (الساحل الغربي)، أدى إلى خسارة الكثير من أرواح الأبرياء واضطرار قرابة 11 مليون يمني إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية. وبسبب كل هذه الانتقادات، تحقق الأمم المتحدة في ارتكاب جرائم حرب. كذلك فرض عددٌ من الدول الأوروبية حظراً على تصدير السلاح. كل هذا يشكل ضغطاً على التحالف، ونلاحظ الآن انسحاب الإمارات، وحتى السودان الذي قدم أعداداً كبيرة من المقاتلين. وبالتدريج، ترى السعودية أنها تقود تلك الحرب بنفسها دون قوات على الأرض، وهو واقعٌ يجبر الرياض على البحث عن حلٍّ عبر المفاوضات.
*كيف ترى تأثير انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ما يخصّ خروقات حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة؟
ليس هنالك شكٌ في أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قلّل من مصداقية الولايات المتحدة ودفاعها عن حقوق الإنسان، وخصوصاً بعد ثنائه المستمر على عدد من الحكام الدكتاتوريين حول العالم. وفي ما يخصّ إسرائيل، أعطى ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الضوء الأخضر ليستمر في ممارساته المخالفة للقانون الدولي، بما فيها التوسع الاستيطاني، الذي يُعَدّ غير قانوني ويشكل جريمة حرب تحت البند الرابع من اتفاقيات جنيف، وهو يهدد اليوم بضمّ الأراضي المحتلة (المستوطنات في الضفة والأغوار). ولقد عدت من هناك أخيراً، والكثيرون يتحدثون عن واقع الدولة الواحدة، وهذا يضع إسرائيل على تقاطع طرق: هل تريد السماح بدولتين، أم دولة واحدة إما تعطي فيها الجميع حقوقاً متساوية، أو يكون فيها نظام فصل عنصري. والإسرائيليون يحاولون إبقاء الكرة في ملعبهم والحديث عن مباحثات سلام. لكن هذه المباحثات غير موجودة، والسؤال: هل يريدون إعطاء حقوق متساوية للجميع، أم أن لديهم نظام فصل عنصري، ولا يريدون الإجابة عن هذا السؤال؟
هناك، دون شك، تمييز منظم وصارخ، وخصوصاً في الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث هناك من جهة الفلسطينيون الذين لا يمكنهم التحرك والبناء وغيرها، وهناك قيود تفرض على حقوقهم الأساسية، وكل هذه خروقات كبيرة لحقوقهم الأساسية، وعلى الجهة الأخرى الإسرائيليون والمستوطنات، حيث يتمتعون بحقوق كاملة. هذا الوضع لا يمكن أن يستمر.