الحرف التقليدية في فلسطين.. كثيرُها قضى نحبه وقليلُها يحتضر

29 اغسطس 2016
الصناعات الحرفية تنحسر في فلسطين (عباس مومني/ فرانس برس)
+ الخط -
السمكري، المبيّض، السكافي، الجلّاخ، الدبّاغ، الفاخوري، الحداد، الأُلفي، وغيرها عشرات المهن كثيرها انقرض وقليلها على الطريق ذاته. إذ اختفت بعض الحِرَف اليدوية من التراث الفلسطيني في ظل العاصفة التكنولوجية الهائلة التي سيطرت على مناحي الحياة اليومية وعلى الصناعات المختلفة، ما جعل من استمرار العديد منها مستحيلاً.

يقول مدير مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي الفلسطيني، الدكتور إدريس جرادات، لـ"العربي الجديد": "تاريخيّاً، كان الأمراء والأعيان يطلبون من الحرفيين المميزين من سورية ولبنان أن يأتوا إلى فلسطين من أجل العمل في الزوايا والمقامات والمساجد حيث يمتاز هؤلاء الحرفيون بالدقة والإتقان".

ويصنف جرادات الصناعات والحرف اليدوية في فلسطين كما يلي: "الصناعات الطينية تأتي من خلط الطين بالماء، الخشبية، الخشب والقش والنباتات، الغذائية، النسيج والمطرزات المعدنية (النحاس، الحديد، الفضة والتنك)، الصناعات الموسيقية (الشبابة والناي والربابة)، إضافة إلى الصناعات الحجرية، مثل الطاحونة أو الجاروشة، التي كانت تستخدم لطحن الحبوب وتحويله إلى دقيق والتي انقرضت بفعل انتشار الآلات".

ويضيف: "كانت الصناعات الخشبية قديماً تتركز في النير الخشبي وسكة الحراثة، حيث يوضع النير على ظهر زوج من الثيران ثم يربط بالسكة لجرها للتمكن من حراثة الأرض، وهذه انقرضت أيضا بفعل انتشار السكك الحديدية والجرارات الزراعية".

ويوضح جرادات أن هناك العشرات من المهن انقرضت واندثرت وأصبحت أدواتها مواد تراثية، مثل تجليد الكتب من الجلد والقش وصناعة الشيد، "اللتون"، الذي يوضع في بئر لأسبوعين وتوقد عليه النار ليصبح شيداً يستخدم في البناء، والتحجير اليدوي (قص الحجر يدوياً)، إضافة إلى الملاحة (صناعة الملح).

ويضيف: "الفسيفساء، صناعة رائجة في فلسطين، خاصة في زمن بناء المسجد الأقصى، إلا أنها تلاشت تدريجياً ثم بدأت بالعودة مرة أخرى من خلال مراكز التدريب. كذا الحال مع مهنة الجلاخة، ويقوم صاحبها بجلخ السكاكين والسيوف والشباري (الخناجر)، فقد انقرضت بفعل الماكينات الحديثة المتواجدة بكثرة وتوفر السكاكين في أيامنا هذه. وكذلك البراذعي وهي مهنة تصنيع برادع المواشي من القش والأقمشة، وهذه اختفت في فلسطين تقريباً، ومهنة مبيّض النحاس، وهو شخص يقوم بتنظيف وتبييض الأدوات النحاسية والقدور والأواني، انقرضت بعد وفاة آخر مبيّض للنحاس في مدينة الخليل".

الحال ذاته ينطبق على مهنة الإسكافي (مصلح الأحذية)، تلك المهنة تسير نحو الانقراض، إلا أنها مصدر الرزق الأساسي لعدد من العائلات.
محمد أبو ميزر، الإسكافي الوحيد في مدينة سلفيت، وسط الضفة، يقول لـ"العربي الجديد": "أعمل في هذه المهنة منذ 56 عاماً، تعلمتها منذ صغري في مدينة الخليل". يضيف الثمانيني الذي يتخوف من انقراض مهنته: "في السابق كانت هذه المهنة منتشرة بشكل كبير، إلا أنها بدأت منذ سنوات بالاندثار بسبب استيراد البضائع الصينية وانتشارها في السوق الفلسطينية.

قليلون من يحضرون لتصليح نعالهم وخياطتها". ويتابع: "رغم أنني متعب جداً إلا إنني على رأس عملي، هناك زبائن ينتظرونني ولا يحبون أن يذهبوا إلى أحد غيري في رام الله أو نابلس، وأنا أحب أن ألبي طلباتهم".
لم يبق في فلسطين حامل لمهنة "مبيّض النحاس" إلا "المبيض" محمد زبلح، الذي ورثها عن عائلته وبقي متمسكًا بها حتى اللحظة. ولم يبق أيضاً إلا صانع قباقيب (أحذية خشبية) واحد في فلسطين، وهو وليد خضير، الذي هجّره الاحتلال وعائلته من مدينة اللد إلى مدينة نابلس، حيث استقر في البلدة القديمة، وقد تعلم المهنة من والده منذ الصغر.

خضير (66 عاماً)، يصل الليل بالنهار لإنجاز عمله في النجارة وصناعة القباقيب، يساعده ابنه أحمد (13 عاماً)، حيث تعلم منه النجارة وصناعة القباقيب.
ويضيف أبو خالد لـ"العربي الجديد": "علّمت ابني صناعة القباقيب حتى لا تختفي تلك الصناعة التي ورثتها عن والدي وجدي قبل 55 عاماً، أخاف عليها من الاندثار حيث إنني الوحيد الذي يمارسها حتى اليوم".

يتحدث خضير عن صناعة القباقيب بحسرة وخوف من اندثارها، "لا نسمع رنة القبقاب في نابلس، اختفت، فقط في الحمامات الشامية يستخدمونها، اختفت من المنازل بسبب العمران وارتفاع المنازل إلى عدة طوابق".
يستدرك أبو خالد الحديث ويقول: "كنا زمان نعمل ليل نهار، خاصة في موسم الأعياد والمدارس ورمضان، كان الجميع يشتري منها، أما في أيامنا هذه فلا نجد إلا القليل من الزبائن".

الحاجة أم محمد، من مدينة طولكرم (سبعون عاماً)، تتحدث عن صناعة سلال القش والجونة (سلة كبيرة مغطاة بالجلد): "أيام زمان كنا نجتمع، كل نساء الحي، ونبدأ في نسج صواني القش والجونة وسلال التين، حيث كنا نستخدمها أيضا لحفظ الخضار والفواكه وكنّا نخبّئ بها الخبز ونحفظ فيها الكثير من المأكولات للسفر والذهاب إلى الأراضي الزراعية".

وتضيف أم محمد لـ"العربي الجديد": "لم يتبقّ أحد يقوم بنسج القش، اندثرت تلك المهنة. كنا نقوم بنسيجها للبيت وللبيع، وكنا نرسلها إلى المغتربين في الخارج، لكنها تقريباً اختفت من بيوتنا أيضاً كالعديد من السلع التي كنا نستهلكها قبل أكثر من 60 عاماً".
دلالات
المساهمون