65 كاتباً أميركيا عن فلسطين

05 يناير 2016
لوحة لكاندنسكي، زيت على قماش(Getty)
+ الخط -

لا تهدف أنطولوجيا "أداء استثائي: كتاب أميركان عن فلسطين" إلى الحديث باسم الفلسطينيين أو فلسطين بل إنها تسعى للتحدث إليهم، وبطريقة ما، معهم عن طريق خلق حوار يحاول أن يسهم في جعل فلسطين حالة طبيعية في السياق الأميركي لا تقتصر على السياسة فحسب، بل يكتب لها بطريقة إبداعية وإنسانيّة. لا يخلو التعامل مع قضية فلسطين أو حتى مع أي فن فلسطيني في الولايات المتحدة من الكثير من التعقيدات وحتى الاتهامات والتهديد بسحب التبرعات المالية من هذه المؤسسة الثقافية أو تلك إذا تعاملت مع موضوع فلسطين بحساسية وموضوعية. ولعل ما يلخص أهم ما يلخص هذه الأنطولوجيا هو ما قالته رو فريمان "هذا الكتاب طريقة للاعتراف والقول لأهل فلسطين: إننا نراكم".
فهي من ناحية تجمع أصوات خمسة وستين كاتباً أميركياً، في الغالب، أو كتاب يعيشون في الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى تسعى لأن تكون شهادة من كتاب عالميين عن القضية الفلسطينية، بما هي قضية احتلال أرض وتهجير شعب وإقامة دولة غاصبة محله.
ومن بين الأسماء المعروفة المشاركة، الروائي تيجو كول والشاعر توم سلي والروائي كولم مكان. تحاول فريمان في مقدمتها التي أخذت تسع صفحات، وضع فلسطين في سياقها التاريخي المحلي والعالمي، وكذلك الأميركي فهذه المقدمة والأنطولوجيا موجهة للقارئ الأميركي بشكل رئيسي. وتتحدّث فريمان بصراحة ووضوح عن "ذنب الولايات المتحدة في حرمان حقوق الإنسان والعيش بكرامة للفلسطينيين في فلسطين/ إسرائيل وأماكن أخرى".

وتختلف النصوص الخمسة والستون بالأسلوب والفحوى والمواضيع التي تتناولها. إذ اختار بعض الكتاب نصوصاً إبداعية نثرية أو شعرية، فيما تحدث بعضهم الآخر عن مواضيع كالهوية وإعادة تركيب الرواية التاريخية والحقوق والميزات التي تتمتع بها جماعات بعينها على حساب جماعات أخرى، كما المسؤولية الأخلاقية للفنان أو المبدع في الحديث ضد الظلم. وبعض المساهمات يتحدث عن النشاط السياسي وتحدياته أو ظروف العيش تحت الاحتلال.
وعن علاقتها بفلسطين قالت فريمان: "لقد سافرت إلى فلسطين ضمن "مهرجان فلسطين للأدب - بال فيست" هذه السنة، هناك قابلت أناساً تعاملهم كان حميمياً، يسخرون ويضحكون ويحبون الحياة رغم كل ما يمرون به. في زيارتي مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين بالقرب من بيت لحم قال لي أحد الفلسطينيين هناك "لا نريدكم أن تبكوا من أجلنا إذا أردتم مساعدتنا عودوا إلى بلادكم واعملوا ما بوسعكم من أجل فلسطين هناك". وهذا الكتاب هو ”العمل الذي بوسعنا أن نقوم به“.
وعن السبب وراء اختيار 65 كاتباً تقول فريمان: "إن الرقم 65 يصعب تجاهله أو حتى القول إن مصداقيته ”مشكوك فيها”، أو أن الكتاب من فئة واحدة أي أقليات أو من ديانة واحدة… ". وتضيف "بكلمات أخرى لا يمكن جمع هؤلاء الكتاب تحت مظلة أيديولوجية واحدة والقول إنهم لا يمثلون إلا هذه المجموعة أو تلك". وتؤكد فريمان أنه إذا كان هناك ما يجمع بين هؤلاء الكتاب فهو أنهم أرادوا جميعاً سد الهوة بين السياسة الأميركية وموقفها من فلسطين وبين واجبهم الأخلاقي ككتاب أميركان، أو كتاب يعيشون في أميركا، وما يحتمه ذلك عليهم بغية أخذ موقف أخلاقي من قضايا كقضية فلسطين".

ومن المهم أن ننظر للأنطولوجيا في سياقها الأوسع. حيث إنها تأتي في وقت تحقق فيه حركة المقاطعة العالمية الأكاديمية والفنية لإسرائيل ”BDS“ نجاحات مستمرة من حيث نقاش وانضمام العديد من الجمعيات الأكاديمية لها، كان أبرزها تصويت ”جمعية الأنثروبولوجيا الأميركية “ تأييداً لها في خطوة أولى، على أن يكون التصويت النهائي في الربيع. وتعد جمعية الأنثروبولوجيا الأميركية، الجمعية الأكاديمية الأكبر في العالم، حيث تضم أكثر من 10 أعضاء. ولعل تزايد التأييد لحركة المقاطعة يزيد من ضغط الحركات الصهونية ومؤيديها من أجل وقف أي صوت في الساحة الثقافية الأميركية يعلن عن تضامنه أو يطرح في رؤيته
الثقافية عملاً ما، طرحاً يعطي مكاناص أكبر لوجهة نظر متفهمة أو متعاطفة مع القضية الفلسطينية. ومن هنا ليس مستغرباً أن يتلقى ”مركز الرواية“ في نيويورك تهديدات قوية اللهجة بسحب التبرعات للمركز الذي يصل عمره إلى مائتي عام، لمجرد استضافته لعدد من الكتاب المشتركين في الأنطولوجيا في حفل لإطلاقها هذا الشهر في نيويورك. لم يرضخ مركز الرواية للتهديدات. لكن هناك مؤسسات أخرى ستفكر مرتين قبل أن تستضيف أي أمسية مرتبطة باسم ”فلسطين“.

إن قضية التمويل والاعتماد على المتبرعين قضية رئيسية لا يستهان بها، بالذات في الولايات المتحدة، وتؤثر على اختيارات البرامج والأولويّات. وواحد من أبرز الأمثلة في هذا المجال كان العام الماضي، حيث أٌثيرت موجة من الاحتجاجات والتهديدات من مانحين بسحب تبرعاتهم من دار أوبرا المتروبوليتان في نيويورك، بسبب عرضهم لأوبرا ”موت كلينغهوفر“ لأنها تحاول أن تعطي صوتاً إنسانياً للشخصيات الفلسطينية في الأوبرا دون أن تكون بالضرورة متحيزة للرواية الفلسطينية في طرحها، ولكن حتى هذا، أي إضفاء وجه إنساني على معاناة الفلسطيني، كان أكثر من اللازم للمعترضين الذين مارسوا ضغوطهم حتى اضطر القائمون على العرض إلى تغيير بعض تفاصيله لأنّ بعضها لم يوافق الرواية الصهيونية.
إقرأ ايضا: علي بنمخلوف.. الفلسفة طريقاً للعدالة

المساهمون