برتقالات

16 مايو 2018
إياد صباح/ فلسطين
+ الخط -

جاءوه بثلاث برتقالاتٍ من أرضه.
كان أبوه مَن زرَعَ شجرها، أما هو ـ جَدّي لأُمّي ـ فلطالما سقاها فتىً وشابّاً.
شمَّها العجوز، واحتضنها، ونامت معه في فراشه الباكي، ثلاث ليالٍ، ثم قضى.
جدّتي قالت: البرتقالاتُ قتلته.

كنت فتى في بِكْر المراهقة، وكنت ممن شارَكَ في حفْر قبره.
وقتَها، قَدِمَ أخوالي من الرياض، في زيارة الصيف، فزاروا القرية، وعادوا بالبرتقالات لوالدِهم المقيم في المخيم.

البرتقالات الثمينات التي قتلته، دون قصْد، ستقتلني في ما بعد، غير مرة، دون أن تُرسلني للعَدَم الأخير.
كلما أرى شقيقاتها في بالنسيا، أو في المدينة التي أقطن، تعودُني تلك، وسأظل أفعل، طالما الحدثُ الأكبر في حياة ملايين الفلسطينيين، لا يزال حيّاً وقائماً:
لا يزال من فئة أفعال المُضارِع.
سبعون عاماً مرّت كسلحفاة، وغيرُها سيمرّ.

وفي يوم الذكرى، سيخرج أبناء أحفاد الجدّ إلى الأرض التي صارت "حُدوداً"، ليتنسّموا عبق البرتقالات المسروقة، والوطن المسروق، والتاريخ المسروق.
سينزل دم كثير، ويُختصر ـ بشكل عاجل ـ إلى خبر عاجل أسفلَ الشاشات.
وسيقول محيطون بنا وغير محيطين: حالُ العالَم.
كأنّ حال العالم، على هذا النحو، هو بديهةُ دينٍ أو فلسفة.
لا بأس، ليقُل مَن يشاءون ما يشاءون.
أما الأحفاد فلهم منطقُ الشاعر: منطق الطير: "إلى أن يعودَ الوجودُ لدورته الدائرة"،
نقطة وأول السطْر.

المساهمون