وإن كان الشمّاع حصل على الرسائل منذ خمسة أعوام من ابنة الورد، فإن علاقته بهذه المراسلات تعود إلى عام 1977 حين كان يتردّد على منزل صاحب الرسائل، فكان يطلعه على محتوياتها، ويتحدّث عن علي الوردي حين كان طالب الدراسات العليا في "جامعة تكساس".
يتضمّن الكتاب -صدر عن داري "العربية للعلوم ناشرون" و"العرب"- 108 رسالة تبادلها الوردي مع أبيه، ومع أحد أبناء عمومته وصديقه والذي أخذ على عاتقه أن يتابع شؤون الكاتب في بغداد وأن يرسل إليه كلّ ما يحتاج من كتب ويرعى عائلة الوردي وأطفاله في غيابه. يقول الشمّاع "سيلاحظ القارئ حجم الجهد الذي بذله الورد (...) ما يشي بعلاقة وطيدة، أقوى حتى من علاقة قريب بقريبه وأخ بأخيه وصديق بصديقه".
يرى الشمّاع أن للرسائل عدّة أهميات، إن جاز التعبير، الأولى في أنها تكشف الظروف الصعبة التي درس فيها الوردي، وتكشف جوانب لا يعرفها كثيرون، بحسب الشماع، عن شخصيته. كما تُظهر الرسائل شيئاً من علاقة الوردي وملاحظاته حول المجتمع الأكاديمي المتخصّص في علم الاجتماع في جامعته الأميركية.
من جهة أخرى، يرى صاحب "خفايا من حياة علي الوردي" أن الرسائل تلفت إلى الكثير من التفاصيل في "حياة الناس في العراق والأحداث التي مرّت عليها خلال سنوات تبادل الرسائل، وفيها شهادة معايش لها هو الفنان خليل الورد التي كان ينقلها بما لم نعثر عليه في أي كتاب إلى الوردي الذي كان ينتظر تلك الرسائل بشغف كبير، وخصوصاً تداعيات الحرب العالمية الثانية وتأثيراتها على الحياة اليومية للعائلات العراقية ومنها عائلة الوردي، ووصف لما جرى في وثبة كانون 1948، والحياة النيابية وكيف كانت تجري الانتخابات وفهم العوام من الناس لها"، بالمقابل نرى أميركا وجانباً مما وقع فيها من أحداث في الحقبة نفسها بعين علي الوردي.
يأتي الكتاب في ثمانية فصول مبوّبة بحسب السنوات، وثمة فصل للرسائل غير المؤرّخة وملحق للوثائق والصور. وقد وضع مقدّمته الأكاديمي إبراهيم خليل العلاف الأستاذ في جامعة الموصل، والذي اعتبر أن المراسلات تُلقي الضوء على تفاصيل من حياة الوردي منذ أن كان موظفاً في "ضريبة الدخل" في بغداد وإلى أن أصبح طالب دكتوراه في أميركا.
يلفت العلاف إلى طلب الوردي المتكرّر لصور من العراق ومدنها وآثارها ومساجدها والمراسم الدينية فيها بل وطلب طوابع عراقية وسبحاً وزياً شعبياً يرتديه في المناسبات في الجامعة، ويضيف "لم ينس قضية العرب المركزية: فلسطين، فسنجده منذ الأيام الأولى لوجوده في الولايات المتحدة منهمك في إلقاء المحاضرات عن فلسطين ونضالها ضد الصهاينة".
في الرسائل أيضاً وصف لشيكاغو والعمارة فيها، ويصف بدقة لصديقه المدينة والأماكن التي زارها. كما تتضمّن حديثاً عن أسطوانات سجلها وأرسلها إلى أهله بصوته يحدّثهم عن نفسه، ونحن بدورنا نتساءل ما مصير تلك الأسطوانات وماذا لو جرى البحث عنها والعثور عليها.
تظهر المراسلات الجانب العاطفي لشخصية الوردي والتعلّق الكبير بعائلته والرغبة في إخبار والده بأدنى تفصيل وبكلّ كبيرة وصغيرة في دراسته وحياته، الاجتماعات والمحاضرات إذ تكشف الرسائل عن تلك العلاقة القوية والصداقة التي تجمعه بوالده.
في ملحق الكتاب، نرى صوراً نادرة للوردي وهو في القاهرة يزور الأهرامات، حيث مكث فترة فيها قبل أن يغادرها إلى أميركا، هناك صورة من فترة دراسته الماجستير في بيروت، وصور خاصة له في محاضرات كان فيها بين الحاضرين، وصورة له مع المطربة عفيفة إسكندر.