في الثاني عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، رحل في باريس المفكّرُ الجزائري مالك شْبَل، ليُدفَن بعَد ثلاثة أيام مِن ذلك في مسقط رأسه بولاية سْكيكدة شرقي الجزائر.
بأعماله التي خصّص معظمها للدراسات الإسلامية؛ مثل "الجسد في الإسلام" (1984) و"الفكر العربي الإسلامي" (1993)، إلى جانب التراث الأدبي والثقافي للحضارة العربية الإسلامية كما كتابُه "تحليل نفسي لشخصيات كليلة ودمنة" (1997)، حظي صاحب "أبناء إبراهيم المسلمون واليهود والمسيحيون" (2011) بمكانةٍ بارزة في الأوساط الأكاديمية في فرنسا وأوروبا والولايات المتّحدة، وكان من بين أكثر الشخصيات المسلمة حضوراً في الإعلام الغربي، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001؛ حيثُ عُرف بتوجّهُه الداعي إلى الحوار بين الحضارات والأديان، وإلى عصرنة الفكر الإسلامي.
هذا الحضور في الغرب قابله غيابٌ تامٌ عن الجزائر؛ فالمفكّر الذي حاضر في جامعاتٍ مختلفةٍ في أوروبا وأميركا وأفريقيا، وفي جامعات عربية بالمغرب وتونس ومصر، ظلَّ غائباً عن بلده الأُمّ الذي غادره شاباً إلى باريس لإكمال دراسته في جامعة السوربون، ولم يعُد إليه إلّا ليُدفَن فيه.
في فرنسا، سيحصل شبل على ثلاث شهادات دكتوراه في علم النفس (1980)، والأنثروبولوجيا (1982)، والعلوم السياسية (1984)، وسيُدرّس في عددٍ من جامعاتها، قبل أن يجري اختياره عضواً في لجنة البحث العلمي بجامعة السوربون. غيرَ أنّ المفكّر الذي تخرّج من "جامعة الجزائر" بدبلوم في الفلسفة والأنثروبولوجيا سيبقى بعيداً عن الجامعات الجزائرية حتى رحيله؛ إذْ لم تُقَم أيّة ملتقياتٍ حوله، كما لم تُترجَم أيٌّ من كتبه إلى اللغة العربية في بلده الأم.
لم تجد مؤلّفات شبل التي تزيدُ عن ثلاثين عملاً طريقَها إلى القارئ باللغة العربية؛ إذ لم تهتمّ مؤسّسات الترجمة ودور النشر بترجمتها إلى اللغة العربية. وهكذا كان كتابُه "الجنس والحريم روح السراري: السلوكيات الجنسية المهمَّشة في المغرب الكبير"، الذي ترجمه عبد الله زارو وصدر عن دار "أفريقيا الشرق" في 2007، الوحيدَ من بين كتبه الذي نُقل إلى العربية.
بعد قرابة أربع سنواتٍ على رحيله، أَعلن مدير "قصر الثقافة" في مدينة سكيكدة، نور الدين بودماغ، عن إطلاق اسم مالك شبل على المؤسّسة التي افتُتحت في 2010، "تكريماً له وعرفاناً لما قدّمه للإسلام وللثقافة الإسلامية".
يضمّ المبنى قاعةً للعروض والمحاضرات تتّسع لقرابة 750 مقعداً، ومكتبةً كبيرةً تستوعب 250 مقعداً، إلى جانب فضاءات مخصّصة لممارسة الكوريغرافيا والفنون الجميلة، ومخبراً للغات وتعليم الموسيقى، إضافةً إلى رواق للمعارض.
لعلَّ إطلاق اسم مالك شْبل على مؤسّسة ثقافية يمثّلُ عودةً أُخرى، رمزيةً هذه المرّة، إلى مسقط رأسه؛ حيثُ وُلد وعاش يتيماً رفقة شقيقه، بعد رحيل والدهما خلال الثورة التحريرية ضدّ الاستعمار الفرنسي، لكنّه - مِن جهةٍ أُخرى - يُذكّر بتقليدٍ جزائري راسخ في التعامُل الرسمي مع أسماء فكرية وأدبية جزائرية بارزة في الغرب. نتذكّر هنا، على سبيل المثال، المفكّر محمّد أركون (1928 - 2010) الذي ظلَّ مغيَّباً عن بلاده التي غادرها إلى فرنسا، ثمّ دُفن في المغرب بوصيةٍ منه، وأيضاً الكاتبة آسيا جبّار (1936 - 2016) التي لم يجرِ تذكُّرها إلّا بعد رحيلها، فأُقيمت ملتقياتٌ حول أعمالها وأُطلقت جائزة أدبية تحمل اسمها.
ضمن هذا التقليد، جرى إنشاء هيئة باسم "مؤسّسة مالك شبل للثقافة والمعرفة" بعد فترةٍ وجيزة من رحيله، كما جرى تنظيم ملتقىً دولي حول فكره في 2018 (في المبنى الذي يحمل اسمه اليوم)، وهو الملتقى الذي قيل حينها إنه سيكون سنوياً، لكنّه لم يُنظَّم لاحقاً. كلُّ ذلك بينما لا تزالُ كتابات مالك شْبل تنتظرُ من يترجمها إلى العربية.