تصدير الشخصيات

30 اغسطس 2019
ريم طرّاف/ سورية
+ الخط -

إذا كان روبنسون كروزو، وهو الشخصية الروائية التي خلقها دانييل ديفو في روايته التي أخذت اسم الشخصية ذاتها، يتعامل مع كل الأشياء بلغة قيمتها البضاعية، بمثل ما يصفه إيان واط في كتابه "نشوء الرواية"، وإذا كان يمثل في الفكر الأوروبي القيم البورجوازية الصاعدة، فما الذي منحه كل تلك الشهرة والأهمية في التاريخ العالمي، وفي تاريخ الأدب، بحيث تمكنت الرواية الأوروبية من تصديره (أو تصدير الشخصية الأدبية) إلى العالم كله، بما في ذلك عالم الأطفال؟ وتمكنت الشخصية فوق هذا من التخلّص من الحمولة الفكرية التي وضعتها في خانة التمثيل لطبقة واحدة من بين الطبقات الاجتماعية، لتنتقل إلى التمثيل الإنساني الأكثر رحابة.

اللافت أن يرتبط ظهور الشخصيات الكبرى الشهيرة في الأدب العالمي بظهور البورجوازية وانتصارها التاريخي، سواء تلك التي ظهرت بعد تاريخ نشوء الرواية، أو تلك التي تم استدعاؤها من التاريخ الأدبي، مثل أوديب أو ألكترا أو غيرهما.

هل يعني هذا أن بوسع الرأسمالية أن تصدّر الشخصيات، كما صدّرت جيوشها وأسلحتها وبضائعها ومنطقها الاستهلاكي؟ أم أن طبيعة الرأسمالية هي التي سمحت للفرد أن يحيا كشخص مستقل، ومنحته الحقوق التي يستطيع من خلالها أن يظهر خصائصه الفريدة التي لا تشبه أي شخصية أخرى، وهي الصفات التي تستطيع أن تستوعب قيم الإنسان؟ هل من المحتمل أن تكون هذه السمات هي التي منحت الشخصيات في الرواية الأوروبية بشكل خاص هذا الوجود القادر على الوصول إلى جميع الثقافات، بخلاف غيرها من الروايات التي أنشئت في العالم كله؟

وبعض الشخصيات تتحرّر من السمات النقدية التي يرسمها لها بعض النقاد، ومن الصعب معرفة أدوارها الطبقية دون الرجوع إلى تاريخ البلد الذي عاشت فيه، أي إلى الزمان والمكان المعنيين. وهكذا يصبح هاملت عابراً للقارات والقرون، ومثله راسكولنيكوف والأب غوريو وجوليان سوريل، وثمة من يمنح النقد شرف تقديم هذه الشخصية أو تلك كي تكون علامة في تاريخ الأدب، وهو أمر يثير السؤال عما إذا كانت طبيعة هاملت هي التي أهّلته للمكانة الأدبية التي اشتهر بها، أم أن النقد هو الذي حمله تلك السمات التي أفضت لشهرة الشخصية الأدبية؟

من هي الشخصية الروائية العربية التي تركت أكبر الأثر في الوجدان العربي؟ ومن هي الشخصية الروائية العربية المرشحة للعمل على الصعيد العالمي؟ ولماذا لم يقدّم الأدب العربي مثل هذه الشخصيات الروائية التي تظهر للتعبير عن اللحظة أو العصر أو الطبقة؟

لدينا شخصيتان هما الأكثر شهرة وعرضاً نقدياً ودراسة في الأدب العربي، وهما كمال عبد الجواد ومصطفى سعيد، ولكن كلاهما لم يستطع بعد أن يخترق الزمان والمكان العربيين.

هل يتعلق الأمر بمستوى التطوّر الاجتماعي والاقتصادي الذي وصلت إليه بلادنا، أم بغير ذلك؟ أي إذا كنّا لم نحقق الانتقال البورجوازي الموعود، فهل يعني هذا أن روايتنا عاجزة عن خلق شخصيات متوترة تعيش بين فترتين انتقاليتين، أم هو عجز التاريخ؟

المساهمون