عند السادسة والنصف بتوقيت بيروت اليوم، يقدّم عرض "تخريب تدريجي" للفنانتين الإيرانية غولخ نفيسي والإيطالية جوليا كريسبياني في بيت في منطقة الصنايع.
عند السابعة والنصف بتوقيت طهران، يحيي ثلاثة موسيقيين حفلاً في "شقة رقم 8" شارع ميرعماد.
العرض والحفل الموسيقي معاً هما حفل تأبين لهذه الشقّة، ولتاريخ هذا المكان الذي كان مركزاً ثقافياً، تقول نفيسي في حديث إلى "العربي الجديد" إن البناء الذي سيُهدم بعد أيام قليلة كان مساحة ثقافية لعدّة سنوات، وهو بناء عادي جداً من ثلاثة طوابق، ليس له أي خصوصية معمارية، لكننا نقوم برواية قصة المبنى الهامشي الذي كان يخصّ الثقافة، في بيت قديم في حيّ الصنايع في بيروت لأن المدينتين متشابهتين جداً".
تتوقّع كمتلقٍ أن شريكة نفيسي ستكون لبنانية، لكن المفارقة أن كريسبياني الإيطالية هي التي التقطت التشابه الكبير بين المدينتين، وكانت قد تحدثت مع صديقتها عنه بينما هما تجلسان على الشرفة في بيت الصنايع، تحدّقان في أعمال البناء على الجانب الآخر من الطريق.
المحادثات هذه والتي كما يصفها بيان المعرض "كانت حول اليومي والمعاش بين الصديقتين، وكانت بمثابة الوقود الذي تعيش منه صداقتهما، إضافة إلى السخرية والنكات والتفاؤل".
ورغم أنهما درستا في أمستردام لكنهما لم تصبحا صديقتين فعلاً إلا على تلك الـ"بلكونة" في الصنايع، زارت كريسبياني صديقتها في طهران في نيسان/ أبريل 2016، واتفقتا على اللقاء بعد أربعة أشهر في بيروت.
في عرض الليلة، ستقوم كريسبياني، وهي شاعرة أيضاً وقد حضرت المدينتان في قصائدها، بعرض الصور التي التقطتها للمدينتين على جدران بيت الصنايع، وتتحاور مع نفيسي مثل حوارات الاثنتين على الشرفة.
مثل بيروت تعيش طهران حالة بناء وهدم مستمرة، المدينة يتنازع عليها القديم والجديد، ويخسر القديم بطبيعة الحال، تُولد المزيد من الأبنية والأحياء وتزحف العمارة نحو مزيد من المساحات.
قبيل هدم هذه الشقة، يبدو أن الفنانتين حمّلتاها أثقال ذاكرة المدينة التي أصبحت عاجزة أمام التضخّم العمراني، وهاهما مع حضور العرض هذا المساء تُلقيان النظرة الأخيرة عليها.