سجن فلسطين الكبير

26 اغسطس 2019
(منذر جوابرة، من سلسلة "زمن مكسور"، 2016)
+ الخط -

من خلال متابعتي للأدب الفلسطيني، أستطيع الجزم بأن أدب السجون في فلسطين كُتب مع أولّ عمل روائي فلسطيني نُشر في 1920؛ "الحياة بعد الموت" لـ إسكندر الخوري البيتجالي، وقد تناول موضوع السجن في زمن الأتراك بين 1914 و1918، وهو رأيٌ يغاير ما يُشاع عن أنَّ قصيدة عوض، الشهيد الفلسطيني الذي أُعدم زمن الانتداب، هي أوّلُ نصٍّ أدبي فلسطيني كُتب في السجن عن السجن. طبعاً علينا ألا ننسى قصيدة إبراهيم طوقان "الثلاثاء الحمراء" (1929). والنصوص الثلاثة كُتبت قبل عام 1948، مِن طرف مَن جرّب السجن (عوض) ومَن لم يعش التجربة (البيتجالي وطوقان). وبالطبع، كثرت الكتابة عن عالم السجن داخل فلسطين وخارجها بعد عام 1948.

كتب معين بسيسو عن تجربته في السجون المصرية، وكتب غازي الخليلي عن تجربته في السجون الأردنية، ومن المؤكّد أن هناك أدباء فلسطينيّين كتبوا عن تجاربهم في السجون العربية الأخرى، وربما آخرهم الشاعر أشرف فيّاض في السجون السعودية. ولكن أكثر النصوص التي تناول مؤلّفوها تجربة السجن وعالمه كُتبت في فلسطين عن السجون والمعتقلات الإسرائيلية.

قبل 1967، كتب محمود درويش عن تجربته: "من آخر السجن طارت كفُّ أشعاري". وبعد 1967، زادت الكتابة عن عالم السجن، وأشك بأنَّ هناك رصداً كاملاً لما صدر عن هذا العالم. ألّف كتّابٌ عاشوا تجربة السجن أعمالاً في هذا المجال؛ إذ هناك عشرات السجناء الذين كتبوا عن تجاربهم الشخصية قصصاً أو روايات أو قصائد شعرية. وأمّا أدب الرسائل فهو بعدد السجناء. ومِن الذين كتبوا فيه دون أنْ يعيشوا التجربة؛ نذكر: إميل حبيبي في "المتشائل" (1974)، وسحر خليفة في "الصبار" (1976) و"عباد الشمس" (1979).

هنا، نُشير إلى أنَّ هناك مَن اكتفى بعمل واحد؛ مثل هشام عبد الرازق: "الشمس في معتقل النقل"، وهناك من أصدر أكثر من عشرة كتب تختلف في جنسها الأدبي؛ مثل وليد الهودلي. وعموماً، فإن أدب السجن لا يقتصر على تصوير عالم السجن؛ فالسجن له امتداداته، وهذا ما التفت إليه كثير من الدارسون. ما تجدر الإشارة إليه، خلال الحديث عن أدب السجون، هو أنَّ أكثره له قيمةٌ اجتماعية وتاريخية، وأنَّ قيمته الأدبية قليلة. والسبب يعود إلى أنَّ أكثر من أنجزه هم سجناء صلتهم بالأدب غير احترافية، وهم غالباً ما يكتبون في ظروف صعبة وقاسية جدّاً. وبالرغم من ذلك، هناك فرقٌ بين نصوص كتبها أدباء محترفون مثل معين بسيسو في "دفاتر فلسطينية"، وأخرى كتبها أدباء غير محترفين مثل هشام عبد الرازق.

ويمكن القول إن فلسطين هي سجنٌ كبير وكثير ممّا يُكتب فيها يمتّ إلى عالم السجن الكبير. خُذ مثلاً رواية عزمي بشارة "حب في منطقة الظل". بطلها عمر/ عزمي ليس سجيناً في السجون الإسرائيلية، ولكنه يعيش في سجن فلسطين الكبير/ الاحتلال والتخلُّف الاجتماعي.


* أكاديمي وناقد

المساهمون