العربية والفرنسية: حدود الأدب الجزائري

19 ديسمبر 2014
الطيب العيدي/ الجزائر
+ الخط -

رغم أنّ الدساتير التي صدرت في الجزائر منذ الاستقلال (1962) تقرّ صراحة أنّ العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، ورغم انخراط السلطة، منذ سبعينيات القرن العشرين، في سياسة تعريب شاملة مسّت التعليم والإدارة، إلى درجة أنها أصدرت في التسعينيات قانوناً يجرّم التعاملات الرسمية بغير العربية؛ إلا أن هذه الأخيرة كانت ولا تزال تدافع عن مكانتها يومياً في مواجهة اللغة الفرنسية في الفضاء الجزائري.

يعتمد المشهد الثقافي والأدبي الجزائري، في ترتيب ملامحه ومنتسبيه، معايير كثيرة، منها اللغة المستعملة، فيقال عن الكاتب بالعربية إنه معرّب، وعن الكاتب بالفرنسية إنه مفرنس.

وقد تواطأ الفريقان منذ الاستقلال على أن يستحوذ كل طرف على مجال معين، كأن يكون المسرح والسينما والفن التشكيلي للمفرنسين، والشعر والغناء الشعبي للمعرّبين. ولم يعرف الطرفان مبادرات تجمع بينهما في مشروع ثقافي وطني مشترك، إلا مطلع الاستقلال من خلال "اتحاد الكتاب الجزائريين" الذي كان يضم في عضويته كتاباً معرّبين مثل محمد العيد آل خليفة ومفدي زكريا، ومفرنسين مثل قدور محمصاجي ومالك حداد ومولود معمري.

ولم يبلغ النضج بالطرفين في مفاصل كثيرة، فيحصّنهما من روح الإلغاء والتهميش في حق بعضيهما، حيث كان حصول أحدهما على حقوقه في المنابر التي يشرف عليها الطرف الآخر أمراً بعيد المنال، بل إنهما اتخذا من المنظومة التربوية ساحة للتطاحن، ما جعلها تبتعد عن تطلعات الشارع الجزائري الجديد، بفعل عدم استقرار البرامج، وانفتاحها على التعدد الذي يطبع ملامح الهوية الجزائرية.

يبرّر الرعيل الأول من المفرنسين الانكفاء على اللغة الفرنسية بأنهم تلقوا تعليماً فرنسياً صرفاً في زمن الاستعمار، وأنهم يحملون غصّة لعدم قدرتهم على التعامل باللغة العربية. بل إن كاتباً مهماً مثل مالك حداد ترك الكتابة أصلاً بسبب ما عبّر عنه بقوله "الفرنسية منفاي".

وكان منتظراً أن تتراجع الفرنسية لصالح العربية بعد صعود الأجيال التي درست في مدرسة الاستقلال، لكن هذا لم يحدث إلا في حدود ضيقة، إذ يكاد يتساوى اليوم عدد دور النشر وعناوين الجرائد التي تعتمد الفرنسية مع عدد نظيراتها التي تعتمد العربية.

رغم ذلك، ثمة انفراج طفيف يُلاحظ في السنوات الأخيرة، بفعل احتكاكات بدأت تنشأ بين مثقفين شباب من كلا الطرفين، اكتشفوا أن الصراع بين الناطقين باللغتين في البلاد خلق حرماناً صارخاً من ثمار التعاون وتبادل الخبرات والتجارب.

هكذا، بتنا نجد اليوم مقاهٍ ومطاعم وحانات تستقطب مثقفين وفنانين من الطرفين، وقد أثمرت هذه اللقاءات العديد من الأعمال الفنية المشتركة. كأن الطرف المعرّب اكتشف أنّ هناك جيلاً مفرنساً ذا روح وطنية، ولا علاقة له بالعمالة لفرنسا، في مقابل أن الطرف المفرنس اكتشف أن هناك جيلاً معرباً متمكناً من المقولات الحداثية، ولا علاقة له بالانكماش على الذات ونبذ الآخر.

المساهمون