قصيدة حب

14 يناير 2019
عبد الرزاق الساحلي/ تونس
+ الخط -

هنا أخربش أشيائي.. وأتدرّج مثل لون مثل خطأ
هنا قرب جسدك أطبع قبلة..
وأرقب بخشية سكرانة قلبي وهو يتداعى
تربكني يداك العميقتان.. قميصك الملقى جانباً
تربكني المسافة التي تورّمت بين جسدي وهواء الغرفة
أخدع عيني أو أنخدع بخرائطَ متشابكة نافرة من أظافر
وأِشلاء مغمضة…
وأنام
بخفوت أنشدُّ على صدرك وأنام
وكي تتأكدي من غيابي تذهبين في خدر يشبه القطن
وبأصابعك تمسحين عن رموشي ما تبقى من غبار القسوة
وعن شفتي ما تبقى من كلام


هذا الحنوّ صباح يأتي من حيث يشاء
يرشّ نعاسه على المكان… يهبط على كتفيك ويضيع
وهذا أنا صمت يتحوّل..
حطام أزمنة مترف الوداعة
حطام يسدّ باباً ونافذتين
مساء يشفّ في المرآة… مروحة معطّلة
أظافر صدئة تحكّ ذهب المفاجأة
يد بيضاء تمسح هواء ناشفا يطيّر غطاء الأريكة
قطعة لحم من كتف السماء تقع في حضني
خوف ذاهل.. دمع ناصع لا يخطئ
رجل موحش
ونهداك تلتان من طحين الحلم


أتذكرين الفناجين التي كسرت.. اللوحة الزرقاء
القصيدة التي أورقت في الزاوية
الكرسي وقد ركلته.. قطرات دمي بين أصابع قدميك..
الحمام الذي فرّ من القنينة البيضاء
ثم شعرك الذي يتطاير من شبّاك الباص
ثم الانتظار بركبتيه المرتجفتين.. ثم الأغاني التافهة
التي لم تعد كذلك.. ثم فرحي الصغير كحذائك فوق الطاولة المخلّعة
أتذكرين …… يا الله.. ما أصفى هذه الحواس
على سقف رأسي من الداخل أرى ما سيحدث..
أرى اللغة.. أرى حروفاً متشابكة وغزيرة
كأسراب من العصافير تضجّ … لتفلت وتطير
أرى نفسي شرشاً مخلوعاً ومشلوحاً في الهواء
أرى جسدك مغروساً في لحظة تتطاير


يوقظني ما تساقط من بلّور سعالك على الوسادة
توقظني دهشتك الملساء…
يوقظني لو أني أمعنت في النوم ـ الحلم.. أموت
يوقظني أن يدفعني الله لأراك تحتضنين خاصرتي
وتبكين من شدّة الفرح.. وأبكي من شدة ما لا أعرف.


ولأنك من أنتظر.. ولأنك جئت
ماذا عليّ أن أفعل يكل هذا
ولأن في قاع الرغبة شيئاً يشبه جسدي
ولأنني في القاع أصرخ..
فيخرج صوتي حبلاً من لحم فاسد
ولأنني أحسد طريقك إلي.. أفشل في صياغة المكان
وأقع جملة مكسورة على الكرسي
ولأن ما اكتمل نقص للتو.. أغمر وجهي في صدرك
وأشهق.. مذبوحاً أرجوك أن تذهبي
لأحبك.. لأتلمّس غيابك لأحلم أن أراك بعد سنين..
وأقول زهواً: ألم تصدّقي ان الحب هو هذا الحنين الفاحش
فتهزين رأسك وتدمعين
ولكن ماذا أفعل.. وأنت هنا أكثر من الأشياء
إذن ليكن الوهم أكثر وهما.. والزمان أكثر زماناً
ولأحتمل مغبّة أني عندما اشتقت لأحبك اشتقت لأفقدك
وعندما أحببتني أحكمت حياتك في يدي
ولأحتمل مشهد المعنى وهو يسقط قاسياً وبريئاً كالموت


عندما كنت تأتين مجنونة وكالطفلة
كنت أدور حولك كي أحرسك من الوقت
أركض في كل الاتجاهات كي لا أضيعك
أنفخ روحي على شفتيك كي أتأكد من وجودي قليلاً
وكي أطير……
عندما كنت تأتين ـ تذهبين لم أكن لأعرف
كيف أظل قادراً على هيئتي محتفظا بالكائن الذي هو أنا


أرجوك لا تطقطقي على الدرج
فالعالم لا يحتمل ان يسمع دقات قلبي
لا ترنّي على الجرس فتفقأي عين الجيران
لا تدفعي الباب كعادتك ليصدر صوتا أكثر حناناً من صوت أمي
لا تعانقيني.. فتهرّ ملامحي
… هنا ليس من مدفأة حطب
ولا وسادة من ريش العصافير
ولا حصير جدتي لتفور منها الطيور والتمائم
وليس من زعتر بريّ.. ولا نرجس
انها كما تعرفين غرفة باردة.. باردة
كنبة قاسية.. شرشف أكلت الرطوبة الزهور الكانت مرسومة عليه
فناجين قهوة مبعثرة .. دفاتر تختنق فيها كائنات بيضاء
ساعة تفحّ كعجوز تحتضر
رجل يسكن قرب جسده خائفا كنصف راهب
وخزيّ ينتشر على مهل
ي ن ت ش ر
ولا يفضي الى سرّ


صحيح.. لماذا عندما أحبك أفكر بكل الذين أعرفهم
وأحسب أن جسدينا جثة واحدة محشوة بعدد هائل
من وسائد العساكر
لماذا أبكي من أجل أمك التي خائفة تنتظر رجوعك
لماذا أفكّر بالانتحار كلما مسحت على شعري
لماذا أكره جميع أصدقائي وأكرهك
لماذا نهداك وأكاذيبهم تصيّرني ملاك خشية
تلمع تحت جناحيه سماء أخرى
أكاد أعرف كل شيء.. أكاد أموت من الخوف


كلانا مغفل.. لكن هذا لا يهمّ
فالتفاتة واحدة الى الأمام أو الوراء
تجعلنا ندرك أن الوقت قطعة نقود مزيفة
وربما الحب.. وربما الحياة أيضاً


* شاعر سوري مقيم في نيويورك

المساهمون