الإرث المنهوب ومزادات التذكير بالاستعمار

07 ابريل 2017
(رسم فرنسي لـ أسطول خير الدين بربروس، 1543)
+ الخط -
لا يزال الإرث الاستعماري يعبّر عن نفسه بأكثر من شكل، بحيث يتمظهر في مجالات عدة من السياسة والاقتصاد، إلى الاعتبارات الحضارية والرمزية. هذا الإرث لا يزال ملموساً أيضاً، حيث إن العديد مما يخص المستعمرات السابقة بقي رهين خزائن فرنسية وبريطانية وإيطالية، وربّما تنقّل عبر قنوات التجارة والسرقة بحيث يعسر أن يعود هذا الإرث إلى مواطنه الأصلية.

منذ أيام، استعادت الجزائر أكثر من 600 وثيقة تاريخية تعود في معظمها إلى العصر العثماني، وتمتد إلى العصرين الروماني والنوميدي، وهي وثائق كانت نُقلت إلى فرنسا في العقود الأولى من سنوات الاستعمار في منتصف القرن التاسع عشر.

قد يحلم البعض أن يكون هذا الاسترجاع حفلاً رسمياً يشهد عملية تسليم مسؤولين فرنسيين رفيعي المستوى لجزء من تاريخ الجزائر إلى جزائريّي اليوم، مع تقديم اعتذار للجزائر. لكن لم يكن ذلك ما حدث، فعودة الوثائق التاريخية مرّت من خلال مزاد علني وَضعت فيه الدولة الجزائرية أموالاً عامة (تتفاوت أثمان القطع بين 50 و3000 يورو) لاسترجاع هذه الوثائق التي تتوزع بين مخطوطات وخرائط وكتب قديمة.

نظّم المزاد مؤسسة "مارامبات- نالافوس" في مدينة تولوز، وحضرت الجزائر ممثلة بوزيري الخارجية والثقافة، ونافسها على الوثائق مؤسسات بحث فرنسية وجامعو وثائق من بلدان مختلفة. الحصيلة الكبرى من المشتريات كانت من نصيب الجزائريين، وطبعاً جرى اعتبار الأمر إنجازاً حكومياً حيث أفادت وزارة الثقافة بأن استرجاع هذه الوثائق له "بُعدٌ سيادي".

هذا الطرح لا يرى من المسألة سوى جزئية استرجاع الوثائق، غير أن ذلك ليس سوى عنصر من القضية الكبرى وهي استحواذ فرنسا، ودول استعمارية أخرى، على تراث بلدان من الشرق والجنوب، وقدرة هذه الأخيرة على استرجاعه، وهل جرى وضع استراتيجيات وطنية لهذا الغرض، خصوصاً أن كل البلدان المستعمرة في السابق لديها نفس التطلع.

ليست طريقة استرجاع هذه الوثائق عبر شرائها في مزاد سوى القفز على حل سهل، ولن يفضي في الأخير إلى نتائج كبرى، فالمزادات في النهاية ليست سوى عملية تسويق عامة، وهي دليل على قلة الحيلة.

قلّة حيلة تقابلها مراوغات الطرف المقابل الذي ينجح في تدوير "البضاعة" الاستعمارية وتفكيكها بأكثر من طريقة، إذ كيف وصل هذا العدد الضخم من الوثائق إلى مزاد تولوز لو لم تكن الدولة الفرنسية مضطلعة في التفريط فيها، وبالتالي لا أحد يستطيع مطالبتها بإرجاع ما سرقته. ها هي المزادات تنظّم هنا وهناك، وكأنها تذكّر بالزمن الاستعماري وتسلطه.

المساهمون