أثارت الترجمة في العالم الناطق بالإسبانية، مطلع السنة الجديدة، نقاشاً حاداً بين شقّيه الإيبيريّ الأوروبيّ والأميركيّ اللاتيني، والسبّب هو فيلم مكسيكي عنوانه "روما" لألفونصو كُوارُون (فاز مطلع الأسبوع الجاري بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي)، لغته الأصلية هي إسبانية المكسيك، ولجأت شركةُ نيتفلِيكس، موزّعتُه، إلى تَرْسَطَتِه (ترجمة+سطر) في شاشات قاعات السينما بإسبانيا، في كتابة إسبانية قشتالية، أي لغة إسبانيا، ممّا أثار حفيظة الناطقين بالإسبانية في قارة أميركا، الذين اعتبروا المسألة إهانةً وغطرسة واستخفافاً ينمّ عن رواسب كولونيالية، بينما برّر آخرون الموقف باستعصاء الإسبانية على التجانس والتنميط، في حين برّرت الشركة المُسوّقة موقفها برغبتها في تسهيل الفهم على الجمهور.
ولا تخفى الحساسية التي يصدر عنها الأميركو-لاتينيون، والتي تُردّ إلى الماضي الاستغلالي المرير، الذي كانوا عُرضةً له طيلة قرون من الاستعمار، وإلى رفضهم الوصاية عليهم من شبه جزيرة إيبيريا.
وبخصوص اللغة تحديداً، يرفض الأميركو-لاتينيون الوصايةَ الإسبانية عليهم، فهم يعتبرون إسبانية الإسبان عتيقة ولا جِدة فيها أو حياة، في مقابل لغتهم الإسبانية التي تظهر أكثر حيوية وإبداعية بينهم، ويستدلّون على ذلك، بترويجهم لها ولثقافتها، في مجال الأدب مثلاً، عبر مبدعين كبار أدركوا العالمية مثل غابْرِيِلا ميسترال، وبورخيس، ورولفو، وكورتاثار، وماركيز وغيرهم.
ويعيش المغرب الأقصى، على الأقل، حالاً شبيهة بهذه المشكلة، ليس في السينما وحدها، بل في شتى وسائل الإعلام المرئية وحتى السمعية، ففي الوقت الذي يَقْبل فيه المغاربة برحابة صدر الإنصات إلى المشارقة يتحدّثون بلهجتهم، يُصدمون بِتَرْسَطَة (ترجمة+سطر) إخوانهم في المشرق العربي للهجتهم المغربية بوضع عربية فصيحة أو بدبلجة كلامهم، دون إخوتهم في باقي بلدان المغارب، وكأنهم لا يتكلّمون العربية.
لا يلجأ الأشقاء المغاربيون إلى مثل هذا الموقف في ما بينهم، مما يعني أنهم يفهمون جيداً عربية المغاربة، فهل يكون الموقف من الأشقّاء العرب تعبيراً عن الكسل وعدم الرغبة في بذل القليل من الجهد لتبيُّن كلام المغاربة؟
أهي غطرسة من جانبهم باعتبار لهجتهم عربية خالصة بينما عربية سواهم غير مُبِينَة ودون عربيّتهم؟ وكيف حافظت عربيّة المشرق -التي خضعت للتتريك زماناً ليس بالهيّن- على نقائها؟ وأين يُمكننا العثور على عربية مرجعية في الشرق العربيّ كحال إسبانية إسبانيا؟ ولماذا يُقبَل على أغانٍ معاصرة باللهجة المغربية تَعرفُ سُوقُها رواجاً من الخليج إلى المحيط، ولا يُتَعلَّل بصعوبة فهمها؟ لِمَ لا يُلجأ إلى ترسطتِها هي أيضاً؟
ومع ذلك، لا يمكن إلقاء اللائمة على الآخرين وحدَهم، ذلك أن الأكيد هو ضعف السينما والإعلام المغربيين في الترويج للغتهما في الشرق العربي، وهما من دون أدنى شك الوسيلتان اللتان يسَّرتا فهم لغات الشرق العربي في المغرب.