دمى مريم سمعان: ذوات سورية معلّقة

17 يناير 2019
(من العرض، تصوير: رزان رشيدي)
+ الخط -

تَجمع المسرحية الفلسطينية السورية، مريم سمعان، في تجربتها بين الاشتغال السينوغرافي وتصميم الدمى، وهما عنصران يحضران في كثيرٍ من أعمالها، ومن بينها سلسلة العروض التي تُقدّمها مع فرقتها "إيد واحدة" في مخيّم شاتيلا؛ حيثُ تُقيم ورشات عملٍ مستمرّة مع أطفال من المخيّم، بهدف تعليمهم تقنيات ومهارات مسرح الدمى والتحريك.

وفي عرضها الجديد "الأنا الأُخرى"، الذي احتضَن "إستوديو كون" في "مسرح دوار الشمس" ببيروت، سلسلة عروضه مؤخّراً، تَجمع سمعان، بين التجهيز الفنّي والأداء المسرحي؛ حيثُ يتحوّل الأوّل إلى منطلقٍ للثاني.

تُعدّد سمعان الوسائطَ المستعملة لتُقدّم مجموعةً من وجوه الدمى المتدلّية من السقف، والتي يَعبر المتفرّج بينها. إنها دُمىً تحمل تنويعاتٍ مختلفة، مع مبالغاتٍ مسّت بعض أعضاء وجوهها؛ مثل الأنف أو الفم الكبيرَين، أو الخدود التي تتداخل مع الرقبة لتُشكّل قاعدةً للوجه، أو العيون المشدودة أو الغائبة تماماً. هذا على مستوى الشكل. أمّا على المستوى الانفعالي، فتبدو المسرحيةُ وقد صمّمت وجوه دماها لتُعبّر كلّ واحدةٍ منها على فكرةٍ خاصّة.

وهذه الرغبة في مقاربة الدمى كشخصياتٍ ترمي بثقلها في العرض تُعبّر عنها مجموعةٌ من الرسومات التحضيرية المعلّقة على الجدران؛ حيثُ رُسمت كلّ دميةٍ على حِدة، وأُرفق الرسم بنصّ يروي حكايتها ويُوضّح الفكرة التي استلهمت منها المصمّمة شكل الدمية وخصوصيتها.

نقرأ، على لسان إحدى الدمى: "كان رأسي أكبر بقليل، وكان مُزعِجاً للآخرين. كثيرون أرادوا كسره وتأطيره، ليعُود إلى رشده، ويأخذ حجماً مطابقاً لباقي الرؤوس". وتقول أخرى: "من وجهي فقدتُ عيني، ومعها فقدتُ جزءاً من الواقع الجاري من حولي. لا أشبه أحداً؛ ففي داخلي أسئلةٌ لا تُشبه أسئلةَ أصدقائي". وتقول ثالثة: "لحكايتي أكثر من بداية: بعضها معلّق وبعضها سقط سهواً، أما البعض الآخر، فلا يزال يتأرجح هنا وهناك، في عزلتي أرى ثلاث مرّات أكثر".

لا بُدّ من المرور على تلك الحكايات التي وُزعت في رواق المعرض، للوصول إلى صالةٍ تضمّ التجهيز الفنّي: أعمدةٌ خشبية عُلّقت على أسلاكها اثنتان وثمانون دميةً صُنعت من مادّة ورقية مكرّرة، تنعكس خيالاتها على الجدران، في "تمثيلٍ رمزي لحال السوريّين، بين قتلى ومعتقَلين ولاجئين في حالة الانتقال... في حالة معلّقة بين مرحلة وأخرى، بين وضع وآخر"، كما تقول المخرجة في بداية العرض.

على وقعٍ أغنيةٍ من تأليف كنان العظمة وأداء ديمة أورشو، يُقدّم الممثّل حسين الحسن مشهداً مسرحياً من خمس وأربعين دقيقةً. في البداية، يُسلّم كلّ دميةٍ حقيبةً، في إشارة إلى حالة الانتقال والرحيل، ثمُّ يعمد إلى تحريرها من الأسلاك التي عُلّقت عليها، قبل أن يُحاول مساعدتها بتعليق كلّ واحدةٍ منها على عمود خشبي وحملها إلى خارج المسرح. غير أن الممثّل سيستعيد ذكرىً مع كلّ دميةٍ يحملها؛ إذ تُثير كلّ منها انفعالاً وتولّد حكايةً مختلفةً يُترجمها بتعبير جسدي.

في حديثها إلى "العربي الجديد"، تقول مريم سمعان عن المشهد: "إضافةً إلى تمثُّله حال السوريّين اليوم، فإنه يرمز إلى الأنا الأخرى الموجودة داخل كلّ واحدٍ منّا؛ إذ نُعامل هذه الدمى بقسوةٍ وإهمالٍ حيناً، وتُصبح مركز اهتمامنا وتُسيّر أفعالنا حيناً آخر".

تطلّب الأداء المسرحي اشتغالاً على مستوى الإضاءة وتوزيع المشهد على الخشبة، كما تطلّب ثقةً أكبر بما يحمله من تأويل إلى المتفرّج. وعن ذلك، تضيف سمعان: "تركيزي كان منصبّاً على خلق صورٍ بصرية أُشكّلها على الخشبة كرسالة إلى المتلقّي".

خلف العرض، يقف محرّك الدمى، عبد العزيز عايدي، الذي يقول لـ "العربي الجديد"، إن "دور المؤدّي المسرحي مع الدمى يُشبه دور كل واحد منّا يشعر بأنه معني بالاهتمام بحال السوريين ومساعدتهم. وربّما يكون المؤدّي نفسهُ واحدةً من الدمى التي ضاق ذرعاً بوضعها، فأصبح فاعلاً يُحاول التغيير. وهنا يأتي السؤال الأهمّ: ما هي خيارات التغيير؟ وهذا ما يقود أفعال المؤدّي على المسرح".

في نهاية العرض المسرحي، يحمل الممثّل العمود الخشبي الذي علّق عليه الدمى فوق ظهره، في إشارةٍ إلى مشهد حمل المسيح للصليب. إنها محاولة أخيرة لتغيير مصيرها. لكن، وقبل أن يُغادر نهائياً، يُعيد تعليقها واحدةً تلو الأخرى في فضاء الصالة... تخفت الإضاءة تدريجياً، وتُواصل الدمى انتظاراتها وهي تتأرجح في الفراغ.

المساهمون