ما بعد ألمانيا

18 مايو 2016
لاجئات صغيرات وكبيرات (كريستيان ماركارت/ Getty)
+ الخط -

من بين آلاف السوريّين الذين وصلوا إلى ألمانيا، يفكّر كثيرون منهم في العودة إلى البلاد مهما كانت الوسيلة. ويبدو أنّ القادرين على العودة سوف يبحثون في سورية أو دول الجوار عن عمل. هم يعيشون صراعاً حقيقياً في ألمانيا.

ليس قرار العودة لغزاً يصعب تفسيره. منهم من جاء أصلاً من مناطق آمنة نسبياً مثل دمشق واللاذقية، حيث الأوضاع أقلّ سوءاً مما هي عليه في حلب أو مناطق أخرى. بالتالي، يمكنهم العودة، أقلّه إلى المكان الذي جاؤوا منه. البعض، وصل من دول الخليج، محاولاً الاستفادة من فرصة منح حقّ اللجوء لكلّ سوري على أساس أنه فار من الحرب. أما الآخرون الذين وفدوا من دول الجوار، فقد تركوا عملاً كان مقبولاً نوعاً ما في تركيا مثلاً، من دون أن يكونوا في حاجة ماسة إلى لجوء كما يدّعون.

يعرب بعض السوريّين عن رغبتهم في مغادرة ألمانيا، وقد عانوا من صعوبة العيش فيها. يشعرون بأنّهم يسيرون في طريق مظلم. هم هربوا من الحرب في سورية، وانتقلوا إلى نظام ألماني وبيروقراطي يجدونه صعباً.

إحدى أبرز الصعوبات التي تواجه اللاجئ السوري هي الإقامة في "هايم" وهو مكان السكن المخصص لمقدّمي طلبات اللجوء. يصف البعض هذا المكان بالجحيم الذي يضمّ عدداً كبيراً من الناس من جنسيات مختلفة. لا خصوصية فيه. يقول آخرون إنّ العيش فيه قد يؤدّي إلى عادات سيئة، كتعاطي الحشيش، عدا عن العنف بين اللاجئين.

من جهةٍ أخرى، فإنّ الاضطرار إلى التوجّه إلى وكالة العمل هو بمثابة عمل شاق، خصوصاً مع عدم وجود مترجم. كذلك، فإن عدد الرسائل التي يحصل عليها اللاجئ منذ وصوله إلى البلاد، يشكّل عبئا ثقيلاً عليه. يقول أحمد: "وصلت إلى ألمانيا بيدين فارغتين. اليوم، أحمل حقيبة مليئة بالأوراق والرسائل على ظهري. في البداية، كنت أذهب حاملاً مغلفاً صغيراً، فيطلب مني الموظف ورقة أبحث عنها ولا أجدها، ما يضطرني إلى تحديد موعد جديد، فيتأخّر إنجاز المعاملة. لذلك، قررت حمل حقيبة فيها جميع أوراقي إلى كل مكان أقصده". لا يحمل أحمد وحده هذه الحقيبة، بل إنّ اللاجئين بغالبيتهم يفعلون مثله. يحملون أوراقهم ويتنقلون بين الدوائر الحكومية الألمانية. المشكلة أنّهم لا يفهمون كلّ ما تحتويه هذه الأوراق بسبب عائق اللغة.

من جهة أخرى، يجد لاجئون صعوبة في تعلم اللغة. من دونها، لن تفتح لهم أبواب العمل. حتى بعد تعلم اللغة، ثمّة معوّقات قانونية كبيرة تحول دون تمكّنهم من الحصول على عمل، علماً أنه شرط للحصول على إقامة دائمة في ألمانيا. كانت لبنى قد تخصصت في الهندسة في دمشق قبل أن تغادر سورية إلى ألمانيا. في الوقت الحالي، تعيش في إيرفورت. تقول: "لديّ أمل كبير في العمل في مجال تخصّصي بعد تعلّم اللغة، علماً أنها صعبة للغاية. حتى أنني أحتاج إلى التعرف على بيئة العمل هنا. أدرك جيداً أن علي دفع الضرائب بانتظام حتى أتمكّن من التقدم بطلب للحصول على الجنسية الألمانية. لكنني واثقة من قدرتي على الصمود والنجاح".



من جهة أخرى، يشعر بعض الألمان، خصوصاً المهتمين بإيجاد وتشغيل أيد عاملة، صدمة بسبب ضعف مؤهلات بعض السوريين. يقولون إنّهم غير مؤهلين لدخول سوق العمل في وقت قصير. بالإضافة إلى اللغة، يحتاجون إلى العمل وفق النظام الألماني، لافتين إلى أنّ كفاءاتهم لا تؤهّلهم لدخول سوق العمل الألماني تحديداً. من جهة أخرى، لا يدرك السوريون إن كان الأمر حقيقة أم مجرّد حجة لعدم تشغيلهم. لكن مهما كان الأمر، فهذا يشكّل ضغطاً مضاعفاً على اللاجئ السوري.

إلى ذلك، يرى بعض الشباب أنّ وجودهم في ألمانيا يعني تعلّم مهنة جديدة، غير تلك التي اعتادوا عليها على مدى سنوات. كثيرون في سورية ورثوا بعض المهن عن آبائهم وأجدادهم. وعلى الرغم من إتقانهم أعمالهم، إلا أنّه من غير الممكن العمل في ألمانيا من دون شهادة مصدّقة، وهو ما يعني وجوب انخراطهم في دورات تدريبية تمتدّ لعامَين أو ثلاثة أعوام بعد تعلّم اللغة. بالتالي يصبح طريقهم طويلاً. كذلك، فإنه لا مكان لبعض المهن التي يتقنونها في ألمانيا. وهذا الأمر يُشعر سوريين كثيرين بخيبة أمل.

بعد الحصول على إقامة، تأتي مشكلة أخرى تتمثل في إيجاد شقة مناسبة، علماً أنّ عدد الشقق محدود. لم تشهد ألمانيا خلال السنوات الماضية أي نهضة عمرانية لبناء المزيد من الوحدات السكنية، ما يجعل كثيرين عرضة لاستغلال السماسرة. أيضاً، لم يتمكّن بعضهم من التأقلم مع صعوبة الحياة الاجتماعية التي تختلف عما اعتادوه في بلادهم، عدا عن العنصرية في بعض الأحيان، الأمر الذي دفع البعض إلى الانعزال في البيوت وعدم الخروج إلى الشارع.

وتبقى المشكلة التي تأتي في مقدّمة الأسباب التي تدفع السوريين إلى التفكير بالعودة إلى الديار، هي صعوبة لمّ الشمل. يقول كثيرون إنّهم أرادوا المجيء طمعاً في الاستقرار وتأمين حياة أفضل للأطفال. لكن إذا لم يكن لمّ الشمل متاحاً بعد عام أو اثنَين كحدّ أقصى، فمن الأفضل العودة. بالنسبة إلى بعض الآباء: "أقله، نموت مع أسرنا".

المساهمون