هكذا يخسر الأطفال السوريون في تركيا لغتهم العربية

30 يونيو 2024
الأطفال السوريون أكثر تفوقاً في اللغة التركية اليوم (سيم جنكو/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أميرة دعبول تواجه صعوبات في تعليم ابنتها اللغة العربية في تركيا بسبب إغلاق المدارس السورية وتجاهل المدارس التركية للغة العربية، مما يدفعها لبذل جهود كبيرة في المنزل رغم تفضيل أطفالها للتركية.
- حوالي 393 ألف طفل سوري في تركيا محرومون من التعليم لأسباب منها القدرات المالية والتنمر، مع محاولات من السلطات التركية ويونيسف لإعادتهم إلى المدارس وتقديم دروس بالعربية لكنها غير كافية.
- الباحث حمدي مصطفى يعبر عن قلقه بشأن مستقبل اللغة العربية لدى الأطفال السوريين في تركيا، مؤكدًا على أهمية دور الأسر في الحفاظ على اللغة كجزء من الهوية والثقافة في ظل التحديات الحالية.

تشكو السورية أميرة دعبول (40 عاماً) من عدم تعلّم ابنتها البالغة 9 أعوام اللغة العربية، رغم أنها تلّقت على مدى أشهر دروساً عن بُعد مع مجموعة أطفال سوريين يعيشون في أوروبا. وتشعر أميرة بالتالي بأن ابنتها "أهدرت تعلّم اللغة العربية التي لا تستجيب لتعلّمها، في حين أنها متفوقة في اللغة التركية، وأنا أخصص مبلغ 200 ليرة تركية (6 دولارات) شهرياً لتعليمها اللغة العربية عن بعد، إثر إغلاق المدارس السورية في تركيا قبل 4 سنوات، بينما لا سبيل لفعل ذلك في المدارس التركية التي تهمل اللغة العربية، باستثناء مدارس الإمام الخطيب التي تعطي حصصاً قليلة في اللغة العربية".
وتشير أميرة إلى أنها تهمل منزلها من أجل تخصيص وقت لتعليم أولادها اللغة العربية، لكنها تجد صعوبة كبيرة في تلقينهم الكتابة والقراءة، في حين تركز على تعليمهم اللغة العربية شفوياً عبر منعهم من تكلم اللغة التركية في البيت، "لكنهم يستسهلون التحدث بالتركية في ما بينهم".
ويبلغ عدد الطلاب السوريين في المدارس التركية نحو 730 ألفاً، بحسب تقرير حديث أصدرته المديرية العامة للتعليم مدى الحياة في وزارة التعليم التركية، والذي يشير إلى أن نسبة 65% منهم في سن الالتحاق بالمدارس، وأن 35% من الأطفال السوريين محرومون من التعليم، أي نحو 393 ألفاً و547 طفلاً.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

توضح المعلمة التركية سهام أصلان، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "أسباب حرمان هذا العدد الكبير من الأطفال السوريين من التعليم تتراوح بين انعدام القدرات المالية للأهل، وتعمّد بعضهم تشغيل الأطفال، خاصة أولئك الذين يتجاوزون سن الـ 15، أو ترك بعض التلاميذ المدارس بحجة التعرّض للتنمّر، خاصة في السنوات الأخيرة".
وتشير سهام إلى أن "دائرة التعليم مدى الحياة في تركيا تتابع التلاميذ السوريين المتسرّبين من المدارس، وتحاول إعادتهم من خلال جهود تبذلها فرق تضم معلمين ومرشدين نفسيين، وتشمل زيارة المنازل والتدخل مباشرة لإقناع أهالي التلاميذ بإعادة الأطفال إلى المدارس، وتقديم مغريات مالية، والتلويح أحياناً بوقف منح الأهالي بطاقة المساعدة الأممية للهلال الأحمر إذا لم يعيدوا الأطفال إلى المدارس".
وفي شأن تدريس مناهج المدارس التركية اللغة العربية، خاصة في المناطق التي يقيم فيها عدد كبير من السوريين، تقول سهام: "قررت وزارة التعليم التركية إضافة درس اللغة العربية إلى برنامج طلاب الصف الثاني والثالث والرابع من المرحلة الابتدائية، اعتبارا من العام الدراسي 2016-2017، كما أن مدارس الإمام الخطيب تدرّس اللغة العربية بمعدل 4 حصص أسبوعياً، علماً أن مادة التربية الدينية تتضمن لغة عربية". وتعترف بأن توجه بلادها إلى تعليم اللغات الأخرى حديث، ولا يزال يحصل بنسب بسيطة، علماً أن اللغة الإنكليزية تدرّس مرة واحدة أسبوعياً في المرحلة الأولى.
وعموماً، لم تنعكس الحصص القليلة لتعليم اللغة العربية في المدارس التركية على الطلاب السوريين، خاصة أولئك الذين وُلدوا في البلاد، والذين باتت التركية لغة تعليمهم وحياتهم اليومية.
وتقول مريم، الطالبة السورية في مدرسة بوصا أورطا أووكول بمنطقة زيتين بورنو في إسطنبول، لـ"العربي الجديد": "نسيت الكتابة باللغة العربية لأنني لم أعد أستخدمها إطلاقاً، وتراجعت رغبتي في تعلمها كتابة وقراءة مع تزايد تلاشي الأمل في عودتي مع أهلي إلى سورية، وقد حصلنا على الجنسية وبتنا أتراكاً".
وتوضح أمثلة عدة أنه حتى من وُلدوا في سورية، وتلقّوا تعليمهم الابتدائي فيها باللغة العربية قبل أن يلجأوا إلى تركيا، ضعيفون في اللغة العربية، كتابة وقراءة، ويجهلون بشكل شبه كامل القواعد وأصول اللغة.
من جهته، يؤكد الطالب الجامعي محمد (19 عاما) الذي يدرس علوم الكمبيوتر في جامعة استينيا بإسطنبول، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه ضعيف في اللغة العربية كتابة وقراءة، وأنه يركز على تعلّم اللغة الإنكليزية لأنها لغة عالمية تفيده في تخصصه، في حين لا يرى ضرورة لإتقان العربية.
ويقول: "وجودي مع أسرتي منذ تسع سنوات في تركيا، وتعلمي اللغة التركية، أضعفا لغتي العربية التي أتكلمها فقط باعتبارها لغة أبويّ اللذين لا يتحدثان التركية جيداً. وأنا لا أستخدم اللغة العربية خارج المنزل، وجميع أصدقائي أتراك، وكل دراستي وعلاقاتي تحصل باللغة التركية".
وتشير المعلمة السورية منار عبود، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أهالي الأطفال السوريين في تركيا فقدوا الأمل في تعليم أبنائهم اللغة العربية، منذ أن أغلقت مراكز التعليم السورية المؤقتة عام 2017، وطبقت سياسة دمج التلاميذ السوريين في المجتمع".
تتابع: "ضعف الأطفال في اللغة العربية بدأ مع طلاب الصفوف الأول والثاني والثالث، بعد إلغاء مراكز التعليم السورية المؤقتة، كما زاد التنمر غربة الطلاب السوريين عن لغتهم الأم في السنوات الأخيرة، لكن الأسر تتحمّل مسؤولية أيضاً في هذا الواقع. علماً أن دورات تحفيظ القرآن المنتشرة في تركيا تعلّم الأطفال العربية بتكرار الألفاظ، من دون أن يفهموا ما يقولون أو يتقنوا الكتابة والقراءة". وترى عبود أن فصل نحو 11 ألف معلم سوري من المدارس التركية العام الماضي زاد غربة التلاميذ السوريين.

الصورة
حصص تعليم العربية قليلة في المدارس التركية (سيم جنكو/ الأناضول)
حصص تعليم العربية قليلة في المدارس التركية (سيم جنكو/ الأناضول)

ويعلّق المتخصص والباحث في اللغة العربية بمركز حرمون في إسطنبول، حمدي مصطفى، على ظاهرة تراجع إتقان الأطفال السوريين في تركيا اللغة العربية بالقول لـ"العربي الجديد": "تتعدد الأسباب التي يصعب الإحاطة بها، لكن أهمّها عدم وجود مناهج مرتبطة باللغة العربية، فتعليم كل المواد في المدارس يحصل باللغة التركية. والتراكمية والاستمرار شرطان أساسيان في نظريات التعليم والتعلّم. واللغة العربية مثل كل اللغات تنمو وتترسخ وتزدهر من خلال كثرة الممارسة والمطالعة واستخدامها في التعامل. وهذه الموجبات تكاد تكون معدومة لدى قسم كبير من السوريين في تركيا".
يضيف: "من جملة الأسباب أيضاً انكفاء الطلاب عن تعلّم اللغة العربية على حساب تقويتهم في اللغة التركية التي هي مدار التقييم في الامتحانات وشهادات التحصيل العلمي. ومعظم الطلاب يهتمون اليوم بالشهادة العلمية وليس بالقيمة المعنوية للعلوم والمعارف".
وفي شأن المسؤولية التي تتحمّلها تركيا نفسها من خلال عدم إدراجها حصص اللغة العربية بشكل مناسب في مناهج التعليم، ومسؤولية الأسر والأهل، يقول مصطفى: "الحكومة التركية، مثل كل حكومات الدول الأجنبية، معنيّة بتعزيز التعليم بلغتها الرسمية، لكن ذلك لم يمنع افتتاحها بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مدارس كثيرة لتعليم المواد باللغة العربية، قبل أن توقفت هذه العملية بسبب مجموعة من الأسباب، من بينها عدم إمكانية مواصلتها إلى المراحل الجامعية التي تعطى فيها حصص التعليم باللغة التركية، كما أن هناك حساسية لإنشاء مدارس تعلّم المواد باللغة العربية. ورغم ذلك تعطي مدارس الإمام الخطيب دروساً في اللغة العربية، لكنها تظل قليلة، ما يجعل البديل الوحيد لها هو التسجيل في مدارس عربية خاصة، والذي يخرج عن إمكانات كثير من الأسر". 

ورداً على سؤال حول ماذا سيحل في الجيل الجديد من السوريين في المستقبل على صعيد إجادة اللغة العربية، يقول مصطفى: "المستقبل غير مبشر، وليس هذا في تركيا وحدها بل في كل مكان يقيم الأطفال فيه، وحتى داخل سورية، لكن في تركيا تتوفر منافذ لتعليم الطلاب اللغة العربية، منها تعلّم قراءة القرآن المتاح مجاناً في كثير من المساجد والأوقاف، لكنه يقتصر على الجانب الديني فقط، ومعظم الطلاب لا يعرفون معاني ما يتلقونه ولا دلالاته، لذا تغيب كثير من وظائف اللغة". 
ويختم بأن "المسؤولية باتت كبيرة جداً، والأعباء ثقيلة في مسألة تعليم الأطفال اللغة العربية، وأكبرها على عاتق الأسر لأنها الأكثر معرفة بقيمة اللغة العربية، لأنها اللغة الأم ولغة التفكير، كما أنها عنوان الهوية. ولا أخفي قلقي من المستقبل ما دام الوضع السوري كله يراوح مكانه".

المساهمون