الحاجة فاطمة تحترف العالم الافتراضي

23 يونيو 2015
ثمّة فائدة وراحة نفسية للعمل من المنزل (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تكن تعلم أن الحياة ستجرّها إلى العمل، وأنها ستعرف واقعاً جديداً بعدما تزوجت وأنجبت أولادها، وربّتهم وزوّجتهم. هي الحاجة فاطمة، ستينيّة لم تستحسن العيش بين أربعة جدران مع انشغال الأبناء بحياتهم وأسرهم.

قبل أن تتزوّج، حصلت على بكالوريوس في التجارة. لكنها تفرّغت لعائلتها ولأولادها الثلاثة (صبيين وفتاة)، و"خُضت وزوجي معهم عراك الحياة. هو كان يعمل بالتجارة ويملك سوبر ماركت، وكنا نعيش في رغد وكفاية. لذا لم يكن لي همّ سوى أولادي. كان والدهم منشغلاً طوال اليوم في عمله، وهم كانوا يكبرون أمامي". توفى الله الزوج في حين كان الأبناء لا يزالون يتابعون دراستهم. الأكبر كان في كلية الحقوق والثاني في كلية الآداب، أما الفتاة فكانت في الثانوية العامة.

قضى زوجها من دون أن يشاركها تفاصيل عمله وتجارته، "فاضطررت إلى تأجير السوبر ماركت واخترت أن أتقاضى والأولاد مبلغاً شهرياً".

في تلك المرحلة، تذكرت الحاجة فاطمة أنها "حاصلة على بكالوريوس تجارة. فبدأت أستخدم جهاز الكومبيوتر لملء وقت فراغي. كان الأمر في البداية مجرد تسلية. وكان النقاش يدور بيني وبين أولادي عن الاستخدامات الخاطئة لدى الشباب لأجهزة الكمبيوتر، وكيف أنهم بمعظمهم يعتبرونه أداة تسلية وترفيه. وهذه مصيبة كبرى".

تقرّ أنها خافت من "أن أكون في هذه السن مثلهم، مجرد إنسانة تضيّع وقتها. لكن الأولاد كانوا يشجعونني على استثمار وقتي ودراسة ما يمكن الاستفادة منه من هذا الجهاز. وهكذا كان. فكرت في وسيلة لملء فراغي، وفي الوقت نفسه تتماشى مع مواهبي. ورحت أتعمّق في مجال الغرافيك والتصميمات عبر الشبكة".

 اقرأ أيضاً: أم كلثوم تحقّق حلمها بالتجارة

بدأتْ تتعلم كيف تستثمر وقت الفراغ، "خصوصاً وأنني كنت أشعر بأن الوحدة تلاحقني، كلما راح أحد أولادي يتحدث عن تجهيز شقته التي اشتراها له والده أو الاستعداد للزواج". واكتشفتْ أن الشبكة "مصدر رائع للتعلم. هي أضافت الكثير إلى معلوماتي. في البداية، عملت مع عملاء مصريين، وبعد ذلك اكتشفت مواقع عالمية تساعد أي شخص في تأمين دخل له من خلال عرض وظائف مطلوب فيها تسليم العمل أونلاين (مباشرة عبر الشبكة)". وراحت ترسل سيرتها الذاتية للعملاء مع نماذج من أعمالها، "وعندما يوافق عميل ما على التعامل معي، يحدد المهمة المطلوبة وموعد التسليم. وبعد تلقيه العمل، يحوّل المبلغ تلقائياً إلى حسابي المصرفي. كذلك يقيّم عملي، بحسب مدى رضاه عن العمل. وكلما كان تقييمي جيداً، زادت فرصتي للعمل مع آخر".

لا تنكر أن "البداية كانت صعبة، لكن بفضل تشجيع أولادي ومساعدتهم، وجدت ما يسليني ويعود عليّ بالنفع. في البدء، نحتاج إلى بذل مجهود كبير لإتقان التعامل مع الإنترنت، لكن الغاية تذلل الصعاب. وفوائد العمل الإلكتروني الذي شغل وقت فراغي، شكل دافعاً أساسياً لعملي من المنزل".

عندما أيقنت الحاجة فاطمة مدى الفائدة والراحة النفسية للعمل من المنزل، راحت تنشر الفكرة من خلال محاضرات وندوات بدأتها قبل ثلاث سنوات. لقيت الفكرة "ترحيباً كبيراً من قبل نساء كثيرات. ومنهن مَنْ بدأن بالفعل بتنفيذها ورحن يخبرنني كيف تغيرت حياتهن مذ بدأن في هذا المجال. ونجحت المجموعة الخاصة بنشر الفكرة بين أكثر من 20 ألف مهتم".

لا تستطيع تحديد نسبة النساء اللواتي يتعاملن مع تلك المواقع، "لكن في رأيي نسبتهن أعلى من الشباب. ويرجع ذلك إلى نظرة المجتمع الناقدة للشباب الذين يعملون من المنزل".

ويستفز الحاجة فاطمة أن يقضي "ملايين الشباب معظم ساعات يومهم على شبكة الإنترنت في اللعب والدردشة ومشاهدة الأفلام الإباحية، ومن ثم يشكون من البطالة وارتفاع نسب التحرّش". بالنسبة إليها، "قد تكون الأجهزة الإعلامية وأجهزة الدولة الرقابية هي التي تلام وتتحمل المسؤولية الكبرى في ذلك. منذ دخول الإنترنت إلى مصر والدول العربية لم نجد حلقة من حلقات البرامج التلفزيونية أو الإذاعية تتحدث عن ثقافة الإنترنت وكيفية ترشيد مجهود الشباب فيها. لذا من الضروري أن يسلط الإعلام الضوء على الأفكار المبدعة الخلاقة كبداية، بهدف القضاء على البطالة. ومن ثم، لا بد من تنظيم ندوات ومؤتمرات لتصحيح ثقافة استخدام الشبكة، وكذلك تشجيع الشركات للعمل أونلاين بدلاً من العمل من المكاتب. من جهتها، على الدولة أيضاً تسهيل المشروعات الصغيرة، فلا تشترط مثلاً توفير مقرّ محدد قبل منح شركة ما ترخيص العمل، في حال كانت تلك الشركة صغيرة وتعتمد على العمل أونلاين".

اقرأ أيضاً: الخالة ناديا تعود إلى مقاعد الدراسة
دلالات
المساهمون