بإصرار كبير على التعلم ومع إرادة حازمة لتجاوز المثبطات التي تعترض طريقها، شرعت الجدّة طامة بتعلم الكتابة والقراءة قبل عامَين من اليوم. هي ترغب في "حفظ كتاب الله قبل أن تعاجلني المنيّة".
لا تخجل طامة رضوان البالغة من العمر 63 عاماً، من الإفصاح عن أميّتها وعن أنها لم تخبر وهي طفلة صغيرة مقاعد المدرسة. وها هي اليوم تتحدّى الظروف ولا سيّما آلام المرض الذي يسكن جسدها، لتحقق الهدف الذي رسمت له طريقاً.
في مدينة وزان التاريخية على الشريط الجنوبي لجبال الريف المغربي، تعيش هذه الأرملة المغربية مع والدتها بعدما ترك أولادها السبعة (ست بنات وابن واحد) بيت العائلة وتزوجوا ورزقوا بأولاد بدورهم. بذلك، هي جدّة لـ 15 حفيداً وحفيدة.
تحكي عن "مشروع خاص" لمحاربة الأمية وعن التحدّي الذي أشهرته "بهدف تحقيقه عبر التعلم باللوح والقلم وحفظ القرآن على الرغم من تقدمي بالسنّ وإصابتي بمرض السكري". أما الدافع، فهو "عزة النفس التي عُرفت بها سلالة أشراف وزان".
بعد وفاة زوجها الذي كان في صفوف القوات المسلحة الملكية المغربية، احتاجت إلى إنجاز معاملات للحصول على معاش زوجها. لم تجد من يملأ لها الأوراق وهي غير قادرة بسبب أميتها. كان الازدحام الشديد أمام الإدارة الرسمية ولم يبالِ بها أحد. تكرّرت مواقف مماثلة معها مراراً، وكانت دموعها تغلبها في كل مرّة. هي لم تكن قادرة على تدبير شؤونها بنفسها. وقررت تحدي أميتها والانطلاق في حياتها الجديدة.
عائشة هي ابنة طامة البكر، وهي التي دعمتها في قرارها هذا وساعدتها على الالتحاق بصفوف محو الأمية التي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب في عدد من مساجد البلاد. هي حثتها على الابتعاد عن البيت وهموم بناتها وأحفادها، وإيجاد متنفس لها في القراءة والكتابة.
ولا تخفي طامة أن من بين أفراد أسرتها من "عارض فكرة خروجي من البيت وجلوسي القرفصاء أمام مدرّسة، تعلمني طرق محو الأميّة والحساب. فقد خشيت بعض بناتي من أن يعرّضني هذا النشاط الجديد إلى مزيد من التوتر النفسي، الأمر الذي يؤثّر سلباً على صحتي".
اقرأ أيضاً: الحاجة فاطمة تحترف العالم الافتراضي
وتعيد طامة عدم تمكنها من الدراسة في صغرها، إلى عوامل مادية في الأساس وإلى كونها يتيمة الأب. هي تذوقت المرارة في سنّ مبكرة، وما زالت تتذكر كيف كانت تبكي وهي تشاهد صديقتها متوجهة إلى المدرسة، بينما هي محرومة منها.
أما اليوم، فتعبّر عن مدى رضاها عن نفسها. في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز العامَين، استطاعت أن تفك حروف اللغة العربية، وأضحت تقرأ بسهولة أكبر، وتطالع دفتي المصحف، لا بل تحفظ أجزاءً منه وسوراً طويلة. "أشعر بالرضا عن نفسي، لأن حياتي تغيرت بشكل إيجابي نحو الأفضل". هي لم تترك هموم الحياة اليومية وشؤون بناتها وأحفادها تهيمن عليها، فخرجت لتواجه "النقص" الذي طبع حياتها بكل جرأة. "لم أعد محتاجة اليوم إلى من يقرأ لي ورقة إدارية أو رسالة، ولا إلى من يحرر لي شيكاً لتدبير أموري".
إلى ذلك، لم تحرمها دراستها تلك في خارج البيت ومذاكرتها فيه، من مصاحبة بناتها والاطلاع على أخبارهن. المنزل الذي تقطن فيه بعد رحيل زوجها، ما هو إلا "الدار الكبيرة" التي تحتضن أبناءها وأحفادها جميعاً.
مذ قرّرت الجدّة طامة التخلّص من الأميّة التي وقعت ضحيتها ومن العجز والسلبية والانطلاق بطموح في رحاب العلم والمعرفة، أصبحت تنظم وقتها بحسب برنامج يومي. مع صلاة الفجر، تبدأ يومها، لتتناول من بعدها فطورها وأدويتها العديدة. وعند بزوغ الشمس، وتماماً كأي تلميذة مجتهدة، تحمل الحاجة طامة التي اعتمرت في الديار المقدسة قبل سنوات قليلة، محفظتها التي تحوي أدواتها المدرسية من أقلام ولوحة وطباشير ودفاتر ومصحف ونظارة طبية، وتتجه نحو المسجد المجاور لبيتها. فيه أقيم مركز لتعليم النساء الأميات مختلف المواد الدراسية.
وعند انتهاء الدروس التي تتوّج بالدعاء إلى الله، تعرّج طامة على السوق لشراء بعض حاجيات بيتها، قبل أن تعود إليه. هناك تلبّي متطلبات والدتها المسنّة، قبل أن تتناول المرأتان طعام الغداء معاً. كذلك، تستقبل من يزورها من أبنائها، لكنها سرعان ما تعود إلى كتبها وإلى مصحفها الذي يكاد لا يفارقها طيلة يومها.
وبهدف تعزيز ما تحصل عليه من معلومات ومعارف تعينها على القراءة والحفظ السريع، تحرص الجدّة طامة على مشاهدة برامج تلفزيونية خصصتها الوزارة المعنية خصوصاً لتعليم القراءة والكتابة، كذلك تطلع على برامج أخرى على شبكة الإنترنت.
اقرأ أيضاً: الخالة ناديا تعود إلى مقاعد الدراسة