الحَر يضاعف معاناة سكان "الكرفانات" في غزة

غزة

الأناضول

avata
الأناضول
21 مايو 2015
F3867FEA-1947-4464-BDE7-1A8173F3A1FC
+ الخط -


قبل خمسة أشهر من الآن، كان الفلسطيني سمير أبو ريدة منشغلاً بإنقاذ زوجته وأبنائه من الغرق، بفعل تدفق مياه الأمطار إلى داخل منزله الحديدي المتنقل "الكرفان"، في بلدة خزاعة جنوب قطاع غزة.

واليوم يحاول أبو ريدة (49 عامًا)، الهروب بأسرته المكونة من تسعة أفراد، من "جحيم" الكرفانات التي تتحول مع ارتفاع درجات الحرارة إلى "أفران" تصهر الأجساد، كما يروي.

وأبو ريدة هو واحد من بين مئات السكان في بلدة خزاعة، جنوب قطاع غزة، ينتظرون بلهفة شروق الشمس، كي يغادروا منازلهم الحديدية المتنقلة والضيقة جدًا والمكونة من غرفتين صغيرتين فقط، أصبحت مقرهم الدائم، بعد أن تعرّضت بيوتهم للتدمير جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة الصيف الماضي.

ويقول أبو ريدة بغضب وهو يشير إلى البيوت الحديدية المتراصة: "هادي (هذه) هلاك، مش (ليست) بيوت، زينكو (ألواح معدنية)، في فصل الشتاء نغرق بالمياه، ونعيش في ثلاجات، واليوم ننصهر بفعل الحرارة".

ولا يمكن تحمل البقاء في الكرفانات، إذ يقوم سكانها، كما يؤكد أبو ريدة، بمغادرتها منذ ساعات الصباح الأولى وحتى غروب الشمس، فيما تنشغل الأمهات بسكب الماء على وجوه وأجساد الصغار تلطيفًا لحرارة الجو.

وتزداد معاناة السكان في الحر بفعل انتشار الحشرات التي تنتشر مع ارتفاع درجات الحرارة، ومن أشدها خطورة الأفاعي والعقارب.

اقرأ أيضا:هُدمت منازلهن في غزة ففقدن حياتهن "الخاصة"

ويستدرك أبو ريدة: "قبل أيام، وجدنا أفعى داخل أحد الكرفانات، ولو لم نشاهدها على الفور ونقتلها لكانت أصابت أحدنا بضرر، ولو لدغت طفلا لقتلته، كما قتلنا العديد من العقارب".

ويقول أحمد عفش (32 عامًا)، وهو أب لأربعة أطفال، إن البقاء داخل الكرفانات مع ارتفاع درجات الحرارة شيئا فشيئا يعني "الانصهار".

ويضيف عفش: "الوضع لم يعد يطاق، الحشرات تنتشر، ولأننا في أماكن حدودية تداهمنا بسهولة العقارب والأفاعي".

ولتفادي خطرها يقوم السكان بإغلاق منافذ أبواب الكرفانات جيدًا، خشية دخولها والتسبب في أذية المتواجدين فيها، خاصة الأطفال.

ويتابع عفش: "نهرب إلى الخارج، فداخل الكرفانات موت، وجحيم لا يطاق، الوضع كارثي ولا يمكن وصفه، حشرات ومياه صرف صحي، وفئران".

ويخشى عفش، الذي فقد منزله المكون من طابقين، أن يستمر الحال بسكان الكرفانات طويلاً، دون إعمار أو أي حلول.

وأكد عفش أن ارتفاع درجات الحرارة في هذا الوقت لا يمكن تحمله في المنازل المكيّفة، وأمام المراوح، مستدركا بالقول: "فكيف الحال ونحن في هذا الجحيم؟!".

وبحسب وزارة الأشغال الفلسطينية، فإن نحو 100 منزل متنقل "كرفانات" موجودة في بلدة خزاعة لإيواء أصحاب المنازل المدمرة، بعد أن تعرض ما يزيد على 1300 بيت للتدمير والأضرار.


وشنّت إسرائيل، صيف العام الماضي، حربا على قطاع غزة استمرت 51 يوما أسفرت عن مقتل نحو 2200 فلسطيني، وإصابة 11 ألفًا آخرين، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، فيما أعلنت وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية أن إجمالي الوحدات السكنية المتضررة جراء هذه الحرب بلغ 28 ألفًا و366 وحدة.

ووزعت وزارة الأشغال الفلسطينية ومؤسسات خيرية عربية ودولية "منازل متنقلة" للمتضررين بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة.

وبحسب رئيس لجنة الإيواء في وزارة الأشغال العامة والإسكان، عماد حمادة، فإن عدد الوحدات السكنية المؤقتة (الكرفانات) التي يقطنها أصحاب البيوت المدمرة يبلغ نحو 600 "منزل متنقل".

وأضاف حمادة أنه في المتوسط يسكن من بين 5 إلى 6 أفراد في كل "كرفان"، مشيرًا إلى أن وحدات أخرى من تركيا ودول عربية في طريقها إلى قطاع غزة.

ولفت إلى أن القطاع يحتاج إلى ثمانية آلاف وحدة، في ظل ندرة الشقق المتاحة للإيجار وعدم البدء في الإعمار.

ووفق بيانات أممية، فإن أكثر من 22 ألف فلسطيني من سكان قطاع غزة مازالوا مشردين حتى اللحظة، في مبانٍ تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والمساكن المؤقتة أو لدى عائلاتهم الممتدة.

وبحسرة، تتساءل عائشة النجار (50 عامًا) عن المدة التي ستمكثها هي وعائلتها (12 فردًا) متوزعين على اثنين من الكرفانات.

وتضيف: "لو غرفة من الباطون (الطابق السفلي) داخل بيتي أهون من هذا العذاب، نهرب إلى الخارج يوميا، ولم نعد نحتمل هذا العذاب، في الشتاء كنا نغرق ونتجمد".

وتعرّضت الكرفانات التي يقطنها النازحون شمال وجنوب قطاع غزة، للغرق، جراء الأمطار الغزيرة بفعل المنخفضات الجوية العميقة، التي ضربت الأراضي الفلسطينية على فترات متباعدة الشتاء الماضي.

وأمام البيوت المتنقلة المتراصة في طوابير، قامت النساء بصنع أفران الطين حولها، ونشر الملابس على حديد الكرفانات، وهو ما يحول حياتهن، بحسب وصف النجار، إلى ما يشبه العصور البدائية.

ولم تمنع الرسومات وتلوين جدران "الكرفانات الحديدية"، وتشكيل لوحات فنية، النازحين من الشعور بالعجز، كما يقولون، أمام عدم البدء في إعمار ما خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة.

وتعهدت دول عربية وغربية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي خلال مؤتمر "إعمار غزة" في القاهرة، بتقديم نحو 5.4 مليارات دولار، نصفها تقريبا سيخصص لإعمار غزة، فيما سيصرف النصف الآخر لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين، غير أن إعمار القطاع، وترميم آثار ما خلّفته الحرب الأخيرة، لم يبدأ بعد.

دلالات

ذات صلة

الصورة
مكب نفايات النصيرات، في 21 مايو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

يشكّل مكبّ نفايات النصيرات في قطاع غزة قنبلة بيئية وصحية تُهدّد بإزهاق الأرواح وانتشار العديد من الأمراض والأوبئة، وسط أوضاع إنسانية مأساوية..
الصورة
حرب غزة | آثار قصف المواصي في رفح 22/6/2024 (بشار طالب/فرانس برس)

سياسة

ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة جديدة بعد قصفها خيام نازحين في منطقة المواصي بمدينة رفح في أقصى قطاع غزة، التي سبق أن ادعت أنها مناطق آمنة.
الصورة
عائلة أبو عمشة في غزة تعاني من ويلات النزوح والمرض والحرب، 18 يونيو 2024 (الأناضول)

مجتمع

لم يتجاوز عمر الطفلة انشراح أبو عمشة الـ 16 عاماً، عاشتها في غزة كغيرها من أطفال القطاع المحاصر غير أنها عانت خلال أعوامها الصغيرة الحرب والسرطان
الصورة
عيد التحرر من العبودية بأميركا

منوعات

شهدت احتفالات ذكرى التحرر من العبودية في الولايات المتحدة الهتاف والغناء من أجل تحرير فلسطين، وذلك في الفعالية التي أقيمت في واشنطن.