نواكشوط مهدّدة بالغرق

14 أكتوبر 2016
الجفاف قد يدفعه إلى النزوح (عبد الحق سنا/فرانس برس)
+ الخط -
بات التغيّر المناخي واقعاً ملموساً في موريتانيا. أمر دفع السلطات إلى إطلاق مبادرات عدة تتطلب تكاتف الجميع قبل الغرق

كان للتغيّرات المناخيّة تأثير واضح على حياة المواطنين في موريتانيا، وقد أدّت إلى زحف الرمال، والجفاف، وأثّرت على التركيبة السكانية في البلاد واضطرّ البعض إلى النزوح. اليوم، تهدّد التغيّرات المناخية العاصمة نواكشوط، في ظل ارتفاع مستوى سطح البحر، بالإضافة إلى عوامل أُخرى كالتعرية واستنزاف الحزام الرملي وتشبع التربة بالمياه.

وتحاول موريتانيا مواجهة آثار الاحتباس الحراري، وقد أطلقت وزارة البيئة والتنمية المستدامة مبادرات عدة تهدف إلى الحدّ من انبعاث الغازات الدفيئة. وشكّل "الإعلان الرابع" الذي أصدرته الحكومة حول التغيّرات مرجعيّة، وساهم في تحديد المواصفات البيئية السليمة في البلاد، والعمل على تخفيض نسبة انبعاث الغازات الدفيئة بنسبة 22.3 في المائة بحلول عام 2030.

إلّا أنّ حجم التحديات البيئيّة التي تواجه موريتانيا بسبب التصحّر وارتفاع منسوب مياه البحر ودرجات الحرارة وغيرها من العوامل تجعلها معنيّة بشكل كبير بالتغيرات المناخية. أمر يحتّم عليها اتخاذ تدابير صارمة للحدّ من التأثيرات السلبية للمناخ، وإشراك المواطنين في المبادرات. في هذا السياق، يقول الباحث البيئي، سيدي محمد ولد دحمان، إن حجم الرهانات الحالية والآثار القوية للتغيرات المناخية على حياة المواطنين يفرض اتخاذ قرارات عاجلة، علماً أنّ موريتانيا تعدّ إحدى الدول الأكثر معاناة. يضيف لـ "العربي الجديد" أن مخاطر التغيّرات المناخية تدعو إلى القلق بسبب تضاؤل نسبة المساحات الزراعية، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتغير النظام البيئي. ويلفت إلى أن التأثيرات السلبية لهذه الظواهر تشمل الصحة والأمن الغذائي والاقتصاد.

ويشير ولد دحمان إلى أن موريتانيا، التي يعتمد غالبية سكّانها على المصادر الطبيعيّة للعيش، وبشكل خاص الزراعة والصيد، تعد إحدى الدول الأكثر تأثراً بالتغيّرات المناخية. وتؤكّد تقارير دولية أن كلفة التدهور البيئي تمثل 14 في المائة من الناتج الوطني المحلي، في وقت تحتاج موريتانيا إلى نحو 17 مليار دولار أميركي حتى عام 2030، لمواجهة تغير المناخ والتكيف معه. ويطالب بحماية التنوع البيئي، ووضع خطط عاجلة لمواجهة تغيّر المناخ، على أن تكون الأولوية للفئات الفقيرة والمهمشة، وإشراك منظمات المجتمع المدني في هذه الجهود.




تجدر الإشارة إلى أن انضمام موريتانيا إلى مجموعة دول الساحل ومبادرة السور الأخضر الكبير، أعاد الأمل إلى احتمال نجاح مبادرات الحد من تغيّر المناخ. وقد أقامت موريتانيا حزاماً أخضر على مساحة ألفي هكتار، وزرعت نحو مليوني شجيرة ضمن البرنامج الخاص بحماية مدينة نواكشوط من زحف الرمال والغمر البحري. كذلك، أطلقت مشاريع عدة للاستفادة من الطاقة البديلة وحماية التنوع البيئي ومحاربة التصحر، وقد أصبحت موريتانيا من بين الدول الإفريقية المنتجة للطاقة المتجدّدة.

وما زال خبراء يرون أن موريتانيا لم تواكب مسألة التغيّر المناخي كما يجب، لافتين إلى أنّ التحديات البيئية التي تواجه البلاد تجعلها أكثر عرضة للتغيرات المناخيّة جراء الاحتباس الحراري، والتي تؤثّر على التنمية. وتشير دراسات عدة إلى أن الغمر البحري يهدّد مناطق الساحل، خصوصاً العاصمة نواكشوط بسبب التغيرات المناخية وارتفاع مستوى سطح البحر. ويحذّر العلماء من تجاهل العوامل التي تؤدّي إلى تآكل القشرة الجبسية الفاصلة بين التربة وبحيرات المياه الجوفية في الأعماق. كما يؤكّدون أنه مع مرور الزمن، سيؤدّي هذا الوضع الى وصول المياه إلى سطح الأرض، وهذا ما حدث فعلاً في بعض أحياء العاصمة الموريتانية التي لم يعد البناء عليها ممكناً.

وتضغط منظّمات المجتمع المدني في موريتانيا على الحكومة من أجل حماية الساحل الموريتاني الذي يضم أكثر من نصف سكان البلاد. ويعمل هؤلاء في مجالي الصناعة والاقتصاد. ويمثّل الساحل العمود الفقري لمختلف المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعله يشكّل أهمية استراتيجية لمستقبل البلاد. إلا أن المدّ البحري الذي شهدته شواطئ نواكشوط في عام 2006 ألحق أضراراً مادية بشاطئ الصيادين التقليديين.

في هذا السياق، يأمل البيئيّون أن يكون التغيّر المناخي بمثابة دافع لخفض انبعاث الغازات الدفيئة ومكافحة الاحتباس الحراري والتزام الدول في تمويل النشاطات المتعلقة بالحد من مسبّبات تغير المناخ، وبالتالي تجنّب المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والبيئيّة الناجمة عنه.