التعليم الديني... خطوات جدالية لوزارة التعليم الليبية

17 يناير 2019
مدارس دينية عدة التزمت بالقرار (طه جواشي/ فرانس برس)
+ الخط -

البعض بات مقتنعاً أنّ حكومة الوفاق الوطني في ليبيا تسعى إلى وقف التعليم الديني في البلاد، بعد قرار من وزارة التعليم بتجميد استقبال تلاميذ جدد في المدارس والثانويات الشرعية. لكنّ آخرين يربطون الخطوة بغايات تنظيمية

بالرغم من الجدال الواسع والمعارضة الكبيرة اللذين واجها قرار وزارة التعليم، في حكومة الوفاق الوطني، في ليبيا، بشأن وقف قبول تلاميذ جدد لهذا العام في مدارس التعليم الديني، فقد تمكنت من تنفيذ قرارها، إذ لم تستقبل ثلاث ثانويات شرعية في طرابلس، وثماني ثانويات في مناطق أخرى من غرب البلاد، تلاميذ جدداً للعام الدراسي الجاري.

كانت الوزارة قد أعلنت عن قرارها هذا، وأرسلت خطابات إلى دوائر مراقبة التعليم في البلديات بضرورة إعلام الثانويات والمدارس الدينية بوقف قبول التلاميذ الجدد لديها لعام 2018 - 2019 من دون بيان الأسباب. وهو ما أثار جدالاً واسعاً وصل إلى حد اتهام الوزارة بأنّ قرارها يمثل خطوة باتجاه إلغاء التعليم الديني في البلاد. وهاجم مفتي البلاد، الشيخ الصادق الغرياني، قرار الوزارة، معتبراّ أنّ "البلاد لم تعرف التطرف إلّا بعدما ألغى نظام القذافي (العقيد معمر القذافي حكم ليبيا ما بين عامي 1969 و2011) التعليم الديني"، محذراً من "العودة إلى خطوات النظام السابق التي انتهت إلى إلغاء الشريعة كمصدر للتشريع في البلاد".




تابع الغرياني، في حديث تلفزيوني، أخيراً: "أدعو وزير التعليم إلى مراجعة التعليمات التي صدرت بإلغاء التعليم الديني"، معتبراً أنّ الاستمرار في تنفيذ القرار "يفتح باباً للغلو أمام الشباب إذا تُركوا من غير تعليم رشيد، ولم تتوافر لهم أسباب العلم الشرعي المنضبط". ورأى أنّ هؤلاء الشباب "سوف تتلقفهم الأجندات الخارجية المسيسة بغير السياسة الشرعية، وتسيِّرهم التوجهات الفكرية المنحرفة".

في أعقاب الجدال اضطرت الوزارة إلى إصدار بيان توضيحي تشيد فيه بضرورة التعليم الديني، معللة قرارها بـ"التنظيم والتأطير ومراجعة المناهج". لكنّ رابطة علماء ليبيا (رابطة غير حكومية تضم عدداً من رجال الدين) ردت على التعليل بالقول إنّها "حجج واهية"، مشددة على أنّ الوزارة "تسعى إلى إلغاء التعليم الديني برمته بخطوات متدرجة". وأكدت الرابطة أنّ "مسؤولي التعليم سائرون سير أسلافهم في العهد السابق، ليقعوا في الجريمة نفسها، ونستمر في المعاناة عينها". وتوجهت الرابطة بخطابها إلى الوزارة بالقول: "التعليم الديني إذا خرج عن رعاية الدولة وعن الوسطية، فإنّ التطرف سيسيطر حتماً، وسيسقط فلذات أكبادنا في هذا المستنقع الآسن. فانتبهوا واستيقظوا أيها المسؤولون قبل فوات الأوان"، مبدية استعدادها للعمل مع الوزارة بشأن إعادة النظر في قرارها، وتوضيح مخاوف الوزارة من التعليم الديني عبر أعضائها في جنوب وشرق وغرب البلاد.

مع بداية العام الدراسي الجديد، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدت ثانويات التعليم الديني منقسمة على نفسها بانقسام الوزارة المتأثر بدوره بالانقسام السياسي، ففيما لم تفتح ثانويات التعليم الديني في الغرب الباب لقبول تلاميذ جدد، قبلت ثلاث ثانويات في الشرق الليبي تلاميذ جدداً بإيعاز من وزارة التعليم بحكومة مجلس النواب التي رضخت للأمر تحت ضغوط من هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية التابعة لحكومة مجلس النواب.

وعن أسباب قرار الوزارة، يقول، عبد الحكيم الشريف، وهو مفتش تربوي بوزارة التعليم، إنّ الوزارة "لو كانت تسعى إلى إلغاء التعليم الديني لأوقفت الدراسة في الثانويات، لكنّها منعت قبول التلاميذ الجدد فقط، كي تتسنى مراجعة المناهج التي وردت حولها ملاحظات في تقارير من التفتيش التربوي". يلفت في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أنّ تلك الملاحظات تتعلق بنصوص من أدبيات ومناهج تيارات إسلامية مخالفة ووافدة من الخارج: "المراجعة يجب أن تخضع لها أيضاً المعاهد الدينية ما بعد الثانوي"، مشيراً إلى أنّ المراجعة تتعلق أيضاً بالجانب الإداري. يشدد على "تداخل كبير في اختصاصات التعليم الديني، فوزارة الأوقاف تتدخل بشكل سافر في إعداد المناهج وفرضها وكذلك دار الإفتاء التي يتبعها معهد شرعي لا يتبع الوزارة إلّا اسمياً ومالياً فقط". يتابع "حقيقة لا نعلم ماذا يدرّسون في هذه الثانويات التي كثيراً ما ترفض الانصياع لأوامر وملاحظات التفتيش والوزارة ويتوجب ضبط مناهجها ومراقبتها".



وكان نظام القذافي قد أقفل التعليم الديني في فترة حكمه، طوال عقدين، قبل أن يسمح بعودته منتصف التسعينيات، وافتتاح أول جامعة إسلامية، وذلك في مدينة زليتن. لكنّ هذا القطاع من التعليم سيطر عليه بشكل مباشر التيار المدخلي السلفي في أعقاب ثورة فبراير/ شباط 2011. وافتتحت دار الإفتاء معهداً للتعليم العالي الديني، كما افتتحت هيئة الإفتاء التابعة لمجلس النواب معهد الأثر للقراءات والعلوم الدينية.

يلفت الشريف إلى أنّ هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية التابعة لمجلس النواب أسست إدارة باسم "إدارة المعاهد الدينية" ومن قراراتها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قرار يقضي بتشكيل لجنة لإعداد مناهج جديدة للمعاهد، وآخر يقضي بإلغاء مناهج ومواد، وكلّها قرارات مستقلة من دون الرجوع إلى وزارة التعليم أو مشاركتها في القرارات، كما يقول.

في المقابل، يعتبر المعلم في ثانوية شرعية، ساسي بوزعنين، أنّ القرار لا مسوغ له "فالتنظيم والاستمرار في قبول التلاميذ يمكن أن يسيرا معاً في آن واحد". يتهم بوزعنين، في حديثه إلى "العربي الجديد"، الوزارة بالسعي لإلغاء التعليم الديني: "منذ توليها مهامها كانت تسير باتجاه إلغاء التعليم الديني، فأول قراراتها العام الماضي إلغاء إدارة التعليم الديني من هيكل الوزارة من دون الإدارات الأخرى". يتساءل: "في ظل إلغاء الإدارة كيف ستنظم الوزارة قطاع التعليم الديني؟".




لكنّ الوزارة وسّعت من جهودها في استهداف التعليم الديني برمته، إذ أعلنت عن اتفاق عقدته قبل فترة مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) للبدء في إعداد برنامج وطني شامل للنهوض بالتربية الدينية والارتقاء بأداء معلميها ومؤسساتها. وبعد انتهاء ندوة نظمتها الوزارة شارك فيها ثلاثون خبيراً بالشراكة مع "إيسيسكو" قالت الوزارة إنّها ستطلق دورات تدريبية لمعلمي التربية الدينية في ليبيا، ودعم تأليف المناهج التربوية والمقررات التعليمية في مجال التربية الدينية وتحديثها وتطويرها، بالإضافة إلى دعم إعداد الأدلة التوجيهية والمواد الإرشادية لقيادات مؤسسات التعليم الديني بمشاركة المنظمة الإسلامية.
دلالات
المساهمون