استمع إلى الملخص
- تكاليف السكن المرتفعة تدفع المهاجرين للنوم في أماكن عامة كمقاهي الإنترنت وتحت الجسور، مع متوسط رواتب يبلغ 3500 يوان شهريًا، مما يعكس الفجوة الكبيرة بين تكاليف الحياة والدخل.
- السلطات الصينية تواجه ضغوطًا لحل مشكلة المهاجرين الداخليين، مع إصدار قوانين لبناء ملاجئ للمشردين ومحاولات لمعالجة جذور المشكلة المتمثلة في اختلال التوازن بين الريف والمدن وتدني أجور العمال.
تفيد إحصاءات نشرة العمال في الصين التي تحدد أماكن وجود مهاجرين داخليين قدِموا من مناطق فقيرة أو أخرى في الأرياف إلى المدن الصناعية، بأن أكثر من 300 مليون مهاجر يشغلون وظائف مؤقتة في مصانع كبيرة، وينفذون مهمات فرز وتفريغ وتحميل وتنظيف.
ويشير الإحصاء إلى أن هؤلاء المهاجرين يعملون فترات قد تصل إلى 12 ساعة في النهار، وأن عدداً كبيراً منهم يمكثون بحلول الليل في الطرقات ويفترشون الأرصفة بحثاً عن مكان عام للنوم من أجل التقاط أنفاسهم والحصول على قسط من الراحة، إذ لا طاقة لهم على تحمّل تكاليف الشقق السكنية الباهظة في المدن، كما أن المصانع لا تستطيع استيعاب أعدادهم الهائلة في أماكن سكن العمال.
وتصل تكلفة الغرفة المشتركة إلى 300 يوان للشخص الواحد شهرياً (45 دولاراً) علماً أنها تستوعب ثمانية أفراد، بينما تتجاوز تكلفة الغرفة الفردية التي تتوفر فيها وسائل راحة مثل جهاز تكييف وحمام خاص 1000 يوان (120 دولاراً)، أما متوسط الرواتب الشهرية لهؤلاء العمال فيبلغ نحو 3500 يوان (500 دولار).
يقول وو جياو لونغ (54 عاماً)، أحد العمال الذين يفترشون الأرض كل مساء تحت جسر إسمنتي في حي جيانغ جو من بمنطقة تشاويانغ في العاصمة بكين، لـ"العربي الجديد": "يجمع الجسر عمالاً مياومين يعملون في منطقة صناعية تبعد نحو 1.5 كيلومتر عن الجسر، وهو ملاذنا الوحيد للنوم في ظل الظروف والتحديات الصعبة التي نواجهها في المدينة". ويوضح أنه يعمل في مجال البناء مقابل 3200 يوان شهرياً، و"هذا مبلغ زهيد لا يسمح لي باستئجار غرفة خاصة، علماً أنني أحوّل نحو 70% من راتبي إلى عائلتي في مقاطعة قوانغدونغ (جنوب)، حيث أعيل زوجة وطفلين".
يتابع: "في السابق كنت أنام في حدائق عامة، ثم لاحقني موظفو الأمن في هذه الحديقة، واضطررت إلى اللجوء إلى مطاعم الوجبات السريعة مثل (ماكدونالدز) التي تفتح أبوابها أمام الزبائن طوال 24 ساعة، لكن مقاعدها غير مريحة وغير مناسبة للنوم، كما أن بعض الزبائن لا يتقبلون وجودنا في المطعم وينعتوننا بمشردين، فكان الخيار الأفضل أن أنام تحت الجسر حيث أواجه تقلبات الطقس خلال الفصول الأربعة.
من جهته، يقضي تشو يانغ (43 عاماً) ليلة في مقاهي الإنترنت لتخفيف تكاليف الإقامة، فهو يدفع حوالي 21 يواناً (3 دولارات) مقابل استخدام الكمبيوتر لمدة ثلاث ساعات، يتصفح الجهاز لفترة وجيزة، ثم يفعّل وضع الاستعداد لتجنب تحصيل المزيد من الرسوم لبقية الليل. ويقول لـ"العربي الجديد": "رغم أن الموظفين يعلمون بالحيلة التي أتبعها لقضاء ليلتي في المقهى، يغضون النظر عني حين تكون هناك مقاعد شاغرة. وفي فترات الصيف مع ازدياد رواد المقهى تتغيّر لهجة الموظفين معي فأُضطر إلى العودة إلى الرصيف مع زملاء لي في العمل يواجهون الصعوبات ذاتها في إيجاد مكان للمبيت في فندق أو شقة سكنية بسبب أرتفاع تكاليف الإيجار مقابل دخلنا المحدود".
وتنقسم آراء مستخدمي الإنترنت في الصين حول ظاهرة المشردين، إذ يتعاطف بعضهم مع من يضطرون إلى النوم في أماكن عامة بسبب الضغوط الاقتصادية، بينما يرى آخرون أن هذا الأمر ينتهك القانون ويشوّه الصورة الحضارية للمدن.
ولاقت سلسلة مطاعم "ماكدونالدز" إشادة من مستخدمي الإنترنت في الصين لأنها تسمح لمشردين باستخدام مرافقها حتى لو لم يشتروا أي شيء. لكن ذلك لم يمنع حدوث جدل. وخلال عطلة عيد العمال، اشتكى رواد المطعم من عدم قدرتهم على العثور على طاولة فارغة بسبب كثرة العمال النائمين، ما أثار جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي حول مدى ملاءمة قضاء الليل في مطعم مفتوح على مدار الساعة.
وكتب شخص على موقع "ويبو": "رغم عدم وجود سبب لطردهم من الأفضل عدم التعامل مع المطعم كأنه فندق". وعلّق آخر: "إذا أساء الناس استخدام هذه الخدمات، فقد يجعل ذلك القائمين عليها يعيدون النظر في شأن مواصلة تقديمها".
ويعلّق أستاذ الدراسات الاجتماعية السابق في جامعة صن يات سن، وي لي فنغ، على الظاهرة، بالقول لـ"العربي الجديد: "تستمر مع تزايد تعقيد أنماط الحياة الحضرية خيارات نوم العمال في الأماكن العامة أو أماكن نوم غير تقليدية مثل بهو المستشفيات ومواقف السيارات والجسور ومواقع البناء المهجورة، إضافة إلى مطاعم الوجبات السريعة التي تقدم الخدمة على مدار الساعة". يضيف: "ما يزيد حجم هذه الظاهرة عدم وجود قوانين صريحة تحظر النوم في الأماكن العامة، لكن السلطات المحلية وإدارة المتنزهات ومراكز التسوق تفرض قواعدها الخاصة، ومن ثم تستطيع منع المشردين من النوم في هذه الأماكن، ما يجعلهم ينتقلون إلى الأرصفة والمناطق المهجورة".
ويلفت إلى أن السلطات أصدرت عام 2018 قواعد جديدة تلزم الحكومات المحلية ببناء ملاجئ للمشردين، ومساعدة الأشخاص الذين ليس لديهم مساكن ثابتة، كما حاولت أيضاً توسيع عدد المكتبات العامة في الصين، وهي مأوى مخصص لأشخاص يعيشون في أوضاع هشة، مع فتح مناطق معينة على مدار 24 ساعة.
لكن هذه المبادرات اعتبرت غير كافية للقضاء على الظاهرة التي تحتاج، بحسب وي، إلى معالجة جذور المشكلة على صعيد تدني أجور العمال من جهة، واختلال التوازن على مستوى التنمية بين الريف والمناطق الحضرية، من جهة أخرى، والذي يعتبر السبب الرئيسي في هجرة ملايين الفقراء والفلاحين إلى المدن الصناعية.