حرب اليمن تمنع تعليم الكبار

08 سبتمبر 2017
الحرب تعد بجيل أمّي جديد (أحمد الباشا/فرانس برس)
+ الخط -
ما زالت الأمّية واحدة من أهم المشاكل التي يعاني اليمن منها بعدما زادت أعداد الأميين في مختلف المحافظات بالترافق مع ضعف مخرجات مراكز محو الأمية خصوصاً في زمن الحرب.

تمكنت سميرة علي (33 عاماً) من انتزاع فرصة لتعلم القراءة قبل اندلاع الحرب في مركز لمحو الأمّية في صنعاء، فهي اليوم تستطيع قراءة القرآن والصحف وإن كانت تواجه صعوبة في ذلك. تقول سميرة إنّها التحقت بصفوف محو الأمية بالرغم من بُعدِها ساعة عن منزلها، بعدما شعرت أنّها معزولة عن عالمها وجيلها الذي حصل على فرصة التعليم. تقول: "تساءلت كثيراً كيف بقيت أمّية ولم أتمكن من القراءة والكتابة طوال السنوات الماضية جميعها بينما يتمكن طفل خلال أول عامين في المدرسة من القراءة والكتابة". تشير إلى أنّ والدها الراحل حرمها من التعليم "حين كان يقول لي إنّ الدراسة مجرد إنهاك وتضييع وقت وجهد، وفي النهاية تتزوج الفتاة وتظل في البيت ولا ينفعها التعليم".

على العكس منها، تتمنى أم سلسبيل (38 عاماً) تعلم القراءة والكتابة لتستطيع تعلم وحفظ القرآن، إلا أنّها حتى اليوم لم تحظ بفرصة. تقول لـ"العربي الجديد": "أشعر بالحنق لأنّي لا أستطيع أن أقرأ القرآن ولا فهم كثيرا من الأحداث حولي". تشير إلى أنّ لديها أبناء متعلمين لكنها تخجل من الطلب منهم أن يعلّموها القراءة والكتابة. تضيف أم سلسبيل أنّها حاولت مراراً إقناع زوجها بالسماح لها بالالتحاق بمركز لمحو الأمية، لكنّه رفض لبعد مكان المركز عن سكنهم. تلفت إلى أنّها ما زالت تحاول العثور على فرصة للتعلم: "لن أتخلى عن رغبتي في تعلم القراءة حتى لو بقيت عشر سنوات أنتظر الفرصة المناسبة".


منذ سنوات والأربعيني علي الأحمدي يواجه مشكلة في إنجاز معاملاته في المحكمة كونه أمّياً، وهو ما يجعله يعتمد على ابن أحد أقاربه أو المحامي الخاص به والذي كثيراً ما يخفي عنه بعض التفاصيل الهامة، بحسب تعبيره. يقول لـ"العربي الجديد": "من الأشياء المؤلمة أنّ لديّ ملفاً مليئاً بالوثائق والمستندات لكنّي لا أستطيع فهمها. يقول لي المحامي إنّها أوراق هامة ولا يجب أن تضيع، وبناء على ذلك أحفظها، لكنّي أجد صعوبة في تفريقها عن بعضها البعض". يشير إلى أنّ هذا الوضع يشعره بالحسرة لأنه لم يتعلم.

تدهور قطاع محو الأمية في اليمن بدأ قبل الحرب الأخيرة لكنّه ازداد منذ بدئها بشكل كبير إذ تراجع عدد من العناصر الداعمة له، فشهدت أعداد المتعلمين تراجعاً حقيقياً، علماً أنّ الحكومة أنشأت عام 1992 جهاز محو الأمية وتعليم الكبار، وبات مستقلاً عن وزارة التربية إدارياً ومالياً بموجب قانون محو الأمية وتعليم الكبار لعام 1998.

يعتبر قطاع محو الأمية من القطاعات الفريدة في كونه يجتذب النساء بشكل لافت أكثر من الرجال بكثير بسبب توفر أوقات للتفرغ للتعلم في فترة ما بعد العصر، بينما يستغل معظم الرجال هذا الوقت في تخزين القات. ومن النقاط المضيئة خلال أيام الحرب، أنّ بعض المتعلمات في مناطق معينة لم يعدن يذهبن إلى صفوف محو الأمية لتعلم القراءة والكتابة فقط، بل للاستفادة من معلومات ومحاضرات تتخللها بعض التطبيقات العملية حول بعض القضايا الصحية ذات العلاقة بالنساء، مثل تغذية الحوامل والأمهات والأطفال والصحة الإنجابية وتنظيم النسل، بالإضافة إلى اكتساب بعض المهارات الحياتية التي تدرّ الدخل للأسرة مثل أساليب عمل وتسويق بعض الحلويات والعطور وأدوات زينة المنزل من أجل تمكين المرأة اقتصادياً. وتستغل بعض منظمات التنمية المحلية صفوف محو الأمية لتنفيذ برامجها الاقتصادية التي تستهدف المرأة الفقيرة تحديداً.

تؤكد مسؤولة في أحد مراكز محو الأمية في صنعاء أنّ "الحرب تصنع أمّيين جدداً في أنحاء البلاد لأسباب كثيرة أهمها عدم توفر الدعم الكافي الذي يساعد في حصولهم على المعرفة". تقول المسؤولة، التي فضلت عدم ذكر اسمها، إنّ المحفزات التي كانت تقدم سابقاً للملتحقات ببرامج محو الأمية توقفت تماماً، كما أنّ بعض المدارس تحولت إلى ثكنات عسكرية. تضيف لـ"العربي الجديد": "جرى إهمال المعلمين والمعلمات في مراكز محو الأمية ولم يحظوا بحقوقهم ما أدى إلى عدم التزامهم".

كذلك، تشير إلى أنّ أحد الأسباب التي أدت إلى ضعف مخرجات مراكز محو الأمية عدم التنسيق بين جهاز محو الأمية والمراكز التعليمية الأخرى، بالإضافة إلى "عدم توفر الكتب التي يحتاجها المتعلم، وعدم توفر وقت كاف للتدريس، فبعض المراكز التي تعمل في مدارس تنتظر خروج تلاميذ الفترة المسائية، فيبدأ دوام محو الأمية عند الساعة الرابعة عصراً حتى الخامسة والربع خصوصاً في فصل الشتاء".

تجدر الإشارة إلى أن التعليم في مراكز محو الأمية مجاني ويتكون غالباً من ثلاث مراحل، هي: الأساس، والمكافحة، والمتابعة. ويبلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة لدى الذكور ما فوق 14 عاماً في اليمن 85 في المائة، ولدى الإناث ما فوق 14 عاماً 55 في المائة، بحسب آخر إحصائية لليونيسكو عام 2015.