200 ألف مصري ينتظرون الموت

03 فبراير 2016
تنتظران العلاج (Getty)
+ الخط -

لم يعد المصريون يستغربون عبارة "ورم سرطاني"، وقد أصبح الأمر أشبه بسماعهم لفظ "إنفلونزا". والأمر طبيعي بما أنّ عدد المصريين الذين يُصابون سنوياً بالسرطان، يصل إلى نحو مائتي ألف تقريباً، أكثرهم لا يشفى وينتظر الوفاة.

بحسب بيانات البرنامج القومي لتسجيل الأورام في مصر لعام 2014، فإن المعدل السنوي للإصابة بالسرطان في البلاد هو 14.5 حالة لكل 100 ألف شخص (17.3 للذكور و11.7 للإناث). ويسجّل المعدل السنوي للإصابة بسرطان الثدي للإناث، 35.5 حالة لكل 100 ألف أنثى (ما يعادل 17 ألفاً و605 نساء). أما المعدل السنوي للإصابة بسرطان الغدد اللمفاوية في مصر، فهو 6.4 حالات لكل 100 ألف للذكور، و4.2 حالات لكل 100 ألف للإناث (ما يعادل خمسة آلاف و241 حالة).

السرطان واحد من الأمراض التي تتزايد أعداد المصابين بها في مصر، من عام إلى أخر. وقد توقّعت الإحصاءات ارتفاع نسبة المصابين به إلى 25 حالة لكل 100 ألف شخص، خلال الفترة الممتدة من عام 2013 إلى عام 2017. والمرضان السرطانيان الأكثر انتشاراً، هما سرطان الثدي واللمفوما.

وتزداد الخطورة، مع ارتفاع تكلفة العلاج وعدم توفّر أماكن مناسبة للمرضى وبطء التشخيص من قبل الأطباء المعالَجين الذين يخشون إطلاع المريض على وضعه الصحي. هذا ما يؤكده أستاذ علاج الأورام الدكتور أسامة طه، الذي يرى أن "تأخر التشخيص هو سبب تدهور أوضاع المرضى وبلوغهم مرحلة متأخرة وتهديدهم بالوفاة". ويشير إلى ضرورة أن تكون "رعاية مريض السرطان مشتركة بين أقسام طبية مختلفة، مثل الباطنة (أمراض داخلية) والجراحة وغيرهما. وفي حال لم يتوفّر مكان في قسم الأورام، يحجز للمريض في قسم من تلك الأقسام الأخرى، حيث تُتابع حالته". ويطالب طه بمعاملة مريض السرطان الفقير، "المعاملة نفسها التي يتلقاها مرضى المستشفيات الخاصة، مع تزويده بتأمين صحي يمكّنه من التخلّص من متاعب كثيرة".

من جهته، يقول الاختصاصي في طب الأورام في جامعة عين شمس الدكتور محمد صبري، إن واحدة من المشاكل الأبرز التي تواجه مرضى السرطان في مصر هي "قلة عدد الأسرّة في المستشفيات المتخصصة. الإصابات في تزايد مستمر، وعدد الأسرّة ثابت". ويشير إلى أن "مركزية الخدمات الصحية، شأنها شأن بقيّة خدمات الدولة، سبب أساسي في تفاقم مشكلة توفير الأماكن المناسبة لمرضى السرطان في المحافظات كلها. جميع هؤلاء يقصدون مستشفيات السرطان في القاهرة، نظراً لعدم توفّر مراكز علاج في محافظاتهم. وأكثر المحافظات تفتقر إلى مستشفيات متخصصة". ويطالب صبري الدولة بتوفير ميزانية للاهتمام بالمراكز الفرعية، وزيادة قدرة الاستيعاب في المحافظات.

في السياق ذاته، يشدّد الأمين العام المساعد في نقابة الأطباء الدكتور رشوان شعبان، على أن "سوء التخطيط هو السبب الرئيسي في تدهور حالة مريض السرطان ووفاته، وذلك لعدم توفر الرعاية الصحية السليمة له في المستشفيات". ويلفت إلى أن "ثمّة مرضى يتجهون لتلقي العلاج في عيادات طبية خاصة أو في منازلهم، لعدم توفّر أماكن لهم داخل المستشفيات الحكومية. يُذكر أن المرضى غير القادرين على تلقي العلاج على نفقتهم الخاصة كثيرون، لارتفاع كلفته وضعف إمكانياتهم المادية". يضيف: "لا يختلف اثنان على العجز الكبير في مسألة توفير الأسرّة، التي تأتي أعدادها أقلّ بكثير من أعداد مرضى السرطان المتزايدة سنوياً".

ويوضح شعبان أن "ثمّة عبئاً كبيراً على الدولة التي تتحمّل مسؤولية أساسية في ارتفاع نسبة الوفيات بين مرضى السرطان. لذلك، عليها توفير كل الرعاية اللازمة لهؤلاء، وتوفير أماكن لعلاجهم في أكثر المحافظات، مع توفير أطباء اختصاصيين وطواقم تمريض في كل عام". إلى ذلك، "ثمّة ضرورة لوضع خريطة معلومات صحيحة بعدد المرضى، وتجهيز مراكز متخصصة في المناطق حيث الانتشار الأكبر للمرض في المحافظات، مع وضع ميزانية كافية لتوفير المستلزمات المطلوبة".

الحاج رمضان مبروك إبراهيم يعمل في الزراعة، ترك مسقط رأسه في المنوفية آملاً الحصول على علاج في معهد الأورام في العاصمة. يخبر أنه اكتشف إصابته بالمرض في عام 2010، واضطر إلى السفر إلى القاهرة. بالفعل، بدأت حالته تتحسن تدريجياً، "لكن في العامين الأخيرين، حصل إهمال كبير من قبل المستشفى وكان تقصير في العلاج. تركّز الاهتمام على العلاج الكيماوي، من دون الالتفات إلى تزويدي بمضادات حيوية لمواجهة الآثار الجانبية للكيماوي. وبعد المضاعفات، تخلّى معهد الأورام عن مسؤوليته وأوقف العلاج تماماً، وهو ما دفعني إلى عيادات خاصة، مع تكلفتها المرتفعة. لم ألتزم بالعلاج كما يجب، وتدهورت حالتي حتى أصبت بشلل نصفي منعني عن مواصلة عملي". يضيف: "توقفت حياتي حينها، وعدت إلى معهد الأورام. شرحت لهم نتيجة إهمالهم، فبدأوا علاجاً بالرنين المغناطيسي، أسهم في فكّ الشلل من رجلي اليمنى. لكن مساعدتهم هذه جاءت بعد فوات الأوان". وأصبحت وسيلة نقل الحاج رمضان من المنوفية إلى القاهرة، عربة نقل يستلقي فيها مغطى ببطانية تُخفي عجزه ويأسه.

من جهته، يعاني سعيد محمد مع ابنه. هو طفل مصاب بسرطان الدم، لا يقبل أي مستشفى استقباله، بعدما أتى تشخيص مرضه متأخراً. يخبر الأب أن "الأطباء في البداية أشاروا إلى مجرّد ورم عادي، لكننا اكتشفنا لاحقاً أنه مصاب بالسرطان ويحتاج إلى علاج كيماوي. حوّلني مستشفى السرطان إلى معهد الأورام. وعندما ذهبت، وضعوني على قائمة الانتظار ولم أتلق رداً بعد". يضيف: "منذ أشهر وابني يعاني من عدم القدرة على الأكل والشرب. وعندما أعترض يقولون لي اذهب إلى معهد ناصر، لكنني لا أملك تكلفة العلاج هناك".

أما خالد سمير، فقد اكتشف مرض طفلته الصغيرة شهد التي لم تتجاوز الثالثة من عمرها، بعدما لاحظ انتفاخاً بسيطاً في بطنها. حملها إلى مستشفى السرطان، وبدأت مرحلة العلاج التي عانت معها الأسرة كلها. يقول: "على الرغم من تقديم المستشفى العلاج بشكل جيد ومن دون أعباء مالية، إلا أن مشاهدة ابنتي التي أبصرت النور بعد معاناة وهي تبكي وتصرخ من شدّة الألم، كانت عذاباً لا يوصف". يضيف: "تمنيت لو كنت مكانها. ربما كنت سأتحمل الألم أو ربما أشكو ألمي إلى زوجتي وأهلي. لكن هي ما زالت طفلة صغيرة، لا تستطيع التعبير عما تشعر به".

اقرأ أيضاً: نساء مصر يخيفهنّ سرطان الثدي.. ذلك الوحش
المساهمون