في الخامسة عشرة من عمره، خرج محمد عبد الهادي من بلدته السميرية، شمالي عكا، ليصير لاجئاً فلسطينياً مع عائلته وقد وُعدوا بالعودة قريباً إلى أرضهم. لكنّه، بعد عقود طويلة، ما زال يقيم في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوبي لبنان.
يخبر عبد الهادي أنّ "السميرية بمعظمها بيارات وأراض زراعية واسعة، ووالدي كان فلاحاً يزرع الأشجار المثمرة والقمح والخضراوات. من جهتي، رحت أعمل معه في الزراعة بعدما أنهيت تعليمي عند الشيخ. في السابق، كنّا نتعلّم عند الشيخ أسس الكتابة والقراءة وعلوم الدين، إذ لم نكن نملك مدارس". يضيف أنّه "في يوم، حضر الإنكليز وطلبوا منّا الخروج من بيوتنا ومن البلد لمدّة أسبوع فقط. في البداية لم نقتنع، لكنّ هجوم الصهاينة جعلنا نفعل. فحملنا معنا مالنا وبعض الأمور التي قد نحتاجها في أثناء تغيّبنا عن بيوتنا". ويتابع: "خرجنا من السميرية وتوجّهنا نحو بلدة عمقا حيث بقينا لمدّة ننام تحت أشجار الزيتون. ومنها إلى بلدة كفر ياسيف التي بقينا فيها نحو شهر، فيما كنّا ننام تحت الأشجار، قبل أن نصل إلى بلدة يركا". كانت تلك محطتهم الأخيرة في الوطن قبل أن يصلوا إلى الجنوب اللبناني، وتحديداً إلى بلدة قانا. يقول عبد الهادي: "كنّا حينها أربع عائلات، أردنا السكن في بيت واحد، غير أنّ صاحب البيت رفض ذلك. وبعد مكوثنا شهراً واحداً في قانا نفد المال الذي كان بحوزتنا، تركناها وتوجّهنا إلى منطقة البصّ في صور حيث بقينا ثلاثة أشهر".
ويتابع عبد الهادي سرده: "بعد تلك المدة، نقلتنا حافلات كبيرة تابعة للدولة اللبنانية إلى مخيّم عين الحلوة الذي كان يُسمّى الكم العتيق. فسكنّا تحت الشوادر. كنّا 12 شخصاً في خيمة واحدة، فوالدي كان متزوجاً من امرأة أخرى غير والدتي، وكان قد أنجب منها كذلك. وبعد مدّة، بدأنا ببناء بيوتنا شيئاً فشيئاً". ويشير إلى أنّه "في البداية، عملت في نقل الرمل في ورش البناء، ثمّ في الزراعة حتى نتمكّن من تأمين معيشتنا اليومية"، مؤكداً أنّ "الموت كان أهون علينا ممّا عشناه في بدايات اللجوء وما زلنا، لا سيّما أنّنا كنّا نملك أراضي نعتاش منها".
ويكمل عبد الهادي: "تزوّجت حين كنت في السادسة عشرة من عمري، أي بعد اللجوء بسنة واحدة. هذه عادة من عادات أهل بلدتنا، تزويج الذكور مبكراً. وكنّا نعيش بما يتيسّر لنا من رزق من خلال مختلف الأعمال. أنجبت تسعة أولاد، ستّ بنات وثلاثة بنين، تعلّموا جميعهم. والهدف من تعليمهم كان إيجاد فرص عمل جيّدة، لا سيّما في وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إذ إنّ رواتبها كانت ملائمة".