الضحك ممنوع

10 يونيو 2016
والدتان تطعمان طفليهما (أوليفر بونيك/فرانس برس)
+ الخط -
ثمّة مدينة في هذا العالم تمنعُ مواطنيها من اتخاذ أي خيارات شخصية مهما كانت. ثمّة فرمان يصدر عن حاكمها، يتضمّن مدوّنات سلوك تنظّم حياة الناس. هذه المدوّنة لا تخضع لأي نقاش. يوزّع الحاكم ومعاونوه اللوائح على المواطنين، وقد أعدّوا لوائح للرجال وأخرى للنساء، ويراقبون مدى تطبيق ما جاء فيها من دون أي مخالفة. مدونات السلوك هذه تضمّ خانات مخصصة لفئات عدة، كالمرأة المعوقة أو المرأة المسنة، إلخ.

من يفشل في الامتثال للقواعد أو يرفض تطبيق ما جاء في مدونات السلوك يتعرّض للإقصاء ويُحرم من حقوقه. على سبيل المثال، تتضمّن مدونة السلوك الخاصة بالرجال بنوداً من قبيل: "ممنوع اللعب مع الأطفال، ممنوع الرقص، ممنوع الحديث بمواضيع باستثناء السياسية أو الرياضة، يجب إيجاد عمل في عمر مبكر، والعمل لأكثر من تسع ساعات يومياً لتوفير المال". في المقابل، تتضمّن مدونة النساء: "يجب الزواج من رجل حصراً وإنجاب أكثر من أربعة أطفال، وعدم الخروج من المنزل إلا إذا دعت الحاجة". كذلك، "يمنع الضحك بشكل عام، خصوصاً في الأماكن العامة". مع الوقت، بات الناس في هذه المدينة يطبقون ما جاء في مدونات السلوك من دون الحاجة إلى الرجوع إليها.

حين يعرف الأهل جنس المولود، يقرأون مدونة السلوك الخاصة. جنس المولود في هذه المدينة هو معيار تحديد سلوكيات مواطنيها. مع مرور الوقت، بات الرجال في موقع قوة لأنهم يملكون المال والسلطة، ولم تعد العلاقة بين الناس متكافئة. يقتل "الأزعر" من لا حول له ولا قوة، ويعنّف الرجل المرأة من دون أن يكون هناك أي رادع لأن الشرعة والمنظومة ومدونات السلوك في المدينة تصب لصالحه. انتفت الهوية الفردية لتحل محلها هوية شمولية تُحدّد العلاقات بين الناس على أساسها.

"حياة النساء لن تكتمل ما لم ينجبن أطفالاً". لا مساواة بين النساء والرجال ولا يمكن وضع نساء يرضعن أطفالهن على قدم المساواة مع الرجل. يتعيّن على المرأة ألّا تضحك بصوت مرتفع على الملأ، وأن تتحلى بالاحتشام والعفة". لم يكن حاكم هذه المدينة من أطلق هذه التصريحات، بل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الأسبوع.

تلك المدينة التي لا إسم لها، يمكن أن تتخذ أسماء بلدان ودول عدة في عالمنا العربي. وهذا مجرّد توصيف مبسّط لواقع الحال الجندري في بلداننا. حين نتحدث عن مساواة جندرية، تجد هناك من تستفزه كلمة جندر أكثر مما يستفزه التمييز والإقصاء وقولبة النساء (والرجال).

(ناشطة نسوية)

المساهمون