العراقيات يشتكين من سطوة الأحزاب الدينية

23 يناير 2016
نافذة أخرى لتخريب الاستقرار الاجتماعي (فرانس برس)
+ الخط -
يتجه الشارع العراقي منذ عدة سنوات باتجاه التشدد الديني الذي يصل إلى حدّ التطرف. النساء هن العنصر الأكثر ضعفاً في هذا الإطار، فالحملات التهديدية تتواصل ضدهن

تتبنى جهات دينية مسلحة في العراق خطاباً دينياً حاداً بات يؤثر بشكل واضح على المجتمع، ما يفهمه العراقيون اليوم بوصفه تغييراً بالقوة للواقع. ومن ذلك نشر ملصقات على الجدران في الأماكن العامة، موجهة إلى النساء خصوصاً، تحذرهن بخصوص الاختلاط بالرجال، وارتداء الحجاب، بالاستناد إلى أحاديث دينية.

في هذا الإطار، ترفض ناشطات عراقيات هذا التوجه الذي يعتبرنه مسيئاً إلى المرأة، التي تتحمل مسؤولية كبيرة داخل المجتمع العراقي.

الصحافية والناشطة المدنية أفراح شوقي تجد أنّ "ترهيب النساء بحجة الدين وتعاليم الإسلام بات السلاح الأكثر خطورة في المجتمع العراقي اليوم". تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ضعف الدولة ووجود الأحزاب الدينية النافذة سمح لجماعات مسلحة غير سويّة بفرض هيبتها وهيمنتها وحضورها من خلال الترهيب الديني".

تشير إلى أنّ تلك الجماعات "تستخدم وسائلها الترغيبية والترهيبية من أجل كسب عقول الشباب على وجه الخصوص، ليكونوا بعدها أداة طيّعة لتنفيذ توجهاتهم الجرمية، التي تشابه أفعال تنظيم داعش بمحاولته التلبس برداء الدين من أجل فرض الهيمنة".

تضيف شوقي: "الوضع يزداد صعوبة كلّ يوم في مواجهتنا -نحن النساء العاملات في مجالات إعلامية- فنحن نحتاج إلى أجواء مناسبة من الأمن والاستقرار كي نواصل مهامنا". تشير إلى أنّها تواجه "الكثير من محاولات التكفير والسبّ والشتم أحياناً في الشارع وداخل مؤسسات حكومية أيضاً، بحجة عدم ارتدائي الحجاب، أو وجودي في الشارع مساءً من أجل تغطيات صحافية".

تؤكد أنّها تحاول تجاهل ما تواجهه، لكنّها تقول: "في بعض الأحيان أرتبك وأجد زميلات لي يواجهن نفس الظرف، ويحاولن من أجل ذلك وضع غطاء على رؤوسهن، وتجنب العمل في مناطق شعبية معروفة بالتطرف أو بوجود متشددين من حاملي السلاح خارج إطار الدولة فيها".

تشير إلى "ملصقات ظهرت أخيراً في الشارع من جهات مجهولة، تحاول بث الرعب والتحريض على العداء واستخدام الدين كأداة. وهي ملصقات تركز على المرأة، وكأنها تحاول العودة بها إلى عصور التخلف والجهل والتقاليد البالية، التي تعتبر وجهها عورة". تتابع: "هذه نافذة أخرى لخلق الخصومات والنزاعات وتخريب الاستقرار الاجتماعي، ودق إسفين الطائفية. أجد أنّ على الدولة مواجهة ومحاربة تلك التوجهات من أجل عراق مدني قوي".

من جهتها، لم تعد الفنانة التشكيلية والناشطة المدنية ذكرى سرسم تتفاجأ بظهور دعوات من خلال ملصقات ترهب العراقيين: "هذه الظاهرة بدأت بالانتشار قبل سنوات". تقول سرسم لـ"العربي الجديد": "بين فترة وأخرى نجد هذه اللافتات والملصقات تنتشر هنا وهناك، ويختلف انتشارها من منطقة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى. من يقفون وراء هذه الحملات يعتمدون كلّ مرة أسلوباً جديداً". توضح: "سبقت هذه الموجات حملات أشدّ، منها حملة تصحيح الحجاب التي ملأت شعاراتها الشوارع قبل سنوات، فأقيمت منصة تصور نساء يحترقن في جهنم ﻷنهن سافرات".

تتابع: "لا أستطيع أن أخفي تأثير هذه الدعوات الكبير على لبس المرأة، حتى لا تكاد تصادف اليوم موظفة في دوائر الدولة العراقية من دون حجاب إلا في ما ندر. هو جزء من سياسة أحزاب السلطة التي تميز وفق الانتماء الطائفي وتعطي أولوية في التعيين بدوائر الدولة للنساء المحجبات". مع ذلك، تقول: "يبقى مدى ما تشكله مثل هذه الشعارات اليوم محدوداً، خصوصاً بعدما أصبح بمقدور معظم العراقيين التواصل مع العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي". تستدرك: "لكن وسط الظرف الحالي، ووفق ما تفرضه الميليشيات من سلطة اليوم، فقد تشكل مثل هذه الشعارات مصدر خوف للنساء إذا أعطت الميليشيات أولويتها لقضية فرض الحجاب مثلاً".

بدورها، تؤكد الصحافية الناشطة في العمل الخيري أسماء عبيد وقوف الأحزاب الدينية خلف هذه الحملات والملصقات. تجد أنّ العراق يمرّ في ظروف صعبة "مأساوية"، حيث يعيش الملايين من السكان في فقر وبؤس ومنهم نازحون من مدن يحتدم فيها القتال وأخرى يسيطر عليها تنظيم "داعش". وفي ظل هذه الظروف، تقول إنّ من الأولى الاهتمام وإنفاق المال والوقت والجهد في هذا الاتجاه. تضيف عبيد لـ"العربي الجديد": "الدين ليس فقط حجاباً.. الأولى بهم إنقاذ الناس من الفقر، ومساعدة المرضى والأيتام والنازحين، والتصدي للفساد بكل أشكاله بدلاً من ملاحقة النساء بخصوص الحجاب وغيره، العجيب أنهم اختصروا الدين بكل ثقله في الحجاب".

تعتبر عبيد أنّ فرض القرارات على الحريات الشخصية بات ظاهرة: "هذا الأمر يسبب ارباكاً وخوفاً لدى النساء غير المحجبات. وكثير من هؤلاء وضعن الحجاب خوفاً من تلك التوجهات، وبعضهن لسن بمسلمات أساساً بل من ديانات أخرى".

فريال الربيعي الناشطة في العمل الاجتماعي، وضعت وزميلاتها الحجاب. تضطر أحياناً إلى اصطحاب زوجها او أحد أشقائها حين تذهب في عمل يخص متابعة أحوال النازحين في المخيمات. تقول لـ"العربي الجديد": "نظرة المجتمع تغيرت كثيراً بسبب الخطاب الديني المتشدد الذي تبنته أحزاب وجماعات مسلحة منذ احتلال العراق عام 2003".

من جانبه، يقول الباحث الاجتماعي منذر الجميلي لـ"العربي الجديد": "مثل هذه الأفكار ستمحو تقاليد العراق وثقافته، وستخلق مجتمعاً فاقداً لتنوعه واختلافاته التي تعتبر أهم ركائز تطوره وتميزه".

اقرأ أيضاً: إلحاد في العراق
المساهمون