ثلوج التعب اليومي

29 فبراير 2016
تفصلها عن تلك الثلوج سنوات ربما (فرانس برس)
+ الخط -

العاصمة اللبنانية بيروت لا تعرف الثلوج المتساقطة إلا في ما ندر. ولولا حبّات البرد التي لا تكاد تسقط حتى تذوب، لم يزر الثلج بيروت إلاّ مرّات معدودة في العقود الأخيرة، يحفظ السكان تواريخها ويربطون أحداثهم الحياتية بها أحياناً. مع ذلك، تحظى العاصمة بإطلالة على ثلوج ممتدة في الجبال الواقعة إلى الشرق منها.

ليس في ذلك درس جغرافيا، أو دعاية مبتذلة لوزارة السياحة تكشف عن قرب الجبل من البحر، والشاطئ من الثلج. هي لفتة إلى العلاقة التي تجمع ابن المدينة الكادح بذلك المشهد الممتد أمامه منذ الأزل. على الرغم من ذلك، لم يزر تلك الثلوج يوماً ولم يلمسها بيديه، أو يشعر ببرودتها البديهية، لكن المفترضة في الوقت عينه حتى يجرّب. لم يكتشف بعد كيف تتلوّن بشرة أحدهم بالسمرة عندما يزور تلك الثلوج.

المسألة ترتبط بموسم زائل كلّ عام. قد يؤكد أحدهم في بدايته أنّه ينوي فعل كذا وكذا. قد يتعهد أمام غيره أنّه سيزور تلك الثلوج، كما قد يتعهد سكان الجبال والداخل بدورهم بزيارة الساحل. وعلى الرغم من صغر مساحة لبنان، إلا أن ذلك لا يتحقق لكلّ منهم. الإجازة الأسبوعية لا تحتمل تحركه من المكان الذي وجد نفسه فيه منذ ولد. وقته ضيّق جداً والمسؤوليات المتراكمة طوال الأسبوع تخرج فجأة إليه. الإجازة الأسبوعية مجرد خدعة لمعظم العمّال والموظفين. هي عقاب إضافي يضاف إلى ما في عملهم من ظروف قاهرة. وإذا تأمّن ذلك الوقت بتخطيط مسبق لم ينتهك حرمته طارئ ما، واجه المخطِّط أزمة التمويل اللازم لإنجاز مخططه الذي يتأجل غالباً إلى موعد آخر.. إلى سنة أخرى.. إلى أجل غير مسمّى ولو بعد عشر سنوات.

كم مشروعاً، يبدو سخيف الإنجاز، أجّلتَ في السنوات الأخيرة ولم تنجزه بعد؟ لستَ وحدك، كثيرون كذلك.

يعيش الفرد في منطقته، ولا يخرج منها أبداً إلاّ باتجاه عمله. يحفظ طريق الذهاب إلى العمل والعودة منه جيداً. لكنّ أيّ تأخر عن العمل يعني الخصم من راتبه، وأيّ تأخر عن العودة إلى المنزل يعني تعباً إضافياً يضاف إلى تعب ساعات العمل.

هو خطّ واحد مسنّن الطرفين. ومع الأسنان قوة دفع مذهلة تقذف الموظف يومياً إلى عمله، وتعيده إلى منزله بالسرعة نفسها. لا يبارح الخط ولا يغادر صراطه المستقيم. فأيّ تلكؤ وتخلّف والتفاف وتفلّت يعني ببساطة خروجاً من منظومة الإنتاج. هو يكره موقعه فيها لا شكّ، وينتظر "اللوتو" أو معجزات السماء، لكنّ البديل عن ذلك مجهول. ولشدة الجهل به تنقلب طبيعته فيصبح معلوماً: بطالة، أي إفلاس وربما ديون. هي عودة إذاً إلى مشاهدة الثلوج من بيروت، لكن من دون أمل في زيارتها هذه المرة.

اقرأ أيضاً: مات وقصف عمر المرضى
المساهمون