استمع إلى الملخص
- **التحديات التي تواجه الطواقم الطبية:** يعمل المستشفى تحت تهديد القصف ونقص الأدوية والمستلزمات، مما يضطر الطواقم لاتخاذ إجراءات طارئة. الطواقم، التي تضم 120 فرداً، تتعامل مع إصابات معقدة في ظروف صعبة.
- **الوضع الإنساني للنازحين:** يعيش النازحون في خيام بساحة المستشفى في ظروف قاسية، ويعاني المستشفى من اكتظاظ شديد ونقص في الأدوية والمستلزمات الطبية.
تزايدت الضغوط على المستشفى الأهلي العربي "المعمداني" الذي يتوسط البلدة القديمة في مدينة غزة، والذي تعرض لمجزرة شهيرة ندد بها العالم في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكنه لا يزال يعمل رغم حرمانه من المقومات الأساسية، وندرة الكوادر الطبية والوقود.
خرج المستشفى المعمداني عن الخدمة، الثلاثاء الماضي، بعد قصف محيطه وتهديد جيش الاحتلال له، قبل أن يعود إلى العمل صباح الخميس، ويستقبل أعداداً من الشهداء والجرحى والمرضى الذين ينظرون إلى المستشفى باعتباره الأمل الأخير في مدينة غزة بعد خروج مستشفيات المدينة عن الخدمة، إذ بات أكبر مستشفيات مدينة غزة، ويعمل ضمن دائرة خطر كبيرة، خصوصاً بعد مطالبة جيش الاحتلال لسكان عدد من المناطق، مثل شارع عمر المختار الذي يعد أشهر شوارع القطاع، بالإخلاء جنوباً إلى دير البلح أو خانيونس.
وخلال الأسبوع الأخير، توقفت مراكز صحية عديدة في أحياء الدرج والتفاح والشجاعية عن العمل، بعدما كانت تقوم بدور مساند لتخفيف الضغط عن المستشفى المعمداني الذي تحول إلى مستشفى مركزي بعد خروج مجمع الشفاء الطبي عن الخدمة في مارس/آذار الماضي. يعمل طبيب الطوارئ محمد نعيم في المستشفى المعمداني، ويؤكد خطورة طبيعة العمل في ظل التهديدات المستمرة من طائرات الاحتلال، واعتبار مدينة غزة منطقة حرب، في ظل وجود ما يقارب 120 من الطواقم الطبية والفنيين في المستشفى الذي يغطي مدينة غزة بالكامل.
يوضح نعيم أن "دخول الأدوية إلى مدينة غزة يواجه معوقات كبيرة من جانب الاحتلال الإسرائيلي، وقد نفدت تقريباً الكميات المحدودة التي دخلت قبل العملية العسكرية على مدينة رفح في السادس من مايو/أيار، ما يجعل الطاقم الطبي يواجه أزمة حقيقية في المعدات والمستلزمات والأدوية، إضافة إلى محدودية توفر الوقود، ما يدفع في كثير من الأوقات إلى فصل الكهرباء عن بعض الأقسام، والاكتفاء بتشغيل أقسام الطوارئ والعناية المركزة والولادة".
عاد المستشفى المعمداني إلى العمل صباح الخميس بعد يومين من التوقف
يضيف: "في الأيام الأخيرة، كثف الاحتلال تصعيده على مدينة غزة، واستهدف أحياء متفرقة في المنطقتين الشرقية والغربية، وحتى المحاذية للبلدة القديمة مثل حي الدرج، ووصلت إصابات معقدة، من بينها أشخاص متأثرون بقوة الانفجارات، وحروق شديدة، ما فاقم أزمة توفير الرعاية الصحية. أحياناً تصلنا في وقت واحد أكثر من 50 إصابة، وفي تلك الأوقات يزيد احتياجنا إلى المزيد من الطواقم الطبية لإنقاذ بعض الحالات، خصوصاً حين يصل أطفال مصابون، أو رضع أو مسنون، وفي بعض الأوقات لا يمكننا التعامل مع كل الحالات التي تصل إلى المستشفى".
يتابع نعيم أن "هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الطواقم الطبية، وكذلك المزيد من المعدات والمستلزمات، ونحتاج أيضاً إلى الوقود، والمستشفى تعرض كثيراً للتوقف، ويتم عادة اللجوء إلى خطط الطوارئ لمواصلة العمل، فنحن آخر المستشفيات الكبيرة في مدينة غزة التي تضم أقساماً متكاملة، لكننا نعيش ونعمل تحت الخطر، ومهددون بالقصف والاقتحام في أي وقت، فالمنطقة بالكامل مهددة، ولدينا عائلات نخشى فقدها، وأعداد كبيرة من الطواقم فقدت خلال الأيام الأخيرة أفراداً من أسرها، لكنها تواصل العمل رغم مشاعر الحزن والفقد".
ويوجد عدد قليل من عائلات أفراد الطواقم الطبية العاملة في المستشفى كنازحين في خيام بساحتها، من بين هؤلاء الممرض أحمد الحصري، والذي يتابع الحالات المرضية على مدار الساعة، ومن بينهم والده المصاب بكسور في القدمين، والذي يعالج على فراش خارج المستشفى، وهو لا يستطيع الحركة ويرافقه ابنه الأصغر، بينما باقي أفراد العائلة نازحون إلى مخيم دير البلح في وسط القطاع.
يقول الحصري لـ"العربي الجديد": "يمر المستشفى حالياً بمرحلة تعد أصعب من أي وقت مضى، فالتهديد يقترب أكثر فأكثر، وقد أصبح المستشفى الكبير الأخير في مدينة غزة، وتصله عشرات الإصابات يومياً، والكثير منها يكون كسوراً أو حروقاً، وبعضهم يحتاج إلى إجراء عمليات جراحية عاجلة، بينما عدد الطواقم الطبية محدود، والجميع منهك بشدة، وعادة ما ينامون لساعات قليلة حتى يتمكنوا من مواصلة العمل". يضيف: "هناك حالات تتطلب التدخل العاجل أو عمليات جراحية، وبعض هؤلاء يتوفون في غرف العمليات أو على الأسرّة، إذ لا يمكن إنقاذ الجميع دائماً، ونعيش في حالة خوف دائم من فقدان مزيد من الأرواح، وبعض الشهداء شبان وحيدون لا يجدون من يدفنهم، فمعظم أفراد أسرهم نزحوا إلى المنطقة الجنوبية".
ويعتبر مستشفى الأهلي العربي، المعمداني، أحد أقدم مستشفيات قطاع غزة، وقد تأسس في عام 1882، تديره الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس، وقبل بدء العدوان على قطاع غزة، كان يضم 80 سريراً موزعة على أقسام الطوارئ والجراحة العامة وجراحة العظام والولادة والحروق، وعيادات خارجية، ويوفر خدمات التصوير الإشعاعي، وصيدلية ومختبراً، وخدمات العلاج الطبيعي، وحالياً يبلغ عدد الأسرّة 150 سريراً، لكنها لا تكفي لتغطية الخدمات الطبية المتزايدة في مدينة غزة التي تقع بالكامل تحت القصف الإسرائيلي، لكن أفراد الطواقم الطبية يواصلون تأدية رسالتهم الإنسانية رغم كل الظروف.
وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الخميس الماضي، إعادة تشغيل المستشفى المعمداني بعد يومين من خروجه عن الخدمة، وتشغيل مستشفى الخدمة العامة الذي خرج عن الخدمة لمدة خمسة أيام، ويقوم مستشفى الخدمة العامة بدور مساند في ظل العجز الكبير القائم في أعداد الأسرّة وقدرات الرعاية الطبية، كما تُجرى فيه بعض العمليات الجراحية، ومنها عمليات معقدة، رغم أنه أقرب إلى عيادة صحية.
ورغم أن المستشفى المعمداني يقع في منطقة شديدة الخطورة، ومعرض للتهديدات الإسرائيلية المتواصلة ضمن مساعي إفراغ مدينة غزة، إلا أنه لا يزال يضم بداخله عدداً من النازحين الذين وضعوا خيامهم في وسط الساحة التي تعرضت لمجزرة في أول أشهر العدوان.
يتخوف عدد من النازحين من الخروج من الخيام في ظل القصف العشوائي، وكذلك التوغل الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة، قبل الانسحاب الجزئي من حي الشجاعية، وكذلك من المنازل الواقعة جنوب المستشفى، والتي غادرها سكانها للاحتماء بالمستشفى، خصوصاً بعد أن جهاز الدفاع المدني أعلن أنه انتشل قرابة 60 جثماناً لشهداء كانت ملقاة على الأرض في منطقة الصناعة وحي تل الهوا.
يقول النازح محمد أبو السعود (37 سنة) إن معظم الموجودين في المستشفى من النازحين هم من عائلات الجرحى والمصابين، ومن أصحاب الأمراض المزمنة والمسنين، وجرحى سابقون لا يزالون بحاجة إلى علاج، وجميعهم يشعرون بتخوف كبير من إجبارهم على النزوح من جديد، رغم أنهم يعيشون في خيام مهترئة، ومعرضون للموت البطيء، ويتعذبون للحصول على الخدمات الأساسية.
يرافق أبو السعود والدته الستينية التي أصيبت في قصف إسرائيلي على حي الدرج خلال الشهر الماضي، وهي تتلقى علاجاً نتيجة جروح خطيرة تعرضت لها، ولا يستجيب جسدها سريعاً للعلاج، وتعاني بسبب انتشار الالتهابات في ساقيها، فضلاً عن كونها من أصحاب الأمراض المزمنة، بينما نزحت بقية أفراد الأسرة جنوباً.
يقول أبو السعود لـ"العربي الجديد": "تعالج والدتي وعدد من أفراد أسرتي في المستشفى الذي بات الأمل الأخير لهم. خرج المستشفى عن الخدمة أخيراً نظراً لانقطاع التيار الكهربائي، لكن ظلت الطواقم الطبية تقدم الخدمات المتاحة. المستشفى مكتظ بالمصابين، وكثير منهم يعالجون على الأرض، وفي كل ساعة يصل مصابون جدد. هناك حالات حرجة تواجه الموت بسبب نقص اللوازم والأدوات الطبية، ويضطر الأطباء والممرضون لمنح المرضى الأدوية المتاحة، وبعضها لا يفيدهم بالمرة، فقد نفدت معظم الأدوية. جميع النازحين يواجهون الجوع والعطش، ويشعرون بالخوف أكثر من أي وقت مضى، والحركة في محيط المستشفى محدودة للغاية خشية استهداف الاحتلال لكل ما يتحرك، وقد حصل هذا مع كثير من المدنيين الأبرياء".