"الرباكات" نسوة مغربيات يداوين المواليد بالبركة

29 يونيو 2016
الاعتقاد بالقوة الخارقة للرباكة (العربي الجديد)
+ الخط -
يكثر الإقبال على "الرباكة" خاصة في أيام عاشوراء وليلة 27 من رمضان، وهي الأيام التي يتضاعف فيها الخوف من خطر قد يداهم المواليد الجدد، فتنشط بيوت "الرباكات" ويشرعن في استقبال الأمهات محملات بأطفالهن رغبة في الشفاء أو التحصين.

و"الفراكات"  أو "الرباكات" "الجدادات" تعبيرات محلية لنسوة اشتهرن في المجتمع المغربي بمداواة المواليد الجدد بطرق شعبية تقليدية، وتحصينهم من الأذى والعين الشريرة بصنع التعاويذ والأحجبة والخرز الأزرق وجعلها في ملابسهم. ورغم تطور طب الأطفال إلا أن "الرباكة" ظلت تحافظ على حضورها القوي بين الأجيال المتعاقبة من المغاربة عبر استحضار قدرتها ونجاعتها على مداواة أمراض يقف الطب في نظرهم عاجزاً عن معرفتها وتشخيصها.

"الفراكات" صيغة الجمع لمفرد "فراكة"، وفرَك الشيءَ دلكه وحكَّه لإزالة قِشره أو ما عَلِق به، وتطلق في الثقافة الشعبية المغربية على المرأة التي تقوم بمعالجة المواليد الجدد من الأمراض التي تداهمهم من المولد إلى حين بروز الأسنان، وتعتبر أكثر هذه الأمراض شيوعا "الصرة" (وهي انتفاخ يصيب رأس الرضيع)، العين الشريرة، أذى الأعمال السحرية ويقال لها أيضاً "الرباكة" التي تربك عمل المشعوذين الذين يسعون إلى أذية الأطفال عبر حمل التمائم، و"الجدادة" في إشارة إلى أنها تجدد نشاط الوليد المريض.

و"الفراكة" غالباً ما تكون امرأة كبيرة في السن، تجمع بين بالخبرة والتجربة الكافية حتى لا ترتكب أي هفوة قد تعصف بحياة المولود الجديد، كما ينبغي لهذه الأخيرة أن تبتعد عن أي نوع من أعمال الدجل والشعوذة، حتى تستمر معها "البركة" التي ورثتها.

ومن العلامات التي تستوجب معالجة المولود المصاب عند "الرباكة" كثرة البكاء، والإمساك عن الرضاعة، ثني إبهام اليد اليمنى، قلة النوم، تغير حجم الرأس، وهي علامات لا تجد لها تفسيراً إلا في المتخيل الشعبي.

تقول الفراكة "مي تودة" إنّ الوليد يكون عرضة للإصابة بالأذى منذ ولادته إلى حين بروز أسنانه الأولى، نظراً لضعف بنيته وغياب المناعة الكافية التي تحصنه، فدم الحيض والجنابة قد يؤذيانه، والعين الشريرة أيضاً، لذلك تنصح الأمهات بوضع خرزة زرقاء على شكل خميسة في معصم اليد، كما توصي بلف "كيس" من ثوب أسود يحتوي على ملح وشب وحرمل ووضعه في سريره.




وفي هذا الصدد تقول رقية (43 عاماً) وهي أم لثلاثة صبية، اعتادت على معالجتهم بهذا الشكل، "الطبيب لا يمكنه أن يدرك كل الأمراض، خاصة تلك المرتبطة بالأعمال السحرية، فضلاً عن التكلفة المادية التي يتطلبها، وقد لا يجدي علاجه نفعاً، لهذا أفضل أن أداوي أبنائي عند "الرباكة" التي هي في العموم امرأة لم تنل نصيباً من العلم، لكنْ يداها مباركتان".

رأي تشاطره إياها الشابة ربيعة (25 عاماً) وتقول: "في البداية لم أكن مقتنعة بعمل "الرباكة"، وطالما اعتبرت الأمر ضرباً من ضروب المغامرة غير محسوبة العواقب، لكن عندما اشتد صراخ ابنتي وتغير حجم رأسها، عشت أياماً سوداء، إلى أن أشارت علي إحدى جاراتي بتجربة "بركة" مي تودة، المرأة الصحراوية الذائعة الصيت في حي شعبي قريب من مقر سكناي".

وتضيف لـ "العربي الجديد": "كانت بيضتان ومنديل أبيض وبعض الأعشاب المعروفة كافية لاختفاء الأعراض وشفاء طفلتي في ظرف أسبوع".

وبخلاف هذه النظرة المتفائلة، توضح سعيدة (34 عاماً) أنها كادت تفقد رضيعيها التوأم بسبب "الفراكة" بعدما قامت هذه الأخيرة بإدخال ريشة في فمهما من أجل التقيؤ، مدعية أنها الطريقة المثلى لعلاجهما، غير أن الرضيعين أصيبا بالاختناق، وتغير لون وجههما "كدت أفقدهما لولا أنني أسرعت بهما إلى أقرب مصحة للأطفال".

سعيدة وجهت نصيحة لكل الأمهات بأن لا يثقن في عمل "الفراكة" ولا يسلمن أطفالهن لامرأة لا تفقه شيئاً مقابل 20 درهما.

أجرة "الفراكة" يحددها سخاء الأمهات، ولأن أغلب من يقبل على خدماتها من الطبقة الفقيرة أو المتوسطة، فإن المقابل يتراوح من 10 إلى 30 درهماً في أحسن الأحوال. وتقول مي تودة "هذا عمل لله، وأنا لا أشترط مقابلاً، وكثيراً ما داويت ملائكة الرحمن مجاناً".

يحتل الاعتقاد بالقوة الخارقة لـ" الرباكة" في التراث الشعبي أهمية خاصة لانتشاره الواسع بين مختلف فئات وشرائح المجتمع خاصة الفئات المسحوقة، كما يقول الباحث السوسيولوجي إبراهيم الحمداوي، و يدخل هذا النوع من العلاج في إطار الطب الشعبي البديل الذي تلجـأ إليه الأسر ذات الدخل الضعيف والمتوسط  في غياب ثقافة العلاج، أو عدم القدرة اقتناء الوصفات والأدوية التي تثقل كاهل الأسرة.

ومن جهة أخرى، يرتبط الأمر "بالبروباغندا" أو الدعاية التي تمارسها بعض النسوة بأن الطب لا ينفع في علاج مثل هذه العلل، يضيف المتحدث.

وتحذر الدكتورة برادة مريم، اختصاصية في طب الأطفال من مخاطر هذا التطبيب العشوائي، متسائلة كيف لهؤلاء الأمهات أن يسلمن فلذات أكبادهن لسيدات لا تفقهن شيئا في الطب ولا في طرق وأساليب العلاج، وهل يعقل أن نحدد نوع الإصابات دون صور ولا إشعاعات ونلجأ إلى تلطيخ الرضيع بالأعشاب التي قد يكون لها تأثير عليه، وقد تحول أيضا دون نموه الطبيعي. وتدعو إلى محاربة هذه الظاهرة لخطورتها على أجيال المستقبل وكونها تشجع على انتشار الفكر الخرافي.



المساهمون