لم تغادر الكثير من الصعوبات المعيشية، المواطنين في تونس، رغم مرور نحو تسع سنوات على الثورة، التي أطاحت نظام الرئيس زين العابدين بن علي، فلا تزال الدولة، التي حققت نجاحات سياسية، بتداول ديمقراطي للسلطة، تشهد بين الحين والآخر احتجاجات مطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية والتشغيل، ما يثير قلق خبراء اقتصاد، من إمكانية تجدد الغضب الشعبي حال استمرار هذه الصعوبات.
وقال رمضان بن عمر، رئيس منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس لـ"العربي الجديد" إن الحكومات المتعاقبة على مدار السنوات التي تلت الثورة مطلع 2011، لم توفق في إخراج البلاد من أزماتها، وإيلاء العناية اللازمة للقطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والنقل، مضيفا أن الاحتجاج والخروج للشوارع ما يزال الملجأ الطبيعي للمواطنين في المناطق الضعيفة (الفقيرة) والقطاعات المعرضة للتهميش.
ووفق رصد حديث أجراه المنتدى، فإن تونس شهدت 1986 تحركاً احتجاجيا خلال الربع الثالث من العام الجاري 2019 (يوليو/تموز حتى نهاية سبتمبر/أيلول)، مقابل 1789 تحركا احتجاجيا خلال نفس الفترة من العام الماضي. وتظل محافظة القيروان وسط غرب تونس، الأكثر تسجيلا للاحتجاجات، تليها محافظة قفصة (جنوب غرب)، الأمر الذي يرجعه محللون إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر في المناطق الجنوبية من البلاد، ما يستدعي اهتماما حكوميا أكبر بهذه المناطق.
وقال بلحسن الزمني، الخبير الاقتصادي: "الحراك الاجتماعي يظل كالنار تحت الرماد، التي يمكن أن تطفو على السطح في أي وقت، بسبب حالة الإنهاك المعيشي التي بلغها التونسيون، وتراجع قدراتهم الشرائية، فضلا عن بقاء البطالة في مستويات مرتفعة".
وأضاف الزمني، أن "الحكومة القادمة مطالبة بمعالجة المشاكل الرئيسية، التي تثير غضب التونسيين، وعليها أن تحقق آمالهم في عيش أحسن حتى تتجنب الخروج إلى الشوارع مجددا".
وخلال السنوات الثلاث الماضية سجل التضخم في تونس معدلات قياسية لم تعرفها البلاد منذ عام 1989، حيث وصل في يونيو/حزيران الماضي إلى 7.8 بالمائة، وبلغت نسبة البطالة 15.2 بالمائة، مقارنة بنحو 12 بالمائة في 2010، وفق البيانات الرسمية.
ورفعت الحكومة في مارس/آذار الماضي أسعار البنزين للمرة الخامسة في نحو عام، وشهدت البلاد احتجاجات متفرقة في السنوات الأخيرة، من بينها إضرابان عامان شنهما الاتحاد العام التونسي للشغل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 ويناير/كانون الثاني 2019، احتجاجا على تجميد أجور موظفي القطاع الحكومي.
ولم يحمل مشروع قانون المالية (الموازنة) للعام القادم، بشائر تدل على إمكانية تحسن الوضع المعيشي على المدى القريب حيث تواصل الحكومة للعام الثالث على التوالي تجميد التوظيف في القطاع الحكومي، مكتفية بانتدابات محدودة لصالح بعض القطاعات (الأمن والتعليم).
كما تتجه الحكومة إلى إقرار زيادات جديدة في أسعار المحروقات، في إطار خطة خفض دعم الطاقة، التي دعا إليها صندوق النقد الدولي، وفق ما ورد في مشروع قانون الموازنة، الذي تمت إحالته مؤخرا إلى البرلمان للمصادقة عليه، والذي كشف عن رصد نحو 657 مليون دولار لدعم المحروقات، بانخفاض يناهز 230 مليون دولار عن المقدر للعام الجاري والبالغ 887 مليون دولار.