اتسعت دائرة الغضب الشعبي في العراق، لتمتد إلى إغلاق منشآت نفطية ومنافذ حدودية جديدة، في تصعيد للتظاهرات الساخطة من الفساد وتردي الظروف المعيشية في البلد الغني بالنفط.
وأغلق مئات المتظاهرين مصفاة "الشنافية" النفطية جنوبي محافظة الديوانية (جنوب البلاد) ومنعوا صهاريج نقل المشتقات النفطية من الدخول والخروج من وإلى المصفاة، وفق ما نقلت وكالة الأناضول، اليوم الثلاثاء عن مصدر أمني.
وتشهد محافظة الديوانية احتجاجات متواصلة كباقي محافظات وسط وجنوب البلاد، إذ أغلق متظاهرون، يوم الاثنين الماضي، غالبية المؤسسات الحكومية في الديوانية، ومنعوا الموظفين من الالتحاق بوظائفهم.
كما أغلق محتجون، منفذ سفوان البري الرابط بين دولة الكويت ومحافظة البصرة جنوب العراق، فيما قال متظاهرون إنهم استعادوا السيطرة على ميناء أم قصر في المحافظة ذاتها بعد ساعات من سيطرة قوات الجيش عليه. وأغلق المعتصمون الميناء منذ الأربعاء الماضي.
ويوم الأحد الماضي، أقدم متظاهرون في محافظة البصرة على قطع طرق رئيسية مؤدية إلى مواني أم قصر (تجاري)، وخور الزبير (صناعي) وأبو فلوس (مخصص لاستقبال البضائع العامة)، ومعمل الأسمدة ومرفأ الغاز السائل ومحطة الكهرباء الغازية. وفي محافظة ميسان (شرق) قطع المتظاهرون طرقاً مؤدية إلى الحقول النفطية، وإلى المنفذ الحدودي البري بين العراق وإيران.
ويشهد العراق، منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول، موجة احتجاجات متصاعدة مناهضة للحكومة هي الثانية من نوعها بعد أخرى سبقتها بنحو أسبوعين. وكان المحتجون قد طالبوا في بداية التظاهرات بتحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص عمل، ومكافحة الفساد المستشري في أجهزة الدولة المختلفة، قبل أن يرفعوا سقف مطالبهم إلى إسقاط الحكومة، إثر استخدام الجيش وقوات الأمن العنف المفرط بحقهم، وهو ما أقرت به الحكومة، ووعدت بمحاسبة المسؤولين عنه.
لكن التظاهرات أخذت في الأيام الأخيرة منحى جديداً عبر قطع الطرق الرئيسية المؤدية إلى عدد من حقول النفط والموانئ والمنافذ البرية، لاسيما مع إيران. وتقول الحكومة العراقية إن استمرار إغلاق منشآت الطاقة والمنافذ والموانئ، يتسبب في خسائر مالية تقدر بالمليارات.
وقال محمد عدنان التميمي، وهو أستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة حاولت على مدى الأسابيع الماضية إبعاد التظاهرات عن حقول ومصاف النفط والمنافذ الحدودية، لكن بوصولهم إليها يمكن اعتبار أن رقعة التظاهرات توسعت وبنفس الوقت صار الضغط أكبر على الحكومة".
وأضاف التميمي أن "أغلب حقول ومصافي النفط واقعة في مناطق نفوذ قبلي وعشائري ناقم على الحكومة، وهذا الأمر قد يهدد بتظاهرات وعرقلة أطول في قطاع النفط سواء الإنتاج أو التصدير أو التكرير". ويصدر العراق نحو 90 في المائة من نفطه عبر موانئ البصرة على الخليج العربي، التي توجد فيها أيضا ثلاثة موانئ تجارية مهمة.
وتابع التميمي أن العراق قد يتعرض إلى خسائر معنوية أكثر من المادية، فالجيش تحرك لفتح الطرق بالقوة وحتى إن نجح، فإن الأثر الذي سيتركه في نفوس الشركات الغربية العاملة أو تلك التي تخطط للدخول في فرص استثمارية بالجنوب ستتردد وهو الحال نفسه بالنسبة لشركات غربية تستثمر بمجال الطاقة والإسكان.
بدوره، قال علي الفتلاوي، عضو مجلس محافظة البصرة لـ"العربي الجديد"، إن المتظاهرين أعاقوا الحركة على المعبر البري بين العراق والكويت.
واعتبر صباح الطائي، الخبير الاقتصادي، في حديث لـ"العربي الجديد" أن التطورات الحالية قد تكون غطاء أو ذريعة للحكومة بتوسعة نطاق قمع التظاهرات على أنها تعيق التجارة وتصدير النفط.
وأضاف "من المؤكد أن لها تأثيرات بالوقت الحالي، لكن هل فكر البرلمان والأحزاب عندما أقروا نحو 80 يوماً كعطل بمناسبات أغلبها دينية بالسنة أنها خسائر على البلاد أيضا أم أن المتظاهرين ورميهم بعض الحجارة وإشعال الإطارات هي فقط خسارة على البلاد".
وتابع أن المتظاهرين علموا بأن ورقة الاقتصاد تؤثر على الحكومة أكثر من وقوفهم أمام المباني الحكومية أو المنطقة الخضراء، لذا توجهوا لهذا الخيار للضغط وإجبار الحكومة على الاستقالة والتعاطي مع المطالب المشروعة.
في المقابل، حمل رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، المتظاهرين مسؤولية تأجيل معرض بغداد الدولي بسبب الأوضاع الحالية، التي اعتبر أنها أدت أيضا إلى تأخر الحكومة في تقديم موازنة العام المقبل 2020.
وقال إن "تهديد المصالح النفطية وقطع البعض الطرق عن موانئ العراق يتسبب في خسائر كبيرة تتجاوز المليارات، ويؤخر وصول البضائع، وهذا وغيره يرفع الأسعار التي يدفع ثمنها المواطنون كافة والفقراء خاصة، ويعطل توفير فرص العمل ونمو الاقتصاد، ويعرض المرضى للخطر بسبب إغلاق العيادات الطبية وعرقلة حركة سيارات الإسعاف".