قبل نحو سنة، شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب حرباً جمركية عالمية، مستهدفاً أساساً الصين ثم الاتحاد الأوروبي، في محاولة للجم العجز التجاري مع هذين العملاقين، لكن الأرقام جاءت لتثبت أن الاقتصاد الأميركي هو أول الخاسرين بعد كل هذا العناء.
فمع مطلع الأسبوع الجاري، أظهر مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي (يوروستات)، اليوم الإثنين، ارتفاع الفائض في تجارة الاتحاد مع الولايات المتحدة زاد، مقابل تفاقم العجز في تجارة الاتحاد مع الصين في يناير/ كانون الثاني، ما قد يؤجج بحسب "رويترز"، منازعات تجارية بين أكبر اقتصادات في العالم.
الإحصاءات بيّنت أن فائض التجارة السلعية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ارتفع إلى 11.5 مليار يورو (13 مليار دولار) في يناير/ كانون الثاني، من 10.1 مليارات قبل عام. أما مع الصين، فقد ازداد عجز الاتحاد التجاري إلى 21.4 مليار يورو صعوداً من 20.8 ملياراً قبل عام. (الدولار= 0.8818 يورو)
بالإجمال، بلغ عجز التجارة السلعية للاتحاد الأوروبي 24.9 مليار يورو في يناير/ كانون الثاني، صعوداً من 21.9 ملياراً في يناير/ كانون الثاني 2018. أما بالنسبة لمنطقة اليورو، فقد انخفض الفائض التجاري إلى 1.5 مليار يورو نزولاً من 3.1 مليارات.
والفائض التجاري لمصلحة الصين مصدر توتر متكرر مع الاتحاد الأوروبي، دفعه إلى اتخاذ موقف متشدّد تجاه بكين، إذ وضع مثلاً خطة من 10 نقاط لتحقيق توازن في العلاقات الاقتصادية ودفع الصين نحو الانفتاح.
والجمعة الماضي، أظهرت دراسة أعدّها فريق من الخبراء الاقتصاديين في جامعات أميركية بارزة، أن معارك ترامب كلفت الاقتصاد الأميركي 7.8 مليارات دولار كفاقد للناتج المحلي الإجمالي عام 2018.
مُعدّو الدراسة أوضحوا أنهم حللوا التأثير القصير الأجل للإجراءات التي اتخذها ترامب، فوجدوا أن الواردات من الدول المستهدفة هبطت 31.5%، بينما تراجعت الصادرات الأميركية المستهدفة 11%، كما وجدوا أن مجمل الخسائر السنوية للمستهلكين والمنتجين من ارتفاع تكاليف الواردات، بلغ 68.8 مليار دولار.
ولم تُفلح زيادة الرسوم الجمركية في تحقيق أهدافها المعلنة، إذ أعلنت وزارة التجارة الأميركية في السادس من الشهر الجاري، أن العجز التجاري ارتفع إلى أعلى مستوى منذ 10 سنوات مسجلاً 621 مليار دولار، رغم تدابير ترامب الحمائية، إذ سجلت الولايات المتحدة أرقاماً قياسية في حجم وارداتها من الصين والمكسيك والاتحاد الأوروبي.
وفي التفاصيل، أن العجز في السلع والخدمات بلغ 621 مليار دولار، بزيادة 12.5%، إذ حققت الصادرات حجماً قياسياً أيضاً بلغ 2500 مليار دولار بزيادة 6.3%، فيما وصلت الواردات إلى مستوى قياسي عند 3121 مليار دولار، بزيادة أكبر قليلاً بلغت 7.5%.
مفاوضات تجارية
يتناوب المسؤولون الأميركيون والصينيون على تأكيد أن المفاوضات التجارية بينهما تسير على ما يُرام، لتبقى التصريحات الإيجابية في دائرة "نظرية" لم تنعكس واقعاً، إذ إن تعثر المحادثات، بخاصة حول حماية حقوق الملكية الفكرية، أطاح قمة كانت مرتقبة لتوقيع اتفاق نهائي شامل أواخر مارس/ آذار الجاري بين ترامب ونظيره الصين شي جين بينغ.
والخميس، مع أن وزير الخزانة الأميركي قال إنه راض عن التقدم المحقق في المحادثات مع الصين، فقد أكد أن قمة ترامب - شي لن تُعقد نهاية الشهر الجاري بسبب الحاجة إلى إنجاز مزيد من العمل في المحادثات التجارية، وذلك عقب يوم واحد من إعلان ترامب الأربعاء، أنه ليس أبداً "في عجلة من أمره" لإبرام اتفاق تجاري مع الصين، مشدّداً على أنه يريد "اتفاقاً جيّداً" قبل كلّ شيء.
وأجرى كبار المفاوضين الأميركيّين والصينيّين محادثات هاتفيّة الثلاثاء الماضي، لمناقشة الخطوات التالية في المحادثات التجارية، وفق ما ذكرت وسائل إعلام رسمية صينية، فيما يُثير النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة، الذي شهد تبادل فرض رسوم كبيرة على بضائع بأكثر من 360 مليار دولار، توتراً في الأسواق منذ أشهر.
غزل أميركي لبريطانيا
كان ترامب أكد الخميس وجود إمكانية "لا محدودة" لإبرام اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في وقت يواجه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) أزمة في البرلمان البريطاني، وقال عبر "تويتر": "حكومتي جاهزة للتفاوض على اتفاق تجاري كبير مع المملكة المتحدة. الإمكانية لا محدودة".
وينتظر أنصار "بريكست" بفارغ الصبر، إبرام اتفاق تجاري بين بريطانيا والولايات المتحدة بعد وقت قصير من انسحاب لندن من الاتحاد الأوروبي.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، اعتبر ترامب أن رئيسة الوزراء تيريزا ماي، أخطأت بتوقيعها اتفاقاً قد يعرقل التوصل إلى اتفاق تجاري بين لندن وواشنطن مستقبلاً. وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "ذي صن" في أول زيارة رسمية أجراها إلى بريطانيا، قال ترامب إنه سيتفاوض مع بروكسل بشكل "مختلف للغاية"، لتكشف ماي لاحقاً أن ترامب نصحها بملاحقة الاتحاد الأوروبي قضائياً.
وقد عجز أعضاء البرلمان الأوروبي، الخميس الفائت، عن تبني موقف مشترك إزاء التوصية ببدء محادثات تجارية مع الولايات المتحدة، ومنيت بذلك المفوضية الأوروبية بهزيمة في هذا الملف الحسّاس.
ورفض البرلمان الأوروبي "التقرير حول معرفة ما إن كان يجب التوصية ببدء محادثات تجارية مع الولايات المتحدة"، لكن "ليس هناك أي موقف من البرلمان الأوروبي في هذا الخصوص"، كما قال مكتبه الإعلامي بعد التصويت.
جاء ذلك في ما يسعى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منذ أشهر، للتوصل إلى اتفاق تجاري أعلنه نهاية يوليو/ تموز كُل من ترامب ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، من خلال التفاوض بشأن اتفاق تجاري محدود بالسلع الصناعية.
وسمح هذا الإعلان بخفض التوتر بين الجانبين، في وقت كان ترامب يهدد بفرض رسوم كبيرة على صناعة السيارات الأوروبية. لكن التوتر تصاعد منذ تلقي ترامب في 20 فبراير/ شباط تقرير وزارة التجارة حول صناعة السيارات الذي لا يزال سرّياً.
وبعد أيام من التقرير، قال ترامب: "في حال لم نتوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، فسنفرض رسوماً جمركية" على السيارات، في سياسة حمائية لم تثبت جدواها حتى الآن، بل أثبتت على ذلك تعمّقاً أكبر للعجز التجاري الأميركي في كافة الاتجاهات.