استمع إلى الملخص
- التحديات والانتقادات: يواجه التحول انتقادات بسبب مخاوف من تآكل قيمة الدعم نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار، مما قد يزيد الفقر ويؤثر على تلبية الاحتياجات الأساسية.
- الدعم النقدي كحل اقتصادي: يدعم بعض الاقتصاديين التحول لتقليل الفساد والهدر، معتبرين أنه يمكن أن يحسن الاقتصاد والخدمات العامة، بشرط توجيهه بشكل صحيح للمستحقين.
بين الدعم النقدي والدعم العيني، بدأت جلسات الحوار الوطني مناقشات مفتوحة حول حوار حسمت الحكومة المصرية مصيره مسبقاً، بإعلان رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، مطلع الأسبوع عن رغبة الحكومة بوقف الدعم العيني على مرحلتين، اعتباراً من يوليو/ تموز 2025.
يأتي الحوار في وقت بدأت فيه الحكومة إزالة ملايين المصريين من قوائم المستحقين للدعم، تحت دعاوى مختلفة، مستهدفة إزاحة 40 مليون مواطن من بطاقات الدعم السلعي كالزيت والسكر، ليصل عدد المستحقين إلى نحو 20 مليون مواطن، وخفض عدد المستفيدين من بطاقات دعم الخبز من 72 مليوناً إلى 30 مليوناً بحلول عام 2026 بالتوازي مع بداية التخلص من دعم المواد البترولية، ورفع شرائح استهلاك الكهرباء، لتصل إلى سعر التكلفة الاقتصادية، المقرر تنفيذها ديسمبر/ كانون الأول 2025.
التخطيط لإلغاء الدعم
تتعدد الرؤى بين الاقتصاديين والسياسيين المؤيدين لإلغاء الدعم بقدر اتساع الهوة حول أرقام الدعم العديدة التي تصدر من قيادات برلمانية وحكومية والوزارات المعنية بالدولة.
تتولى الصحف والقنوات الرسمية المدارة عبر أجهزة الدولة، حوارات معنية بالترويج لفكرة إلغاء الدعم، عبر أصوات تعتبر التوجه خريطة طريق لإنقاذ اقتصاد الدولة، و"تعزيز مصلحة المواطن" في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وضرورة لتحسين خدمات الصحة والتعليم، و"انتصاراً لكرامة المستفيد" يحقق العدالة الاجتماعية.
يتهم التيار الداعم للحكومة النواب والسياسيين الرافضين لوقف الدعم النقدي بأنهم أصحاب مصالح. يبحت المتحدثون في الحوار الوطني وداخل البرلمان منذ أشهر، عن سبل تمنع الفساد عند توزيع ما تبقى من الدعم العيني، وضمانات عدم صعود معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، وسبل توفير السلع وضبط الأسواق وعدم الممارسة الاحتكارية، وتقديم دعم مالي يكافئ الزيادة بمعدلات التضخم.
الحد من الفساد والهدر
حسب مصادر في الحوار الوطني لـ"العربي الجديد"، تبادل المتحاورون في مناقشات مطولة، مزايا الدعم النقدي وسبل توصيل الدعم لمستحقيه، والحد من الهدر والفساد والاستهلاك ومنح حرية المستهلك في اختيار السلع التي يحتاجها، ومحاسبة المخالفين، مركزين على عيوب الدعم العيني التي تدفع بسلع الدعم عبر مسارات بديلة للمستحقين، وعدم كفايته لتحقيق احتياجات الأسر وسهولة تهريب السلع من سلاسل الإمداد.
يبحث المتحمسون للدعم النقدي عن منهجية لإدارة منظومة الدعم، وإدارتها والرقابة عليها وطرق توصيلها للفئات المستحقة، وتجارب الدول التي نجحت في تحويل الدعم السلعي إلى نقدي كلياً أو جزئياً مثل البرازيل والمكسيك وإندونيسيا وأوروبا، بينما سبق سيف الحكومة العذل، حيث ستحيل مشروعها إلى البرلمان في مارس/ آذار 2025، تمهيداً لإقراره في مناقشات مجلسي النواب والشيوخ للموازنة العامة مطلع إبريل/ نيسان 2025، وفقاً لاتفاق مسبق مع صندوق النقد الدولي أقره الطرفان في مارس/ آذار 2024.
مرحلتان لتنفيذ الخطة
جاء حسم رئيس الوزراء مصطفى مدبولي موقف الحكومة من الدعم، بقوله في تصريحات صحافية مطلع الأسبوع، إنه لا سبيل للدولة سوى التوجه للدعم النقدي، معبراً عن أمله أن يطبق العام المقبل 2025. ودارت مناقشات يديرها الحوار الوطني حول تفاصيل كيفية تنفيذ وتوصيل الدعم العيني للمواطنين.
تخطط الحكومة لإلغاء الدعم العيني على مرحلتين، بالمخالفة لتعليمات صندوق النقد التي تقضي بوقف الدعم العيني تماماً مع بداية موازنة 2025-2026 يوليو/ تموز المقبل. تسعى الحكومة إلى استبعاد دعم السكر والزيت على البطاقات التموينية، اعتباراً من يوليو 2025، مقابل منح الأسر دعماً نقدياً على بطاقة مسبقة الدفع تستعمل في شراء السلع بأسعار مخفضة من متاجر التجزئة والجمعيات الاستهلاكية التي تحددها.
سربت الحكومة أرقاماً حول قيمة الدعم المقترحة، تشمل حصول الأسرة المكونة من فردين على دعم نقدي قيمته 500 جنيه، لثلاثة أفراد 750 جنيهاً، والمكونة من أربعة أفراد 1250 جنيهاً (الدولار = 48.5 جنيهاً)، وما يزيد عن ذلك العدد لن يحصل على أي دعم، الأمر الذي اعتبره برلمانيون مخالفة دستورية خطيرة، حيث تسقط الحكومة الأسر كبيرة العدد التي يقع أغلبها ضمن الشرائح الاجتماعية الفقيرة، من حقها في الحصول على رعاية الدولة. وتنوي الحكومة فرض زيادة تدريجية بقيمة الدعم بما يتوافق مع معدلات التضخم الرسمية.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، مؤخراً، أن معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن ارتفع إلى 26.2% في أغسطس/ آب الماضي من 25.7% في يوليو/ تموز الماضي. وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار 2.1% في أغسطس من 0.4% في يوليو. وعادت وتيرة الزيادة في أسعار المواد الغذائية إلى التسارع بارتفاع بلغ 1.8% الشهر الماضي، بعد أن تباطأت في الشهر السابق إلى زيادة بلغت 0.3%.
ووقعت مصر في مارس حزمة دعم مالي قيمتها ثمانية مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي الذي اشترط تقليص الدعم، وبالتالي زيادة أسعار عدد كبير من المنتجات المحلية.
معارضة شديدة
يكشف منسق عام الحركة المدنية الديمقراطية، رئيس لجنة الدين العام بالحوار الوطني المستقيل مؤخراً، طلعت خليل، عن سعي الحكومة الدائب على مدار السنوات الثلاث الماضية، لوقف الدعم السلعي، بتمرير الأمر عبر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، مؤكداً أن الطرح قوبل بمعارضة شديدة من أغلب النواب الذين استفزتهم رغبة الحكومة في التخلص من أعباء الدعم العيني، دون إصلاح منظومة الفساد التي تحكمه أو ضمانات كافية لتوصل الدعم لمستحقيه.
يقول خليل لـ"العربي الجديد" إن أغلب السلع الغذائية المدرجة في الدعم العيني، والتي تشمل الزيوت والخبز، تأتي من الخارج، بما يرهن أسعارها بتغيرات الأسعار العالمية، وتذبذب سعر الدولار مقابل الجنيه المتراجع دائماً أمام العملات الرئيسية، مدفوعاً بالسياسات الاقتصادية الخاطئة للحكومة.
يشير خليل إلى أن هذه التغيرات في الأسعار تعني التآكل المستمر بقيمة الدعم، خاصة أنها في اتجاه صعودي متواصل، وفي حالة التزام الحكومة برفع قيمة الدعم النقدي بما يوازي الارتفاع بمعدلات التضخم، لن يتمكن المواطن البسيط من توجيه الأموال التي يحصل عليها من أجل شراء الخبز أو الزيوت والسكر والأرز، واستغلال تلك الأموال في تدبير احتياجاته المعيشية التي تحافظ على بقاء حياته، وإنما ستوجه للنفقات الطارئة، التي تحيط به من كل جانب.
يؤكد خليل أن فلسفة الدعم العيني هي توفير الحد الأدنى من السلع التي تقي المواطن العوز والحد من الفاقة، وحفاظ الدولة على حياته، وهو أمر دستوري، ومقدس لدى كافة الدول، وفي الحالة المصرية، استخدم أثناء الحرب العالمية الأولى وما بعدها، لضمان توفير السلع والحد من الغلاء.
تهرب حكومي
يتهم خليل الحكومة بأنها تتهرب من دفع فاتورة الدعم السلعي، عبر مقترحات بتقديم دعم نقدي سيتعرض لتناقص قيمته أمام الزيادة المستمرة في أسعار السلع وارتفاع معدلات التضخم، في ظل الارتفاع الهائل بفاتورة الدين العام الذي يمثل 75% من الناتج الوطني، وخدمات الدين الأجنبي، لتلجأ في نهاية المطاف إلى البحث عن ملجأ لتخفيض قيمة الدعم العيني أو التهرب منها تماماً، وتترك المواطنين عرضة لتقلبات الأسعار ونقص السلع، ومجموعات الاحتكار التي يقودها موردون ومنتجون لم تستطع الحكومة الحد من تغولهم في السيطرة على الأسواق.
يقود رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، فخري الفقي، ترويج الدعم النقدي بدلاً من العيني داخل البرلمان والحوار الوطني، بالتوازي مع حملات تتولاها أجهزة الإعلام، مبرراً ذلك بأن الدعم العيني لا يصل إلى مستحقيه، وأن توجه البنك المركزي لخفض معدلات التضخم، من مستوى 40% عام 2023 إلى 26% في سبتمبر/ أيلول الماضي، ورغبته في النزول به إلى رقم أحادي قبل نهاية 2025، سيساهمان في تخفيض الضغط عن محدودي ومتوسطي الدخل.
يرى الفقي أن دعم الرغيف والسلع التموينية يقدر بنحو 134 مليار جنيه، والموجه للطاقة يتزايد سنوياً، ليصل إلى 154.5 مليار جنيه العام المالي 2024-2025، بالإضافة إلى 2.5 مليار جنيه دعم شرائح الكهرباء للشرائح الدنيا، عبر الدعم التبادلي من أصحاب الشرائح العليا مستهلكي الكهرباء، لتبلغ مساهمة الموازنة العامة 500 مليار جنيه، مشدداً على أهمية تحويل هذه الأموال إلى دعم عيني يوزع عبر زيادة في المرتبات والمعاشات والحد الأدنى للأجور، وزيادة حد الإعفاء الضريبي والعلاج على نفقة الدولة.
السلع والوقود
يساند رئيس لجنة الاستثمار بالحوار الوطني، سمير صبري، التحول من الدعم العيني إلى النقدي على مراحل تبدأ بالسلع التموينية كالزيت والسكر ثم المواد البترولية، على أن يأتي الخبز في نهاية القضاء على منظومة الدعم العيني، زاعماً أن إلغاء الدعم العيني يغلق باب الهدر والفساد وضياع الأموال والسلع بين سلاسل الإمداد والتخزين.
تختلف أرقام الدعم المنصرفة من الموازنة العامة، التي يذكرها صبري عن أرقام الفقي، حيث أكد في جلسات الحوار منذ يومين أن نفقات الدعم العيني تبلغ 636 مليار جنيه، تمثل 17% من حجم الناتج المحلي، مفضلاً توجيه هذه المبالغ لتوفير فرص عمل حقيقية، وتحفيز أصحاب المشروعات المتوسطة ودمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي، بما يزيد من إيرادات الموازنة العامة للدولة، ويخفض معدلات الدين العام (يمثل الدين العام نحو 88.2% من إجمالي الناتج المحلي، ويبلغ العجز بالموازنة 7.2% العام الجاري).
وعدت الحكومة بمد الحوار حول الدعم إلى داخل النقابات المهنية والعمالية والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني. لم يتحول الوعد إلى أرض الواقع رغم مرور عام على إطلاقه، وتقديم عدد من الأحزاب رؤى مختلفة لما تراه الحكومة، عبر الصحف المملوكة لها، لحرص الحكومة على تمرير التحول إلى الدعم النقدي، على وجه السرعة.