3 سنوات على افتتاح تفريعة قناة السويس... هذه تكاليف الفرص الضائعة

القاهرة

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
05 اغسطس 2018
C85B87EB-0E13-4AD6-BF4D-BB709CCB763D
+ الخط -
مرت ثلاث سنوات منذ قيام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بافتتاح التفريعة الجديدة أو السابعة لقناة السويس، التي وصفها بأنها قناة جديدة سترفع إيرادات القناة في أقل تقدير إلى 13.2 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2023 بدلاً من 5 مليارات دولار التي تدور حولها إيرادات القناة منذ سنوات عدة.

وقناة السويس هي أحد ممرات الملاحة في العالم التي تساعد في توفير الوقت على رحلات التجارة بين الشرق والغرب، إذ تصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط وهما يمثلان طريقاً مهماً للتجارة بين آسيا وأوروبا، شارك في حفرها حتى افتتاحها أمام الملاحة العالمية عام 1869 نحو مليون مصري من أصل 4.5 ملايين هم تعداد مصر في ذلك الوقت، بينما يبلغ عدد العاملين بها حاليا نحو 25 ألف مصري.

وتختصر القناة التي يبلغ طولها 192 كيلومتراً (120 ميلاً) زمن الرحلة بين آسيا وأوروبا بنحو 15 يوماً في المتوسط، وتنقل نحو 8% من حجم التجارة الدولية.

وقامت الحكومة المصرية بشق تفريعة جديدة في أغسطس/ آب 2015 بطول 34 كيلومتراً وتعميق القناة الرئيسية، وذلك بهدف تقليص الفترة الزمنية لعبور السفن، إذ تضمّن مشروع التوسعة، الذي يُعرف في مصر باسم مشروع قناة السويس الجديدة، حفر مجرى ملاحي موازٍ للقناة القديمة بطول 35 كيلومتراً وبعرض 317 متراً وبعمق 24 متراً، ليسمح بعبور سفن بغاطس يصل إلى 66 قدماً.

وتضمن المشروع أيضاً توسيع وتعميق تفريعة البحيرات الكبرى بطول نحو 27 كيلومترا، وتفريعة البلاح بطول نحو عشرة كيلومترات، ليصل إجمالي طول مشروع القناة الجديدة إلى 72 كيلومترا.

وشارك حوالي 43 ألف عامل ومهندس في تشييد التفريعة الجديدة، وفقا لرئيس الهيئة إيهاب مميش الذي أكد في حفل افتتاح القناة أن خمس فرق من القوات المسلحة شاركت أيضا.

في سبتمبر/ أيلول عام 2014 جمعت الحكومة عبر شهادات استثمار حوالي 64 مليار جنيه (9 مليارات دولار تقريبا بأسعار ذلك التاريخ)، وقد خصصت المبلغ لأعمال تطوير في القناة من بينها حفر التفريعة التي تكلفت 20 مليار جنيه، ما يعادل 2.785 مليار دولار، بينما لم يعلن عن تكلفة بقية المشروعات/ مثل الكباري والأنفاق الجديدة.

والملاحظ أن الحكومة طرحت شهادات الاستثمار عام 2014 بفائدة أعلى من الموجودة بالبنوك، إذ طرحتها بفائدة 12% مقابل 8.75% في البنوك للودائع قصيرة الأجل و9.25% تقريباً لشهادات الاستثمار، ما أدى إلى عملية سحب كبيرة للمدخرات من البنوك وتحويلها إلى شهادات استثمار، قبل أن تقوم البنوك بعد ذلك بعامين تقريباً، عقب قرار تعويم الجنيه المصري، برفع الفائدة لمعدلات تخطت الـ 20% قبل أن تتراجع حالياً إلى حوالي 17% تقريباً، وهو ما أدى إلى رفع الفائدة على الشهادات في عام 2017 إلى 15.5% التي يستحق سدادها في العام المقبل.

هل حققت التفريعة أهدافها؟


يثور التساؤل بعد ثلاث سنوات على حفر التفريعة و4 سنوات على جمع أموال المصريين حول مدى نجاح التفريعة الجديدة في تحقيق أهدافها بزيادة معدلات دخل القناة السنوي وما تحقق للمواطنين الذين سحبوا مدخراتهم لشراء الشهادات مقابل فائدة مرتفعة.

بالنسبة إلى المكاسب المحققة للقناة فإن التفريعة لم تحدث فارقاً كبيراً حتى الآن، وفي ضوء الإيرادات المتحققة خلال الأعوام الثلاثة الماضية وظروف التجارة العالمية المحيطة التي تتجه للانكماش في ظل توترات التجارة العالمية الحالية.

ووفقاً للأرقام الرسمية فإن الإيرادات المحققة من القناة في السنوات المالية السابقة كانت حوالي 5.25 مليار دولار في العام المالي 2013-2014 و5.37 مليار دولار في العام المالي 2014-2015، وهو العام الذي سبق حفر التفريعة مباشرة والذي سنستخدمه للقياس للمقارنة مع إيرادات السنوات التالية.

وبعد افتتاح التفريعة في أغسطس/ آب 2015 تراجعت الإيرادات إلى 5.13 مليارات دولار في العام المالي (2015 /2016)، ثم تراجعت مرة أخرى إلى 5.01 مليارات دولار في العام المالي (2016 /2017) قبل أن ترتفع إلى 5.585 مليارات دولار للعام المالي (2017-2018).

وتغاير هذه الأرقام الرسمية التصريحات الطموحة للرئيس عبد الفتاح السيسي ولرئيس الهيئة مهاب مميش، سواء قبل بدء تشغيل التفريعة رسمياً أو مع إطلاقها، بل حتى بعد إطلاقها.

ففي عام 2014 أكد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في أغسطس/ آب 2014، أن المشروع سيؤدي إلى ارتفاع إيرادات القناة سنوياً، وصولاً إلى تحقيق 13.2 مليار دولار كل عام ابتداءً من 2023، بل إن وسائل إعلام مصرية بالغت حين قدرت إيرادات القناة بنحو 100 مليار دولار سنوياً.

وفي 16 أغسطس/ آب 2015، بعد أيام قليلة من افتتاح التفريعة، أكد السيسي أن القناة الجديدة "التفريعة" غطت تكاليف حفرها البالغة 20 مليار جنيه وفقاً له.


وفي مايو/ أيار 2016 قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن ما تردد حول قلة إيرادات قناة السويس غير صحيح، مضيفاً: "سمعت حد بيقول إيرادات القناة قلت، لا طبعاً بقولكم لا طبعاً يبقى ده كلام مسؤول".

وقال السيسي في يناير/ كانون الثاني الماضي إن دخل قناة السويس زاد بنسبة 5%، في ظل ظروف التشغيل الحالية، بمعدل 250 مليون دولار عما كان قبل إنشاء القناة الجديدة.

وفي يوليو/ تموز 2018 قال السيسي إن "هناك زيادة تتراوح ما بين 2 و3% إلى 5 % في الإيرادات السنوية للقناة، بما يصل إلى 600 مليون دولار سنوياً، ويعادل 14 مليار جنيه".


وبعيداً عن عدم دقة تحويل قيمة الدولار إلى جنيه (الدولار يعادل 17.8 جنيهاً تقريباً) فإن الرقم بالدولار فيه مبالغة، كما أن نسب الزيادة أيضاً غير صحيحة.

تراجع لا زيادة

الإيرادات المحققة من القناة منذ إطلاق التفريعة تراجعت قياساً إلى دخلها في العام المالي 2014-2015 في العامين التاليين لحفرها، وهما 2015-2016 و2016-2017، وفقا للأرقام الرسمية ولم تحقق إلا زيادة في العام المالي 2017-2018.

وحتى الزيادة الأخيرة، يرى بعضهم أنه تم تحقيقها من بعض التسهيلات التي قدمتها إدارة القناة للوكلاء المعتمدين بدفع مقدم للعبور لشهور مقبلة، مقابل تخفيض الرسوم، وهو الأمر غير المؤكد بعد.

أما الرقم المحقق في العام المالي الأخير المنتهي بنهاية يونيو/ حزيران الماضي فهو يزيد بمقدار 584 مليون دولار تقريبا عن العام السابق له الذي كان منخفضا عن سنة الأساس، بينما يرتفع الرقم عن سنة الأساس بمقدار 215 مليون دولار فقط، وتقل إيرادات القناة بصفة عامة عن الارتفاع التدريجي المستهدف أن يصل عام 2023 إلى 13.2 مليار دولار.

وكان من المستهدف، وفقاً لتصريحات رسمية لمسؤولين في القناة، أن تصل الإيرادات إلى 6.018 مليارات دولار في 2015 و6.787 مليارات دولار في 2016 و7.462 في 2017، على أن تصل إلى 8.206 مليارات دولار في نهاية عام 2018.

وهي الأرقام التي لم يتحقق أي منها في أي عام من الأعوام السابقة، وهو ما يشكك بالتبعة في أن يصل دخل القناة بعد 5 سنوات إلى الرقم المستهدف عام 2023 وهو 13.2 مليار دولار سنويا.

وللتغطية على هذه التراجعات، بدأ مسؤولو القناة بالتوقف عن الإعلان عن إيرادات القناة ثم إعلانها بالجنيه وليس بالدولار، مستغلين في ذلك الزيادات التي طرأت على سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية المصرية بعد حفر القناة التي زادت من 7.18 جنيهات للدولار الواحد في سبتمبر/ أيلول 2014 إلى حوالي 8.8 جنيهات للدولار قبل قرار تعويم الجنيه مباشرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 الذي تضاعف بعد قرار التعويم حتى وصل إلى 20 جنيها تقريبا قبل أن يتراجع ويستقر حول 17.85 جنيها تقريبا.


خسائر اقتصادية

وبحسابات تكلفة الفرص الضائعة، فإن التفريعة الجديدة أدت إلى خسائر تتعلق بالاقتصاد المصري الكلي، فضلاً عن خسائر تتعلق بالأفراد الذي هرولوا نحو شراء شهادات الاستثمار الخاصة بالقناة للاستفادة من معدل الفائدة المرتفع حينها عليه.

بالنسبة للاقتصاد المصري، فإن جمع الدولة لـ64 مليار جنيه من المواطنين خلال 8 أيام تقريبا في سبتمبر/ أيلول 2014 أدى إلى عمليات سحب كبيرة للودائع من البنوك، ما أثر على السيولة وعلى حجم الودائع بالبنوك التي لم يشملها قرار إصدار الشهادات التي بلغت فقط 4 بنوك مسموح لها.

كما أن ميزانية الدولة لم تستفد فعليا من التفريعة الجديدة التي لم تحقق زيادة كبيرة في الإيرادات تعادل ما دفعته الدولة وما ستدفعه لأصحاب الشهادات التي بلغت حصيلتها 64 مليار جنيه بفائدة 12%، ولمدة 5 سنوات قام مالكو ما يعادل 4 مليارات جنيه من الشهادات باسترداد أموالهم بعد عام من شرائها (مضافا إليها 480 مليون جنيه فوائد عن عام واحد)، فتبقى 60 مليار جنيه مطلوب من الخزانة العامة للدولة سدادها العام المقبل، وهو موعد استحقاقها في نهاية أغسطس/ آب 2019.

كما أن الدولة قررت بعد ارتفاع الفائدة في البنوك في مارس/آذار 2017 رفع معدل الفائدة على شهادات الاستثمار إلى 15.5 % للعامين الباقيين من الشهادات. 

 
وهو ما يعني أن الدولة سددت 36% فوائد على الشهادات خلال 3 سنوات ثم 31% خلال عامين بمجموعة 67% فوائد، إضافة إلى أصل المبلغ وهو 60 مليار جنيه.
أي أن خزينة الدولة تكلفت خلال خمس سنوات ما يزيد عن 100 مليار جنيه في الوقت الذي لم تحقق التفريعة الجديدة زيادات كبيرة تذكر إلا الزيادة الطبيعية الناجمة عن تعويم الجنيه ومن ثم فإن الدخل المحقق منها بالدولار تضاعف بالجنيه عند تحويل الإيرادات إلى العملة المحلية.

تكلفة الفرصة الضائعة

أما الخسارة الكبرى فهي تتعلق بالمواطنين الذين هرولوا لشراء شهادات الاستثمار للاستفادة من معدل الفائدة الأعلى من تلك الموجودة بالبنوك في ذلك الوقت واللجوء إلى الشهادات بوصفها أداة ادخار مضمونة ومربحة.

وبحسبة بسيطة لتكلفة الفرصة الضائعة على حائزي الشهادات يتضح ما يلي:

1- بافتراض أن أحد المواطنين اشترى شهادات استثمار بقيمة 10 آلاف جنيه في سبتمبر/أيلول 2014 فإنها ستحقق 1200 جنيه كل عام، بفائدة 12% لمدة 3 أعوام ثم 1550 جنيهاً سنوياً خلال العامين المتبقيين، فيصبح مجموع ما حققته الشهادات 6700 جنيه مصري، بالإضافة إلى أصل المبلغ، ليصبح المجموع 16700 جنيه.

2- نفس المواطن إذا اشترى خلال نفس التوقيت الدولار بسعر 7.18 جنيهات، كان سيحوز على 1392 دولاراً تقريباً، وبافتراض أن المواطن سيشتري الدولار وقام بتخزينه أو إيداعه في البنك بفائدة قليلة (3% تقريباً) ولن يقوم بعمليات بيع وشراء خلال السنوات الخمس، فإنه يستطيع بيعها بسعر السوق الحالي (الدولار = 17.9 جنيهاً تقريباً) بقيمة 24930 جنيهاً، أما إذا باعها في نهاية أغسطس/ آب المقبل، وهو الموعد المستحق للشهادات، وفي ظل توقعات بوصول الدولار إلى 20 جنيهاً فإنه سيحقق 27840 جنيهاً، وذلك كله دون الفوائد على المبلغ بالدولار إذا كان يودعها في أحد البنوك المحلية.

وفي كلا الحالتين فإن المكسب المحقق من شراء وبيع الدولار سيكون أكبر بكثير من الربح المحقق من شهادات قناة السويس.

3- أما اذا اشترى المواطن ذاته بنفس المبلغ في سبتمبر/ أيلول 2014 ذهباً، فسيحوز على 37.8 غراماً تقريباً من الذهب الأكثر انتشاراً وهو عيار 21 بسعر 264.4 جنيهاً بأسعار ذلك الوقت.

وبما أن أسعار الذهب عالمية وترتبط بسعر الدولار، فإن سعر الذهب طرأت عليه زيادات كبيرة منذ تعويم الجنيه ووصل سعره حالياً إلى 608 جنيهات تقريبا، أي بدخل محقق لحائز الذهب يصل إلى 22980 جنيهاً تقريباً، قابلة للارتفاع مع الزيادة المتوقعة للدولار العام المقبل.

4- انخفاض القيمة الحقيقة للجنيه مع ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى 34% في يوليو/ تموز 2017، وفقاً للأرقام الرسمية قبل أن تنخفض إلى 14% في المتوسط حالياً، والمتوقع معاودتها للارتفاع مرة أخرى، في ظل زيادات الوقود والطاقة المتكررة والمستمرة حتى العام المقبل التي ترتبط بها زيادات في غالبية السلع والخدمات.

ويمكن أن يقاس ذلك بما يمكن أن يشتريه هذا المبلغ، سواء عام 2014 وهو الـ10 آلاف جنيه أو حتى بعد تحصيل فوائده كاملة العام المقبل وهو 16700 جنيه تقريباً لعدد من السلع بسعر وقت شراء الشهادات أو وقت استحقاقها.

فمثلاً سعر تذكرة المترو في سبتمبر/ أيلول 2014 كان جنيها واحدا، أي أن المبلغ يشتري 10 آلاف تذكرة تقريبا أو 10 آلاف رحلة بالمترو لاتجاه واحد، أما في عام 2019، وبافتراض عدم زيادة سعر التذكرة الحالية (أغسطس/ آب 2018 مرة أخرى) فإن مبلغ 16700 يستطيع شراء 8350 تذكرة واحد بسعر جنيهين للتذكرة أو 2385 تذكرة لاتجاه واحد إن كان من ركاب المسافات الطويلة، حيث يبلغ سعر التذكرة 7 جنيهات.

ذات صلة

الصورة
Russia and Ukraine

اقتصاد

توقع تحليل أجرته "وحدة المعلومات الاقتصادية" EIU (إيكونوميست) أن يؤدي ما أفضت إليه الحرب الأوكرانية من ارتفاع أسعار النفط والعقوبات ضد روسيا إلى ضربة مالية كبيرة للاقتصاد العالمي، بحيث يتكبد ما لا يقل عن 400 مليار دولار هذا العام، وفقا لرأي خبراء.
الصورة
ميناء جابهار في إيران (الأناضول)

اقتصاد

تزايدت الدعوات الهندية والإيرانية إلى الإسراع في تنفيذ ممر جابهار الإيراني لنقل البضائع الهندية إلى البحر الأسود عبر السكك الحديدية مرورا بالميناء، بدلا من قناة السويس التي واجهت أزمة جنوح سفينة ضخمة عطلت شريان التجارة العالمية الأسبوع الماضي.
الصورة

اقتصاد

أعادت أزمة قناة السويس الحديث عن ممرات بديلة تجنّب الملاحة والتجارة العالمية مشاكل التعطّل وتختصر زمن وتكاليف الشحن، إذ طرحت عدة دول منها روسيا وإيران وإسرائيل ممرات بديلة للقناة قالت إنها تجنّب الملاحة الدولية أزمات تعطّل القناة المصرية.
الصورة
قرصنة

اقتصاد

باتت القرصنة الإلكترونية خطراً يهدد اقتصادات العالم، والتي تتنوّع أشكالها بدءاً من اختراق البريد الشخصي أو القرصنة المصرفية لحسابات مالية، وصولاً للتجسس الاقتصادي للحصول على أسرار علمية أو خطط شركات وأنظمة لتطوير منتجاتها.
المساهمون