البطالة... خطر جديد يهدد الاقتصاد الأميركي

10 يوليو 2024
معدل البطالة بالولايات المتحدة بدأ رحلة الصعود، نيويورك 5 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **التضخم والبطالة**: رغم تراجع التضخم، ارتفعت البطالة في الولايات المتحدة لأعلى مستوياتها منذ 2021، مما يثير قلق الاقتصاديين. جيروم باول، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، أكد أن التضخم لم يعد الخطر الأكبر، مشيرًا إلى "الهدوء" في سوق العمل.

- **تغيرات في سوق العمل**: ارتفع معدل البطالة لثلاثة أشهر متتالية، مع تباطؤ التوظيف في قطاع الترفيه والضيافة. باول أشار إلى أن سوق العمل لم تعد مشتعلة كما كانت، مما كان هدفًا لرفع أسعار الفائدة.

- **التحديات المستقبلية**: تباطأ التضخم إلى 3%، لكن تكاليف المعيشة المرتفعة والحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا تزيد من عدم اليقين الاقتصادي. خفض أسعار الفائدة قبل الانتخابات قد يُتهم بالتدخل السياسي، مما يضع باول وزملاءه أمام قرار صعب.

على مدار سنوات، كان التضخم هو الخطر الأكبر الذي يواجه الاقتصاد الأميركي قبل أن تبرز مشكلة أخرى كتهديد حقيقي مع الإعلان عن بيانات الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة، والتي أظهرت ارتفاع معدل البطالة لأعلى مستوياته منذ عام 2021.

وبينما يستمر التضخم في التراجع، وفقاً لما أكده جيروم باول، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي أمس الثلاثاء ضمن شهادته نصف السنوية أمام لجنة خاصة بمجلس الشيوخ، تومض الأضواء الصفراء في سوق العمل رغم استمرار قوته، الأمر الذي ينذر بخطر كبير على الاقتصاد الأميركي إذا ما أصر البنك الفيدرالي على تأجيل بدء دورة خفض الفائدة المنتظرة. 

وناشد بعض الاقتصاديين بنك الاحتياط الفيدرالي تخفيف حربه ضد التضخم، قبل أن تؤدي سياساته النقدية المتشددة، التي تستخدم لترويض الأسعار المرتفعة، إلى دفع الاقتصاد الأميركي إلى الركود. وقال جو بروسويلاس، كبير الاقتصاديين في RSM للخدمات المالية: "لقد حان الوقت لخفض أسعار الفائدة، فالتضخم يتلاشى باعتباره محور الاهتمام الرئيسي، وبدأ ميزان المخاطر بالميل ببطء نحو ارتفاع معدلات البطالة.

وقال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في وكالة "موديز أناليتيكس" إن سوق العمل يتوتر تحت وطأة تكاليف الاقتراض المرتفعة. وأضاف في حديث عبر الهاتف إلى شبكة سي أن أن الإخبارية: "الخطر الأكبر هو خطأ سياسي، فبنك الاحتياط الفيدرالي أبقى أسعار الفائدة مرتفعة للغاية لفترة طويلة جداً. وفي الوقت الحالي، يشير البنك إلى خفض في سبتمبر/أيلول. أعتقد أن هذا أمر جيد، لكن إذا انتظروا لفترة أطول من ذلك، أخشى أنهم سوف يبالغون في الأمر".

واعترف رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي جيروم باول بتحول كبير في حسابات المخاطر. وقال للمشرعين أمس الثلاثاء: "التضخم المرتفع ليس الخطر الوحيد الذي نواجهه"، مشيرا إلى تراجع التضخم و"الهدوء" في سوق العمل.

الاقتصاد الأميركي وسوق عمل متغيرة

ورغم تسجيل معدل البطالة في أميركا 4.1% الشهر الماضي، للمرة الأولى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لا تبدو سوق العمل في الاقتصاد الأكبر في العالم قريبة من الانهيار بأي حال من الأحوال، حيث تستمر الشركات في خلق الوظائف بوتيرة صحية، وأسرع مما تصوره الكثيرون قبل عام واحد فقط، إلا أن بعض الشقوق بدأت بالظهور تحت السطح.

ولا يزال معدل البطالة منخفضًا تاريخيًا، لكنه ارتفع بشكل ملحوظ لمدة ثلاثة أشهر متتالية، وهو ما اعتبر "علامة على أن سوق العمل قد تتغير"، وفقًا للخبراء الاقتصاديين في شركة KPMG للاستشارات. وقالت الشركة إن قطاع الترفيه والضيافة، وهو قطاع رئيسي مدعوم بالإنفاق الاستهلاكي، تباطأ في التوظيف خلال الفترة الأخيرة، وانخفضت وتيرة ترك العمال لوظائفهم بشكل ملحوظ، وكذلك معدل توظيف العمال.

وسلط باول في شهادته الضوء على هذه التغييرات، وأخبر المشرعين أن المؤشرات الأخيرة "ترسل إشارة واضحة بأن ظروف سوق العمل قد هدأت بشكل كبير" منذ عامين. وقال باول: “لم يعد هذا اقتصادًا مشتعلا”. وبطبيعة الحال، هذا هو بالضبط ما أراد بنك الاحتياط الفيدرالي تحقيقه عندما بدأ حملته التاريخية لرفع أسعار الفائدة، حيث أكد في أكثر من مناسبة استحالة القضاء على التضخم في ظل سوق عمل شديدة الاشتعال، على النحو الذي شهدناه خلال العامين الماضيين.

وتزايدت المخاوف عام 2022 من سخونة سوق العمل، بسبب ما يمثله ذلك من تقوية لاشتعال التضخم، الذي سجل وقتها أعلى مستوياته في أكثر من أربعة عقود. وقال المحللون إن هذه الظاهرة لن يمكن حلها إلا بإدخال الاقتصاد الأميركي في ركود، بصورة متعمدة. لكن الأرقام الأخيرة أكدت أن التضخم المحموم وسوق العمل المشتعلة لم يعودا مصدر القلق الأكبر في الولايات المتحدة.

مزيد من الانتظار؟

ويتمثل الخطر الحالي في قيام بنك الاحتياط الفيدرالي بحقن أدوية مكافحة التضخم في اقتصاد لم يعد في حاجة إليها، الأمر الذي يهدد بتحويل سوق العمل الباردة إلى سوق مجمدة، ويؤدي إلى فقدان المزيد من الوظائف. وأضافت سوق العمل 206 آلاف وظيفة في يونيو، وفقا لأحدث الأرقام الحكومية الصادرة يوم الجمعة. وبعبارة أخرى، الطقس ليس حارًا جدًا، وليس باردًا جدًا، بل إنه "معتدل"، بحسب ما قاله رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي يوم الثلاثاء.

وقال بروسويلاس من RSM إن "سوق العمل المتوازنة مع أسعار الفائدة المقيدة للغاية من بنك الاحتياط الفيدرالي لن تبقى في حالة اتزان لفترة طويلة، وهذا يعني ارتفاع معدلات البطالة". وأوضح بروسويلاس أن هذا لا يعني بالضرورة أن البطالة "المرتفعة بشكل صاروخي" تلوح في الأفق، ولكن قد يحدث ركود سابق لأوانه، مع ذلك، إذا انتظر بنك الاحتياط الفيدرالي وقتًا طويلاً لخفض أسعار الفائدة".

وفي تقرير صدر يوم الاثنين، أشار كين كيم، كبير الاقتصاديين في شركة KPMG، إلى أن معدل البطالة يقترب من تفعيل قاعدة تشير إلى أن الركود قد بدأ عندما ارتفع معدل البطالة بمقدار 0.5 نقطة مئوية أو أكثر فوق المتوسط المتحرك للأشهر الثلاثة الأخيرة. وأشار كيم أيضًا إلى أن قطاع الخدمات، وهو المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد الأميركي خلال السنوات الأخيرة، أظهر فجأة علامات الضعف. وكتب كيم: "لم يعد التضخم مصدر القلق السائد، وبنفس القدر من القلق بالنسبة لمجلس الاحتياط الفيدرالي ينبغي أن يكون احتمال حدوث تدهور حاد في سوق العمل والنشاط الاقتصادي. الهبوط الناعم هو الهدف ولكن الهبوط الصعب يهدد الاقتصاد".

التضخم لم يذهب

وبطبيعة الحال، تظل تكاليف المعيشة المرتفعة مصدر قلق كبير للأميركيين. وعلى الرغم من تباطؤ معدل التضخم بشكل حاد من 9% في يونيو/حزيران 2022، إلى مستويات قريبة من 3% في الوقت الحالي، إلا أن هناك تأثيرًا مؤلمًا متصاعدًا نتيجة لأكثر من عامين من الارتفاعات الحادة في الأسعار، حيث يدفع الأميركيون في البقالة والإيجار والتأمين أكثر بكثير مما كانوا يدفعون قبل ظهور وانتشار فيروس كورونا.

ومن ناحية أخرى، تستمر الحرب في الشرق الأوسط، مما يشكل تهديدا محتملا لإنتاج الطاقة في المنطقة. وينطبق الشيء نفسه على الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تعرضت مصافي النفط في عمق روسيا لهجمات بطائرات بدون طيار، كما تخلق الانتخابات الأميركية المقبلة قدرا كبيرا من عدم اليقين والتعقيدات. ويشعر بعض الاقتصاديين بالقلق من أن الأجندة الاقتصادية للرئيس السابق دونالد ترامب، والتي تشمل التخفيضات الضريبية، وقمع الهجرة، وزيادة الرسوم الجمركية، يمكن لها أن "تشعل" التضخم.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن خفض أسعار الفائدة قبل الانتخابات الأميركية مباشرة قد يتسبب في "اتهام بنك الاحتياط الفيدرالي بدخول المعترك السياسي، وهو مكان لا يريد أن يكون فيه"، كما قال زاندي، الخبير الاقتصادي في وكالة موديز.

التعلم من الماضي

وإذا خفض بنك الاحتياط الفيدرالي أسعار الفائدة قبل الأوان، فقد يؤدي ذلك إلى تحفيز الطلب من المستهلكين والشركات، الأمر الذي قد يقوض كل جهود البنك السابقة، ويساهم في ارتفاع التضخم وزيادة الأمور سوءا. ويواجه باول وزملاؤه قراراً صعباً، وهم لا يريدون تكرار أخطاء الماضي، حين رفع بنك الاحتياط الفيدرالي أسعار الفائدة في السبعينيات، لكنه خفضها بعد ذلك قبل التأكد من إحكام السيطرة على التضخم. وعاود وقتها التضخم ارتفاعه، وأجبر بنك الاحتياط الفيدرالي على اتخاذ خطوات أكثر تشدداً.

وفي الآونة الأخيرة، كان بنك الاحتياط الفيدرالي بقيادة باول بطيئا في مكافحة التضخم، وانتظر لفترة أطول مما ينبغي للاستجابة لارتفاع الأسعار لأن المسؤولين، كما العديد من الاقتصاديين، اعتقدوا أن التضخم كان "مؤقتا"، وسوف يتبدد من تلقاء نفسه. وقال زاندي: "إنهم يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة بسبب ما حدث من قبل. لقد ارتكبوا خطأً في عدم رفع أسعار الفائدة بالسرعة الكافية. والآن يتعرضون لخطر الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة للغاية لفترة طويلة جدًا".

المساهمون