الجمعيات الشهرية... ادخار إجباري للأسر التونسية لمواجهة مواسم الإنفاق

12 يونيو 2017
التوفير العائلي ثقافة اقتصادية لدى الأسر التونسية (Getty)
+ الخط -
بدأت فكرة الجمعيات الشهرية تغزو المجتمع التونسي، في الوقت الذي باتت فيه الكثير من الأسر تبحث عن حلول تجبرهم على توفير بعض الأموال لمجابهة الطوارئ أو مواسم النفقات الإضافية، على غرار العودة المدرسية أو الأعياد وغيرها من المناسبات التي يرتفع فيها الإنفاق.
وأصبحت الجمعيات الشهرية، تلقى قبولا لدى الأسر التي يكون العائل فيها موظفاً، حيث يكون الدخل ثابتاً، بينما الإنفاق لا يعرف الاستقرار.
وتقوم فكرة الجمعية الشهرية على اتفاق بين مجموعة من الأشخاص على دفع مبلغ شهري لمدة معينة، ويحصل المساهمون تباعا على المبلغ الإجمالي الذي يتم جمعه بالتساوي بينهم نهاية كل شهر بالترتيب، ويتم عادة تنظيم دور الأشخاص المشتركين بالقرعة، أو حسب الحاجة، فيما لو وافق الجميع على ذلك، وقد يكون الواحد منهم مشتركاً في أكثر من جمعية.

وتقول مواهب الدريدي، وهي مشتركة في جمعية تضم 10 أشخاص من زملائها في العمل، إنها وشركاءها في الجمعية دأبوا على هذا الصنف من التوفير العائلي منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث يتم تجديد هذا العقد بينهم آليا بمجرد انتهاء الترتيب الذي اتفقوا عليه منذ البداية.
وتبلغ قيمة المساهمة الشهرية لكل مشترك في الجمعية، بحسب ما أكدته مواهب لـ"العربي الجديد"، 100 دينار (41 دولارا)، حيث يكون المبلغ المتحصل عليه لكل من المشتركين العشرة ألف دينار (410 دولارات).
وتعتبر أن هذا المبلغ فقد قيمته بحكم التضخم الذي تشهده البلاد، غير أنه يمكن من خلاله سداد بعض المصاريف الطارئة أو المحددة مسبقا، مشيرة إلى أن الجمعيات الشهرية تجبر المشارك فيها على التوفير، خاصة في ظل تراجع الادخار أو التوفير الطوعي خلال السنوات الأخيرة.
ويعرف الادخار العائلي الذي يمثل ربع الادخار في تونس تراجعاً من سنة إلى أخرى، بسبب تآكل الطبقة الوسطى التي كانت تمثل نحو 80% من المجتمع التونسي، قبل أن تتراجع إلى نحو 67% من المجتمع حالياً، بحسب دراسات محلية.

ويعتبر التوفير العائلي ثقافة اقتصادية لدى الأسر، حيث لا يخلو بيت من دفتر ادخار، سواء لدى المصارف التجارية أو شبكات البريد، غير أن غلاء المعيشة بدد هذه الثقافة التي يجد جزء من التونسيين في الجمعيات الشهرية بديلا لها.
وتقر الدوائر الاقتصادية في البلاد باهتزاز منظومة الادخار الوطني خلال الخمس سنوات الأخيرة، ليتراجع الادخار الوطني بنسبة 12.5%، حسب ما أكّده المستشار الأول لرئيس الجمهورية، رياض شلغوم، في مايو/أيار الماضي.

وتقوم تركيبة الادخار في تونس على ثلاثة مكونات، أولها ادخار الأفراد والعائلات، الذي يستخدم إجمالا لاقتناء العقارات السكنية وتجهيزها، كما يستعمل في أغراض التوظيف المالي، ويمكن أن يتم اكتنازه في بعض الحالات، وهو يشكل ربع الادخار الوطني، فيما يتمثل الصنف الثاني في فوائض ميزانيات المنشآت الحكومية، ويهم الصنف الثالث ادخار المؤسسات.
ويرى الخبير الاقتصادي بلحسن الزمني أن أشكال التوفير البديلة، على غرار الجمعيات الشهرية، تساهم في رفع نسق الاستهلاك مقابل تراجع الادخار المصرفي الممول للاستثمار.
ويقول الزمني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع الاستهلاك في غياب التمويلات الكافية للاستثمار يؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم، وهو ما حصل في تونس.

ويشير إلى أن ادخار الأفراد كان يشكل نسبة هامة من الادخار الوطني، وهو ما جعل تراجع وتآكل المدخرات يؤثر على تمويل الاقتصاد، معتبرا أن ضعف نسب الفائدة لا يشجع على التوفير والادخار، فضلا عن السبب الرئيسي وهو تراجع الطبقة الوسطى وانحدار جزء منها نحو الفقر.
ويرى أن إقبال التونسيين على الجمعيات الشهرية، يرجع إلى تمسك جزء من الطبقة الوسطى ببعض الرفاه المتأتي من التوفير العائلي، لافتا إلى أن هذا السلوك محكوم بثقافة اجتماعية واقتصادية قائمة على اكتناز المال لضمان نوع من الأمان.
ويحمّل خبراء الاقتصاد، المصارف التجارية، جزءاً من تراجع الادخار العائلي، معتبرين أنها لم توفّق بالقدر الكافي في التسويق لأغلب الخدمات الادخارية المستحدثة، مما ولّد عزوفاً لدى عملائها وتأمين أموالهم في حسابات تدر عليهم بعض الأرباح.



المساهمون