تعتبر شريحة واسعة من العراقيين الذين وجدوا أعمالاً لهم في قطاعات خاصة بعيداً عن الوظائف العامة، أن حكومة بلادهم تقف عقبة أمام استمرارية عملهم بسبب سياستها في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية. فحكومة بغداد عمدت إلى قطع الإنترنت لمدة أسبوع كامل، في مواجهة الاحتجاجات الغاضبة التي خرجت مطلع الشهر الحالي للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وتوفير الوظائف ووقف الفساد.
وبعد القطع، عادت الإنترنت ولكن بتغطية ضعيفة، لا تؤمن استمرارية العمل في القطاعات الاقتصادية المعتمدة على سرعة الجيل الثالث من الإنترنت (3G).
وتعرضت شركات عديدة تعتمد على التعامل مع الزبائن عبر التطبيقات الإلكترونية للضرر والخسائر، علماً أن ميزة عدد كبير من هذه الشركات أنها مشاريع انطلقت بمبادرات فردية لتقديم خدمة التوصيل إضافة إلى التسويق الإلكتروني. وذلك إضافة إلى الشركات التي تشغل آلاف العاطلين عن العمل، وتعتبر تطبيقات سيارة الأجرة "كريم" و"أوبر" من أبرزها.
علي النداوي، هو أحد المتضررين، يقول لـ"العربي الجديد" إنه يشعر بالغضب تجاه حكومة بلاده؛ حيث منعه قطع شبكة الإنترنت، من مواصلة عمله. النداوي الذي يدرس القانون في جامعة أهلية، يعمل سائقاً لما يقرب من خمس ساعات يومياً في شركة "كريم"، وأجره يتوقف على عدد طلبات التوصيل التي ينفذها، مبيناً أن "كل ذلك يتم عبر تطبيق إلكتروني، ولما كانت الإنترنت متوقفة فهذا يعني أن العمل متوقف أيضاً".
ويتابع: "حتى حين أعلنت الحكومة أنها أعادت خدمة الإنترنت، كانت الخدمة ضعيفة ولا تلبي احتياجاتنا نحن الذين تعتمد أعمالنا على الجيل الثالث من الإنترنت".
وبعد يوم واحد من خروج احتجاجات غاضبة في العاصمة العراقية بغداد وعدد من المحافظات، تسببت بوقوع عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى نتيجة لجوء قوات الأمن لاستعمال القوة، حظرت الحكومة الإنترنت عن جميع محافظات العراق، باستثناء مدن إقليم كردستان -السليمانية وأربيل ودهوك. ومن ثم، أعادتها بعد أسبوع من القطع، في يوم 8 أكتوبر/ تشرين الأول، لكن رفع الحظر هذا كان بشكل لا يسمح بعمل التطبيقات سوى الخاصة بالمراسلة.
التنقل بالاعتماد على شركات سيارات الأجرة التي تعتمد الحجز عبر تطبيق خاص على الهواتف الذكية وجدت فيه زينة عبد الحميد (28 عاماً) وسيلة أساسية للقيام برحلاتها المستعجلة. وتقول لـ"العربي الجديد" إنه منذ عام تقريباً انطلقت خدمات شركات أوبر وكريم في العراق، "وبدأت شخصياً التعامل معها بعدما استحسن الناس خدماتها".
وتلفت إلى أن "وجود شركة تدير أعمال جميع سيارات الأجرة عامل مطمئن. دائما ما تحصل حالات تحرش أو استغلال للنساء في سيارات الأجرة العادية، لذلك اعتمدت هذه الشركات من أجل راحتي وسلامتي فضلاً عن أن أجورها مناسبة". وتضيف زينة أن استمرار تحكم الحكومة بخدمة الإنترنت يضر بالناس كثيراً، خصوصاً أن شريحة كبيرة من المجتمع باتت تعتمد على هذه الخدمة في حياتها اليومية.
الوظائف والأعمال التي ترتبط بالإنترنت، لا سيما شركات سيارات الأجرة والتسويق، تعتبر حديثة العهد في العراق؛ لكون البلد كان يمر بحالة استثنائية بسبب الظروف الأمنية والسياسية التي أثرت على الحياة الطبيعية للسكان، إذ يوجد آلاف من النازحين والمهاجرين، فضلاً عن سيطرة تنظيم "داعش" لنحو ثلاث سنوات على مناطق واسعة من البلاد، وتلك كانت عوامل رئيسية يراها نجاح العلواني، "تقف وراء تأخر استغلال الإنترنت لخلق الوظائف".
العلواني وهو مهندس كومبيوتر ومدرب على طرق التسويق الإلكتروني، يشرح في حديث مع "العربي الجديد" أن "الاستقرار الأمني الذي تحقق دفع إلى خلق وظائف عبر الإنترنت، وزاد الإقبال من قبل الشباب والفتيات على هذا المجال، خاصة مع قلة فرص العمل بالمؤسسات الحكومية".
ويضيف: "اليوم لدينا ما يصل إلى 30 ألف وظيفة عبر الإنترنت تتمثل في تسويق العقارات والملابس والأطعمة والمصنوعات والفنون وتوصيل الطلبات وسيارات الأجرة وغيرها. لكن مشكلة كبيرة تواجه هذا العمل في البلاد تتعلق بالإنترنت، إذ هناك انقطاع للخدمة بشكل مستمر، أو ضعف في البث، أما وقف الإنترنت أخيراً بسبب الاحتجاجات، فتسبب بخسائر طائلة لهذه الشريحة من الشركات العاملة في البلاد".
وفي الإطار ذاته، يقول محمد الزبيدي، وهو موظف في شركة نقل محلية تمتلك تطبيقا على الهاتف، إن ما يزيد عن 5 آلاف سيارة أجرة تعمل على التطبيقات الذكية التابعة لمختلف شركات النقل بالعراق، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن الدخل الذي يوفره السائق من عمله يعتمد بشكل أساس على عدد ساعات العمل، وتوفر ساعة العمل الواحدة مدخولاً يراوح ما بين 15 و25 ألف دينار (12 إلى 22 دولاراً).
ويستدرك قائلاً: "لكن لنفترض أن ما يوفره السائق من ربح في الساعة الواحدة 10 دولارات، وأنه عمل لثلاث ساعات فقط في اليوم فهذا يعني خسارة 30 دولاراً في اليوم، وحين نضرب 30 دولاراً في عدد السيارات العاملة على هذه التطبيقات وهي 5 آلاف، فالخسارة تكون يوميا نحو 150 ألف دولار".