تونس تجفف مصادر تمويل الإرهاب

02 ابريل 2015
تظاهرات ضد الإرهاب إثر الهجوم على متحف باردو التونسي(الأناضول)
+ الخط -
لم تكن عملية باردو الأولى من نوعها في خانة الإرهاب الاقتصادي، لكن حصيلة هذه العملية جعلت منها الأخطر على اقتصاد تونس العليل، وخاصة أنها استهدفت قطاعاً كان يمثل 14% من الناتج المحلي الإجمالي قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
استهداف القطاع السياحي جعل الحكومة التونسية تسرع في عرض مشروع قانون الإرهاب على البرلمان لتمكين المستثمرين من ضمانات تشريعية، فضلاً عن تسهيل عملية محاربة التهريب وجرائم غسيل الأموال التي أفرد لها مشروع قانون الإرهاب نحو 44 فصلاً من إجمالي 138 فصلاً الواردة في القانون المعروض على المصادقة.
وتتوقع الأوساط الاقتصادية أن يساهم هذا القانون في محاصرة جرائم التهريب وغسيل الأموال، بفضل جذب حصة لن تكون بالهينة من الاقتصاد الموازي (غير الرسمي أو الأسود)، والذي تجاوزت نسبته 53% من الاقتصاد التونسي، وفق إحصائيات رسمية أكدتها وزارة التجارة.
ويرى الخبراء الاقتصاديون أن تونس دخلت حسب التصنيف العالمي في مرحلة اقتصاد الإرهاب (أكثر من 3 عمليات إرهابية في السنة) وهو ما يستوجب الإسراع في تعزيز التشريعات لمحاربة جريمة الاقتصاد الإرهابي الذي يستهدف عادة المصالح الحيوية للدولة لإضعافها.
وحذر الخبير الاقتصادي، مراد الحطاب، من ارتفاع معاملات الاقتصاد الخفي الذي يتمثل في التجارة الموازية وتبييض الأموال وإنشاء الشركات الواجهة وتفشي أصناف الإجرام الاقتصادي والضريبي، مشيراً إلى أن هذا النوع من الاقتصاد تطور من 22% قبل يناير 2011 إلى 53.4% من إجمالي الاقتصاد التونسي في الوقت الحالي.
وأرجع حطاب، في تصريحات لـ "العربي الجديد" تطور الاقتصاد الخفي أو غير الرسمي، إلى تنامي ظاهرة الإرهاب الذي يعتمد بكثافة في تمويلاته على التهريب والتمويلات الخارجية والتحويلات المالية خارج القنوات الشرعية، إلى جانب تفاقم العجز التجاري للبلاد الذي يقلص من قدرتها على الإيفاء بتعهداتها.
وأضاف حطاب أن شبكات الاقتصاد الموازي في تونس تستقطب الآلاف من اليد العاملة النشيطة التي تعمل في ظل ظروف هشة ودون أي تغطية اجتماعية، كما يتسبب هذا الوضع على حد تعبيره، في نزيف ضريبي، مشيراً إلى أن هذه الأنشطة لا تساهم الا بنسبة 1.7% من إجمالي الإيرادات الضريبية للدولة، حسب ما ورد في تقرير البنك الدولي في مايو/أيار 2014، في تقرير عن تونس بعنوان الثورة غير المكتملة.

ودعا الحطاب إلى مزيد من تفعيل منظومات مقاومة تبييض الأموال، والامتثال للقواعد المتعلقة بالتحويلات المالية، إلى جانب تقوية المنظومة الأمنية بهدف محاربة التهريب بالمناطق الحدودية أو بالمعابر الرسمية.

قطع الأذرع الاقتصادية

من جانبه، قال النائب في البرلمان عن حركة النهضة سليم بسباس (وزير مالية أسبق) إن قانون الإرهاب يضم في جزء كبير منه فصولاً تقوض الذراع الاقتصادية للإرهابيين، وذلك بتجفيف منابع التجارة الموازية التي ينتعش منها الإرهابيون عبر تجارة المخدرات والتبغ المحظورين.
واعتبر نائب البرلمان، في تصريح أدلى به لـ "العربي الجديد"، أن تجفيف المنابع المالية للإرهاب مهم جداً في الحدّ من تحركات الإرهابيين حسب ما أثبتته كل التجارب المقارنة، مشيراً إلى الدور الكبير الموكل للمصرف المركزي التونسي في مراقبة التحويلات والإيداعات المالية وتداول الأموال خارج الأطر الاقتصادية المشروعة.
وشدد وزير المالية التونسي الأسبق على أهمية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التونسية في السنوات الثلاث الماضية لتفعيل الرقابة المالية، مؤكداً على أن هذه الإجراءات لم تأت أُكلها بالقدر الكافي نتيجة تفكك مؤسسات الدولة وحالة الارتخاء العام التي تعيشها البلاد.

اقرأ أيضا:
تداعيات باردو: المستثمرون يطلبون الحماية في تونس

بنظرة إيجابية، يتوقع بسباس، أن يساهم قانون الإرهاب بذراعيه الأمني والاقتصادي على المدى المتوسط في الحد من الخطر الإرهابي الذي عمل على مدى السنوات الماضية على ضرب المصالح الحيوية لخلق تربة خصبة ينتعش منها.
كما يتوقع نائب البرلمان أن يحد قانون الإرهاب الجديد من التجارة الموازية لتنحسر في السنوات القادمة في 15% من النشاط الاقتصادي، بعد أن تجاوزت حالياً الـ 53% من النشاط الاقتصادي، وفق تعبيره.


تهديد المؤسسات

ولفت الخبير في المخاطر المالية، عز الدين سعيدان، إلى أن الإرهاب الاقتصادي مرشح للتفاقم إن لم تبادر حكومة الحبيب الصيد، الحالية، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لاحتوائه خلال الـ 100 يوم الأولى من مدتها (تم تشكيلها قبل شهرين)، والإسراع بإصدار القوانين التي تقطع الطريق على جرائم غسيل الأموال والتهريب التي تمثل أكبر الروافد المالية للإرهاب.
ورأى المتحدث في تصريح لـ "العربي الجديد" أن دفع الاقتصاد الرسمي من شأنه الضغط على مظاهر الاقتصاد الخفي الواجب إدماجه في الدورة الاقتصادية المنظمة.
كما دعا سعيدان إلى ضرورة إنعاش التصدير وترشيد التوريد ومقاومة الاقتصاد الخفي بضخ مليار دولار في النظام المالي لإعادة رسملة المؤسسات المصرفية، استناداً إلى تقديرات صندوق النقد الدولي وهيئات مالية عالمية أخرى لدعم جهود المؤسسات وإنعاش الإنتاج والاستهلاك والتشغيل، والشروع في التنفيذ التدريجي لأكثر من 581 مشروعاً معطلاً في المحافظات الداخلية للبلاد.
وكان محافظ البنك المركزي التونسي، الشاذلي العياري، قد أكد على ضرورة العمل في الأشهر القادمة على إنعاش الاستثمار الحكومي والخاص، اللذين تراجع تدفقهما بمعدل سنوي فاق 22% منذ عام 2012.

مراقبة المعابر

وحذر مختصون في الجمارك من أن التهريب أصبح ظاهرة متطورة نظراً للعمليات المنظمة والأساليب المتخذة فيه. ولم تقتصر ظاهرة التهريب على المسالك الصحراوية والجبلية الوعرة لتونس، بل تجاوزت إلى العبور عن طريق المداخل الرسمية من موانئ ومعابر حدودية وموانئ جوية، كما بات التهريب يشمل كل شيء بما في ذلك العملات الأجنبية، فضلاً عن المواد الغذائية والمحروقات والعملة الصعبة والملابس.
وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن الإيرادات الجمركية في المعابر الحدودية تساهم بحوالى الثلث في الموارد المالية للدولة.
ولئن كانت نسبة كبيرة من التهريب مرتبطة بمجموعات إرهابية، حسب تصريحات مسؤولين أمنيين في تونس، فإن الدولة إلى الآن لم تجد خطة محكمة للحد من ظاهرة التهريب، مع العلم أن العديد من العائلات وخاصة بالمناطق الحدودية تعيش بفضل السلع المهربة، وهو ما يقتضي اتخاذ قرارات ناجعة تتمثل أساساً في توفير فرص عمل.

اقرأ أيضا:
تونس: اعتداء "باردو" يضرب الاقتصاد العليل
المساهمون